الشباب العراقي ... الواقع والمعالجات (ورقة دراسة مقدمة الى الجهات الوطنية المسؤولة عن التربية والتعليم والشباب في العراق)
    

 

الشباب العراقي ... الواقع والمعالجات 
 
  
 
 الكاتب والباحث : سامي الفارس 
 
ورقة دراسة مقدمة الى الجهات  الوطنية المسؤولة عن التربية والتعليم والشباب في العراق 
 
 
 
الشباب  هم الطاقة البشرية الكامنة وشريان الأمة النابض بالحيوية والطموح وأمل الشعوب في تغيير الواقع  نحو مستقبل أفضل .
تفتخر الشعوب المتقدمة   بنسبة الشباب العالية   في تركيبة  سكانها 
الشباب الشريحة التي يقع على عاتقها النهوض في تنفيذ الخطط التنموية للبلاد  . 
   
 تتشابه أحتياجات  الشباب  في كل بقاع الأرض  وتختلف أيضاً  الحكومات  حسب نوع السياسات التي تتخذها  في معالجة قضايا الشباب.
 
 
الشباب وعملية البناء والأعمار    
   
  أولاً : الأستثمار السلبي  لطاقة الشباب يقوم على هدر هذه الطاقة فتصبح   معطلة  دون الأستفادة من قدراتها وإمكانياتها الكامنة و تتحول  خطراً  على الأمة وتصبح من الأسباب الرئيسية في تحطيم عجلة الأقتصاد  وتصيب جراء ذلك جميع مرافق الحياة  الأخرى بالشلل التام اذا لم تتداركها حركات الأصلاح لتوفير  أحتياجاتها والخدمات اللازمة لها  ومعالجة وإصلاح منظومة القيم . 
 
 ثانياً : الأستثمار  الإيجابي  لشريحة الشباب والتعامل معهم باعتبارهم هم المحور الأساسي  في عجلة التنمية المستدامة  للشعوب  وذلك من خلال مخرجات تنموية بشرية مدروسة  فيصبحون الرافد الأساسي  ، و الطاقة المحركة  التي تتمتع بالقدرة على  الأعمار والبناء والتقدم في  كافة مجالات الحياة فتنهض  الشعوب وينتعش الأقتصاد وينتشر الأمن والأمان والأستقرار ، فترتقي البلدان من خلال توظيف  طموحاتهم المستقبلية وقدراتهم  على التحدي في مواجهة الصعاب  في عملية البناء والأعمار .  
 
العراق وعلى مدى عقود  من الزمن ونتيجة العديد من المعطيات والظروف ومنها السياسية المعقدة تعامل مع الشباب  من خلال النموذج الأول  في هدر هذه الطاقة  بل اصبح طارداً  للكفاءات ولم تضع الحكومات  العراقية المتعاقبة  خطط  فعلية  تنموية شبابية تدرس سبل الأستفادة  من قدراتهم ،  لذلك لم يعرف العراق  الأستثمار  في الطاقة البشرية  بل أستثمرها  النظام السابق  فقط في الحروب وساحات القتال والمقابر الجماعية والكيمياوية .
 لم يستفيد العراق أيضاً من تجارب الدول التي  لها تجارب إيجابية رائدة  وواقع متشابه  لما مر به العراق من أزمات  أقتصادية وسياسية وحروب وكيف أستطاعت هذه البلدان  أن تتجاوز كل الصعاب والعراقيل وأصبحت تجربتها  من التجارب العالمية الرائدة  في أستثمار الطاقة البشرية   وفي الشباب بشكل خاص ،  مما أدى  الى تطور خطط التنمية فيها وأصبحت لها   مكانة متقدمة بعدما خرجت من حروب طاحنة ولسنوات عديدة أنهكتها اقتصادياً وجعلتها   تعاني العديد من الأزمات وتحولت  فيما بعد الى دول لها تأثير كبير في الأقتصاد العالمي والقرار الدولي  ، وذلك بفعل سياساتها الناجحة  في معالجة قضايا الشباب .
 
عند تشخيص واقع  الشباب العراقي  المأزوم والذي عانى  من معضلات  عصيبة و مشاكل مستعصية على مدى عقود مضت نحتاج الى  دراسة الواقع العراقي  وتشخيصه وإيجاد الحلول المناسبة بشكل دقيق .
 
 المشكلة الحقيقية لشباب  العراقي هي مشكلة شعب لديه طاقة بشرية معطلة وعانى من الظلم والأضطهاد لعقود من الزمن ومن سياسات بائسة .
 يتشابه الواقع العراقي  أحياناً مع العديد من المشاكل والمعضلات التي عانى  منها الشباب العربي والدول الأقليمية في العموم ولكن تختلف على وجه الخصوص
 
 مشاكل الشباب العراقي هي نتيجة العديد من الأسباب الرئيسية منها : 
 
 أولاً :  الحروب  والمعارك  
 
 تعتبر الحروب بكل أنواعها  من اخطر الأسلحة الفتاكة  في تدمير الطاقة البشرية  عموماً وعلى الشباب بشكل خاص  وتعد سبباً رئيسياً  في تخلف الشعوب وتراجعها عن حركة التقدم والتطور العالمي وتعمل على أجهاض قدرات وطاقات البلد المادية والبشرية فتصبح  هذه الدول  تعاني من أزمات  متفاقمة ، وذلك نتيجة تدمير البنية التحتية وأستنزاف لطاقة  البشرية     
 واجه الشباب  العراقي خطر الحرب في الدفاع  عن البلد فكانوا الوقود الذي غذى  هذه  الحروب فقتل معظمهم فيها  والبعض  الأخر  وقع أسيراً ولسنوات أو خرج من الحرب معوقاً  جسدياً  أو يعاني من أمراض  نفسية وعقلية  ، مما جعل  الأمة في  عجز تام  بعد ان فقدت  نسبة كبيرة من طاقتها التي كانت تعتمد عليها  في عملية البناء والأعمار . 
شهد التاريخ  العراقي الحديث  وعلى مدى عقود من الزمن  حروب  هوجاء طالت لسنوات عديدة وعلى سبيل المثال الحرب العراقية الأيرانية في ثمانينيات القرن الماضي  1980وأستمرت على  مدى ثمان سنوات قتال دامي  كان الشعب  العراقي تحت ظل الدكتاتورية  لايملك القرار في  حرب سلطوية دموية ذهب ضحيتها أعدداً كبيرة من الشباب و بمعدل مليون شهيد ومليون معوق وأسير معظمهم من الشباب الذين تترواح أعمارهم بين 18 الى 40 سنة 
وطالت  أضرار الحرب أيضاً   الفئات العمرية الشابة  من النساء اللواتي فقدن أزواجهن وأولادهن  وترملن في سن مبكّر ، وخلفت الحرب أعداداً كبيرة من الأيتام  الذين هم  في أمس الحاجة الى رعاية  وعناية الأسرة المتكاملة  وبالتالي أصبحت هذه الأعداد فيما بعد  من ضمن إعداد الشباب التي  يجب أن تنهض في البلد بعد عام 2003  رغم معاناتها القاسية والمريرة  مع تجربة الحروب التي ولدت فيها ومنحتها  ثقافة العنف والقسوة     .
  خرج العراق من  حرب الخليج  الأولى عام 1991  بخسارات فادحة بالأرواح   معظمهم من الشباب وعانى الإحياء منهم من العوق الجسدي والنفسي وحالات الأحباط واليأس  ، وشهد البلد تدميراً  للبنية التحتية وللمنشئات العامة   . 
 
سقط النظام في  عام 2003  ودخل العراق مرحلة جديدة من  الصراع السياسي على السلطة ومن التعصب الديني الذي بلغ ذروته  مما جعل العراق  ساحة للأقتتال الطائفي والقتل على الهوية وتصفية حسابات دولية وأقليمية ومحلية
وخيم خطر الحرب  الإهلية  على الواقع العراقي المأزوم  وجرى تقسيم  المدن على أساس طائفي وعرقي  وانتشرت حالة الذعر والأرهاب في اغلب محافظات العراق  حتى أصبحت جميع ايام الأسبوع دامية .  
ذهب  ضحية العنف والأرهاب  وعدم الأستقرار الأمني أعداداً كبيرة  من الشباب  من كافة شرائح المجتمع في وقت  كان العراق فيه بأمس الحاجة الى تلك الطاقات الشابة  من أبناء البلد في عملية البناء والأعمار والتي ينتظرها الشعب بعد سقوط النظام 
 
دخل العراق في عام 2014  مرحلة جديدة من القتال وهي الحرب ضد داعش  العصابات  التي احتلت المدن ودمرت البنية التحتية   للبلاد ونهبت الأثار وتعرض شباب العراق في المحافظات  المحتلة  الى  التهجير مع عوائلهم  والقتل  العشوائي والقتل  على الهوية وانتشرت الممارسات التكفيرية  والأفكار القبلية المتعصبة وسوق النخاسة فتم بيع وسبي العديد من  النساء وأغلبهن في عمر الشباب  . 
ومن جرائمه البشعة  ضد الإنسانية الأعدامات  الجماعية للشباب  وعلى  سبيل المثال مجزرة سبايكر التي ذهب ضحيتها 1700 شاباً  خلال ساعات معدودة 
وعانى العراق  معاناة قاسية ومريرة في هذه المرحلة  التي استمرت اربع سنوات تقريباً  تصدى شباب العراق  من القوات المسلحة والأمنية ورجال الحشد الشعبي  للدفاع عن الوطن في مواجهة شرسة مع   هذه العصابات الأجرامية  
خسر العراق  خلالها أعداداً  كبيرة  من الشباب   في هذه المعارك  الطاحنة .  
  مما أدى الى تعطيل وشلل في عمليات البناء والأعمار  نتيجة  العنف والأرهاب وعدم الأستقرار الإمني وتحولت اغلب الأموال التي رصدت الى الخطط التنموية لقطاع الشباب الى التجهيزات العسكرية والحربية وتغطية نفقات الحرب  وتوقفت العديد من مرافق الحياة وأنكمش سوق العمل  .   
 
 
 ثانياً الركود الأقتصادي 
 
الحروب بكل أنواعها تولد طبقة فاحشة الثراء من  تجار السلاح والموت والدمار،  في حين  يكون  نصيب الجنود الذين ساهموا في الدفاع عن الوطن التقشف والركود  الأقتصادي الذي  يتمخض بعد كل انواع الحروب الأقليمية او المحلية او الدولية أوالأقتتال الطائفي فالحرب العراقية الأيرانية تركت لنا دماراً للبنية التحتية لحقها  حصاراً اقتصادياً جائراً  ذهب ضحيته آلاف من الشباب  ومن كافة شرائح المجتمع نتيجة نقص في الدواء والغذاء   
 مر العراق خلال فترة الحصار الأقتصادي  بأسوء حالة اقتصادية في كافة مجالات الحياة تعرضت فيها  مشاريع  التنمية الصناعية  والعمرانية  للقطاع العام والخاص الى دمار شامل وشلل تام نتيجة نقص في المواد الأولية  الخام الداخلة في الصناعة والتي كان البلد يعتمد على استيرادها من الخارج  .  
تركت الحرب على داعش بعد عام 2014 تقشفاً اقتصادياً قاسياً عانى منه الشعب  طال كل مرافق الحياة في التعليم والصحة وانكماش في سوق العمل أيضاً   
وأصبح أول المتضررين هم الشباب وعانى  الناجين منهم  في البحث عن لقمة العيش أو الحصول على وظيفة مع معاناة   المعوقين الصحية المريرة نتيجة ضعف في الرعاية والعناية  الصحية وصعوبة توفير العلاج اللازم والخدمات المناسبة  وذلك بسبب  الواقع الصحي المتردي للمستشفيات  بشكل عام وضعف طاقتها الأستيعابية  .
 
البطالة :
 تعتبر البطالة من النتائج  الرئيسية للركود  الأقتصادي نتيجة عدم توفر فرص العمل المناسبة وغير المناسبة مما يجعل الشباب يشعر بالأحباط والأنكسار والخيبة من واقعهم المأساوي الذي يؤدي  بهم  الى نتائج وخيمة فيصبحون قوة معطلة تسلك طريقاً يجعل من هذه الطاقة الغاضبة على الواقع الأقتصادي والخدمي  المرير الذي يعيشونه الى طاقة سلبية  مهدورة تتخذ الأساليب الغير المشروعة  لكسب  لقمة العيش منها  على سبيل المثال تجارة المخدرات والسرقة والقتل والعمل مع العصابات الإجرامية ، أو يتخذون  الهروب من الواقع المرير الذي يعانون منه مع عوائلهم  وهو التفكير الجدي بالهجرة بعد شعورهم  بأزمة الهوية . 
 
آزمة الهوية
 
الهوية هي التمسك بالوطن والأعتزاز بجميع  مفرداته اللغة والتاريخ والثقافة والتقاليد والموروث الديني والحضاري المشترك 
على الرغم من أزدياد منظمات المجتمع المدني  بعد عام 2003 وعملها  لدعم الشباب والمرأة والطفولة ، وعمل بعضها بالتعاون مع المنظمات العالمية الساندة والداعمة للتطوير الشباب وإيجاد الحلول  والمقترحات المناسبة لكنها استخدمت استخداماً سيئاً وذلك بسبب  عدم وجود ثقافة العمل التطوعي المشترك مع المؤسسات الأجنبية سابقاً نتيجة  سياسيات النظام قبل 2003  .  
عملت وزارة الشباب والرياضة ساعية لإيجاد  الحلول المناسبة من خلال ورش العمل  والملاعب الرياضية والمسابقات   وتفعيل دور الشباب ولكن هذه الحلول لم توفر فرص عمل وعيش كريم لشباب او تخليصهم من حالات الاحباط التي جعلتهم  يتخلون عن الهوية ويبحثون عن طرق للهجرة نتيجة شعورهم بعدم  العدالة الإجتماعية وصعوبة  حصولهم على الفرص العمل  المناسبة للعيش الكريم ولشعورهم بتخلي المؤسسات الحكومية عن دورها في توفير احتياجاتهم والخدمات المطلوبة التي يجب  أن توفرها لهم   
وعجزت المؤسسات الأخرى  هي أيضاً "المدرسة والأسرة والمجتمع  "عن توفير احتياجاتهم لذلك  تؤكد جميع البحوث ان مشاكل الشباب في الوقت الراهن هي أزمة مجتمعية حقيقية تجسدها حالات الضياع وأزمة الهوية وضعف الأنتماء الى الوطن .وتعتبر أزمة  الهوية الوطنية  من أخطر الحالات التي تهدد البلدان وتدفع بالطاقة الشابة  الى الهجرة  
وعند متابعة بيانات وزارة التخطيط  نجد ان ارتفاع مستوى دخل الفرد في عام 2008 وصل مايقارب ثلاث أضعاف على ماهو عليه في عام 2003 ولكن المؤشرات الإجتماعية تؤشر على عدم أرتفاع دخل الفرد ولم يحضى الشباب العراقي  بالمتطلبات الخاصة بهم وذلك نتيجة البطالة وأرتفاع نسب التضخم 
وكذلك الخطط التي وضعتها وزارة التخطيط العراقية ضمن ( خطة التنمية الوطنية)  منذ سنوات ونتيجة عدم الأستقرار والحرب على داعش لم تحقق هذه الخطة التوازن الأمثل بين أحتياجات الدولة وأحتياجات الشباب وكما ذكرنا سابقاً 
مع العلم ان حصة الشباب في خطط التنمية الوطنية كبيرة جداً ولكن لم يتحقق منها الكثير وصرفت  معظم  تلك الأموال بعيداً عن احتياجات الشباب وذلك بسبب  الظروف المعقدة  المحيطة بالبلد والتي جعلت  من الشباب العراقي  يشعر باليأس وبالأهمال المتعمد من قبل مؤسسات  الدولة ولد لديه ذلك  أزمة الثقة بالمؤسسات الحكومية المسؤولة عن التخطيط والتنفيذ المباشر  .
 
العولمة 
 
العولمة تسمية تعني الكثير في عالمنا اليوم  وهي أيضاً تعني الأنفتاح على الأخر فأصبح العالم قرية صغيرة من خلال وسائل التواصل الأجتماعي والتكنلوجي ونقل المعلومة السريع بمايخدم التطور والتقدم الإنساني  في جميع العلوم والمعارف    
والعولمة تساعد على ذوبان الخاص بالعام وعلى  فقدان الهوية وتوفر  أسباب الهجرة بما يحقق  أحلام الشباب بأكتشاف العالم والهروب من الواقع وتحقيق  مايطمح به في الحصول على فرص  للعيش  والعمل الحر مما يسهل له التخلي  عن الهوية الأجتماعية والوطنية .   
فأصبحت العولمة هي  التحدي الكبير أمام الحكومات في العالم الثالث مما جعلها التفكير  بشكل عملي في خطط لتدعيم المحافظة على الهوية والتمسك بها دون مواجهة او صراع خاسر مع العولمة يجعلها تخسر .    
 الأنفتاح الأعلامي أحد وسائل العولمة  في توصيل مفرداتها  
والأعلام  هو المدفعية الثقيلة في المعركة وسلاح خطير ممكن ان يستغل أبشع استغلال من خلال قنوات فضائية   تحمل اجندات خاصة بها  معادية للعلم والمعرفة و تبث بعضها وبشكل مقصود سموم التخلف والجهل وتعمل على تدمير  الشباب ببرامج تستهدف عقولهم  وافكارهم  وتوجههم  بشكل منحرف ليكونوا طاقة معطلة مهمشة ينشغلون  بقضايا وهموم بعيدة عن الأنتماء الحقيقي للوطن ونتيجة ذلك  ستكون لدينا أعداداً كبيرة من الشباب المعوق فكرياً غير قادر على إلحاق بالتطور والنهوض  بحركة التنمية في البلد ليأخذ زمام المبادرة في العمل والبناء .  
 
التعليم:
 
 عندما ينحرف التعليم  عن مساره الصحيح  نتيجة العديد من الأسباب  والمشاكل والمعوقات وطرق الفساد المتعددة يصبح التعليم  عبئاً ثقيلاً على الشعب والدولة 
والتعليم في العراق منذ إيام  النظام السابق يعاني من العديد من  المعوقات والمشاكل المستعصية التي انعكست على مستقبل شباب العراق في المدارس والجامعات  
  سعى النظام السابق وبطرق قاسية وعنيفة   على قتل وتهجير العقول والطاقات العلمية  التي كانت تحلم بالخلاص من الواقع المرير الذي يعيشه الشعب جراء  الدكتاتورية وأحلامها المريضة وأهدافها البغيضة 
فهاجر اغلب الأطباء والعلماء والمفكرين للخلاص من الواقع التعليميي المأزوم 
بعد أن تمت أدلجة  المناهج التعليمية وبشكل سلطوي تعسفي صادر  حرية الأنسان العراقي والشباب من التفكير الحر والإرادة المستقلة وغصت السجون والمعتقلات بالعديد من طلاب المدارس والجامعات والمثقفين من الذين يمتلكون وعياً وحساً وطنياً 
وتمت مصادرة حرية الشباب في العديد من مجالات العلم والمعرفة والثقافة وحجب العراق عن التواصل مع العالم الخارجي  مع مراقبة شديدة لما ينشر في الصحف والمجلات والدوريات  
وبعد سقوط النظام عانى التعليم أيضاً  ولايزال من  معوقات  كبيرة ومعقدة في المناهج التعليمية  التي أصبحت معظمها  دون المستوى المطلوب  بعيدة  عن الأكاديمية ووصلت اليها أيادي التجار والفساد الإداري  ، مع أزدياد غير طبيعي   لحالات التسرب من المدارس نتيجة الفقر والحرمان ، وقلة الأبنية المدرسية امام إعداد الطلبة المتزايدة في كل عام دراسي 
ضعف الجانب الأكاديمي والمهني عند الهيئات التعليمية في المدارس   الذين تخرجوا من الدورات السريعة فأغلبهم غير مؤهلين لقيادة مجتمع وتعليم جيل 
والتعليم الجامعي هو الأخر له معاناته الخاصة التي لاتختلف عن مشاكل  التربية والتعليم بشكل عام بل بعضها اكثر تعقيداً جراء بعض القوانين التي تصدر دون دراسة او معرفة اثارها التي ستخلفها هذه القوانين 
اذا عانى طلاب  الجامعات بعد إقرار التعليم الإهلي بعدم تكافؤ الفرص مع طلبة الجامعات الحكومية الذين لاتتوفر لديهم الإمكانية المادية 
مما جعل حالة الإحباط والشعور باليأس تدب بين معظم الشباب الجامعي   
ومن الأسباب الرئيسية  التي عانى  منها التعليم العالي  هي عدم تكافؤ مخرجات التعليم مع فرص العمل المتوفرة في سوق العمل  وعدم استيعاب  العديد من المؤسسات  الحكومية للطلبة الخريجين وإيجاد وظائف تتناسب مع  اختصاصاتهم .  
يقابل ذلك عجز تام وشلل في القطاع الخاص الذي عانى  العديد من المشاكل التي  خلفها النظام السابق والوضع الحالي  وعدم تمكنه من  أن يأخذ دوره بفاعلية ليستقبل الطلبة الخريجين والأستفادة من خبراتهم  الإكاديمية في العمل 
أدى ذلك فيما بعد الى  ظهور إعداداً  كبيرة من  البطالة في صفوف الشباب خريجي الجامعات والحاصلين على شهادات جامعية أولية 
وضعت الدولة العديد من الخطط والبرامج  التنموية لشباب ليس لها مثيل لأنقاذ  التعليم ولكنها بقيت حبر على ورق ولم يتم تفعيلها وذلك بسبب الظروف القاسية التي عانى  منها البلد والتي تم ذكرها سلفاً وكذلك بسبب  سياسات الفساد الإداري  
 
الحلول والتوصيات :
 
 العراق بلد نسبة الشباب فيه  تشكل ثلثي نسبة عدد السكان  في العراق مع ازدياد سكاني متزايد ونماء بشري مستمر   ويتمتع بثروات معدنية هائلة وموقع  جغرافي متميز وطاقة بشرية تمتلك من العمق الحضاري والموروث الفكري والثقافي مما يجعله شعب قادر  على التغيير والبناء وتجاوز العقبات  .  
 
أولاً - تدعيم عوامل المواطنة لدى الشباب   
 
١-تكافؤ الفرص  بين الشباب في الدراسة والعمل وفي كافة مجالات الحياة ولكلا الجنسين دون  طائفية او محاصصة .   
 
٢- التسامح ونبذ الطائفية والعنصرية وغرس ثقافة المحبة والسلام بين الشباب 
وقبول الأخر . 
 
٣- تدعيم التمسك بالهوية الأجتماعية والوطنية  من خلال مشاركة الشباب في الحياة الثقافية والسياسية والإجتماعية ومنحهم  اليات التفاعل الإجتماعي و قيادة منظمات المجتمع المدني مع أحترام كافة الهويات والأنتماء الفكري والعرقي والسياسي وفسح المجال أمامهم  في ممارسة نشاطاتهم   بشرط عدم تعارضها مع الأهداف الوطنية  مع توفير الضمان الحقيقي لمستوى معاشي مقبول وتوفير الأحتياجات الأساسية بما يعزز تمسكهم بالهوية والتخلي  عن التفكير بالهجرة .
 
٤-  تعزيزثقافة العمل التطوعي  ومساعدة الأخرين  من خلال المنظمات  الشبابية التطوعية الواعية والأستفادة من التجارب العالمية المتقدمة  في هذا المجال 
 وللعمل التطوعي أثر كبير في غرس حب الوطن  في نفوسهم مما يجعلهم  يتمسكون ويفتخرون بمنجزاتهم التي  تزيد من الأواصر الإجتماعية وتزيل الفوارق الطبقية  والعرقية وتجعل الشباب يتطلعون  الى التواصل مع تجارب عالمية رائدة وتطبيقها في مجتمعهم حرصاً منهم على النهوض بالواقع ومساهمة جادة وفاعلة  في عملية البناء والأعمار بشكل تطوعي   .  
 
٥- الأستفادة من تجارب الشعوب المتقدمة في كيفية أحتواء  العولمة والتعامل   معها بشكل  إيجابي من خلال  وضع برامج لخطط تنموية شبابية لتطوير  خبراتهم وتسهيل عملية تواصلهم مع العالم الاخر  لنقل التجارب الشخصية الناجحة والأستفادة منها  بدلاً  من محاربة  العولمة  والدخول في صراع  خاسر معها  .  
 
ثانياً : تحقيق التوازن عند وضع الخطط التنموية للدولة ويجب أن تعطى فيها  الأولوية والأهمية القصوى الى احتياجات الشباب وعدم التهاون بتطبيقها او الغائها او اتخاذها مجرد دعاية انتخابية مع وضع  خطط وأسترتيجيات وسياسات تنموية متكاملة  وتنفذ بالكامل وكما  وضعت مما يزيد من ثقة الشباب  وشرائح المجتمع  عموماً  ويعزز ثقتها بمؤسسات الدولة  .  
 
ثالثاً : الأهتمام بأنشاء مراكز للرعاية الإجتماعية والتأهيلية حديثة للشباب وتجهيزها بأدوات متطورة لمعالجة الحالات المختلفة والأصابات   وكذلك رعاية الصحة النفسية والعقلية التي عانت من العنف  والإرهاب ، والأشراف المباشر على هذه المراكز التدريبية   من قبل وزارة الشباب والمؤسسات التابعة لها مع توفير  الرعاية والأمتيازات  الخاصة بالمعوقين  وذلك وفق قانون حقوق الأنسان والدستور العراقي  . 
 
رابعاً : التعليم يجب اتخاذ  سياسات تربوية ناجحة في التعليم  والأستفادة من تجارب الشعوب التي لها تجربة مماثلة مع الواقع العراقي بعيداً عن المثالية في التطبيق وإعداد مناهج تربوية حديثة تتناسب مع روح العصر  مع مراعاة الإجيال الحالية او مايسمى بالجيل الرقمي  وذلك من خلال  تأهيل الهيئات التعليمية ورفع الكفاءة المهنية للهيئات الإدارية والتعليمية  المتخصصة 
وتضمين المناهج التربوية دروساً في التنمية البشرية وكذلك العمل على مناهج تنشر لغة المحبة والسلام وقبول الأخر وتعتمد  مفهوم الوطن للجميع مما يعزز الروح الوطنية لدى الشباب . 
 
 
خامساً :  تنمية ودعم ومساندة وتفعيل القطاع الخاص  ووضع خطط تنموية  شاملة ذات فاعلية وفائدة اقتصادية والاستفادة من تجارب الشعوب في هذا المجال ، التي جعلت من القطاع الخاص   قائداً وعاملاً مساعداً للنهوض في عملية التنمية الصناعية والعمل على وضع خطط لأستقطاب إعداداً من الخريجين الشباب من المعاهد الفنية والجامعات العلمية  والأستفادة من خبراتهم الأكاديمية وتأهيلهم مهنياً وتشغيلهم  في سوق العمل مما يجعل من القطاع  الخاص يشارك مشاركة فعلية في تحقيق التنمية المستدامة للبلد ويدعم خطط الشباب للنهوض بالأقتصاد العراقي في المشاريع الصناعية الرائدة للبلاد   
 
سادساً : تعزيز دور الأسرة والمدرسة في تنشئة الشباب ودعم هذه المؤسسات المجتمعية  الأساسية في بناء المجتمع  بالوسائل التي تمكنها من  أن تؤدي دورها المؤثر في الحفاظ على المجتمع وتعزز التمسك بالهوية ليكون الشباب قادر على تحمل المسؤولية .  
 
سابعاً : إعطاء الدعم الكافي للحركة الرياضية والتوسع في بناء الملاعب والمشاركات الرياضية المحلية والأقليمية والدولية بما يعزز من روح التفاني والأخلاص لدى الشباب لتحقيق مكاسب وانجازات رياضية 
وكذلك الأستفادة من الطاقة الكامنة لدى الشباب في العاب رياضية جماعية وفردية مفيدة تَخَلَّق منهم  ابطالاً وقادة للمستقبل واثقون من قدراتهم وكذلك  تقلل من واقع  الجريمة في صفوف الشباب  أو اللجوء الى المقاهي وإماكن  تواجد العاطلين عن العمل .
 ووضع خطط من قبل وزارة التربية لمكافحة العوامل الإجتماعية والأقتصادية التي تشجع الشباب على التسرب من المدرسة 
 
ثامناً  : أقامة المؤتمرات الشبابية والملتقيات التربوية والتعليمية التي تركز على الحوارات الثقافية في التقارب الفكري  بين الشباب وأزالة الحواجز المتراكمة وغرس الروح الوطنية  ومبادئ الديمقراطية  وأحترام الأخر والعمل الجاد على التواصل مع الشباب العراقي المغترب والأستفادة من خبراتهم وطاقاتهم في عملية البناء والأعمار وفسح المجال أمامهم في العودة  الى البلد وتوفير  فرص العمل المناسبة لهم لتشجيع الهجرة العكسية ووضع خطط عملية للأستفادة من الأجيال  التي تعيش في المهجر ودعم البرامج التعليمية  التي تنمي وتدعم حبهم للغة العربية وتعزز من  تواصلهم مع البلد الأم    . 
 
تاسعاً : رفع الكفاءات  العلمية والمهارات الفنية والأبداعية وتعزيز روح الأكتشاف العلمي عند الشباب  ودعم البرامج التعليمية التي تطور من التعليم في الجامعات والمعاهد  وفتح المعاهد الحديثة والمتطورة والتي توفر الطرق  التكنولوجية الحديثة في الصناعة  مع دعم القطاع الخاص لفتح المعاهد الفنية الأهلية التي تمنح شهادات دولية وتتبنى توظيف الشباب بعد الدراسة في منشأتها الصناعية .
 دعم البعثات العلمية  الى خارج القطر وتوفير سبل الدراسة الممكنة لطلبة المبتعثين ووضع خطط وتعليمات وقوانين جامعية ثابتة تتناسب مع احتياجاتهم والتواصل مع الجامعات العالمية وتبادل الخبرات والمنفعة العلمية معها والعمل بنظام التوأمة  مع الجامعات التي لها مكانة مرموقة عالمياً . 
 
عاشراً : مساعدة أبناء الشهداء والمهجرين ببرامج مخصصة  في الدراسة والعمل متابعة حسب خطط تنموية بأشراف  وزارة الشباب والمؤسسات  التابعة لها في المحافظات  ، 
بعيداً  عن المحاصصة والطائفية  وبمساندة منظمات المجتمع المدني  والجامعات الحكومية والأهلية والعمل على تطوير  قدراتهم العلمية والمهنية  بالتنسيق مع مكاتب خاصة في كل وزارة لدعم الخدمات  التي تقدم لهم  وتسهيل الحصول عليها  .
وأقامة  المعسكرات الشبابية الثقافية  والعلمية والرياضية والفنية داخل وخارج العراق لتبادل  الخبرات والمسابقات الشعبية والدولية .   
 
الحادي عشر : دعم الأعلام الهادف الذي يواكب  التطور العالمي  ويبث روح الشعور بالمسؤولية وينمي القدرة على التحدي وينشر لغة المحبة والسلام ويغرس المواطنة  والتمسك بالهوية دون ان يتعارض مع العولمة ويدخل في صراع معها ويعزز من اندفاع الشباب في العمل والبناء  والأعمار ويبث برامج فكرية وعلمية  بأسلوب حضاري يتناغم مع روح العصر    .
 
 
سامي فارس 
رئيس جمعية المدارس العربية التكميلية في المملكة المتحدة 
ناشط مدني بالتربية والتعليم والشباب  
 
 
 
 
 
 
محرر الموقع : 2018 - 12 - 11