باحث ديني : الغدير يعني تولي أجدر الناس وأفضلهم مقاليد الأمور
    

ان الغدير مكمل لمقصد البعثة النبوية، فلو قبلنا بان مقصد البعثة النبوية وهدفها هو تربية الإنسان وتحقيق الحياة الإيمانية للمسلم، ففي الحقيقة انه بالغدير تتحقق تربية الإنسان والحياة الإيمانية للمسلم وتبلغ ذروتها، تربية قدمها النبي الأكرم وأمير المؤمنين وفقاً للقرآن وتقديم أنفسهم النموذج لنا، لو فسرنا الأمر بان الإمام علي عليه السلام هو الغدير بنفسه، ولو أردنا البحث عن الغدير، فعلينا جعل الإمام علي عليه السلام نموذجاً كونه ثمرة القرآن والمكتب النبوي كله. كما لو رفضنا مؤشرات الغدير وسماته أي الأخلاق والحرية والعدالة والحقوق والقانون في المعنى الصحيح، فلا يبقى شيئاً من الإسلام، وفي الحقيقة فان الإسلام قد رُفض في هذه الحالة.

قال أمير المؤمنين في الخطبة 87 من نهج البلاغة: وأَرَيْتُكُمْ كَرَائِمَ الأَخْلَاقِ مِنْ نَفْسِي، أي ان الإمام عليه السلام يأتي امتداداً لسيرة النبي الأكرم ويعبر عن الأخلاق بشموليته، ولو جعلنا الإمام نموذجاً للحياة الدينية للمسلم، واتبعنا سيرته، فإننا في الحقيقة اتبعنا الغدير، ولو عملنا بأخلاق الإمام ففي الحقيقة إننا عملنا بالغدير، ولو تحقق هذا النوع من الأخلاق في حياتنا الفردية والاجتماعية، ففي الحقيقة إننا حققنا الحياة الإيمانية للمسلم.

لو لم تتوفر الأرضية في الجانب الاجتماعي والثقافي والسياسي ولم يتم إبعاد الإمام عن الساحة، ولو استمر الإمام بالسير على المسار الذي رسمه النبي ومهد الطريق له إلى حد ما، فلم تكن الكثير من الأحداث لترى النور، إذ قال السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام ما معناه: لو بقي الإمام في هذا الطريق، لكان قد دعاكم لليونة، من دون الضغط والصراع والحرب، ولكنتم قد وصلتم إلى المورد. فان المسار الذي كان يريد النبي إتباعه، قد برز نفسه في تعاليم الإمام علي عليه السلام، فعلينا اليوم ان نتبع سيرة الإمام وهي السيرة القرآنية والنبوية، وان نعود إلى الطريق المعنوي والأخلاقي والإنساني والعقلاني الذي يوصلنا إلى أهداف البعثة النبوية، وان نوضحه ونطبقه في جوانبه الفردية والاجتماعية والسياسية والإدارية والاقتصادية المختلفة.

وقال الباحث والكاتب والمترجم وشارح نهج البلاغة الدكتور سيد محمد مهدي جعفري في حوار خاص بشفقنا عند الحديث عن فلسفة تقديم الإمام علي عليه السلام في الغدير كولي وخليفة للنبي الأكرم: ان الغدير وقضية خلافة النبي تعود إلى قضية النبوة ورسالة الرسول الأكرم، إنها نبوة ورسالة كانتا أساس نبوة كل الأنبياء. وان رسالة الأنبياء ما عدى النبي محمد ص كانت محلية ومؤقتة، بمعنى ان لكل نبي رسالة في عصره ولأمته، لهذا كان يجب ان يأتي بعد كل الأنبياء السابقون نبياً وبتعاليم وشريعة جديدة، لكن قدم النبي محمد ص تلك التعاليم والشريعة وهو خاتم الأنبياء.

وأضاف: ان النبي كان خاتم الأنبياء، وبعده لم يأت أي نبي ولم يرسل الله أي نبي وانتهت فترة الوحي، على هذا بقيت الرسالة بعد النبي، وذلك في إطار القرآن، ولهذا ومنذ البداية فانه تم حفظ القرآن وتدوينه على يد حفظة القرآن وكتاب الوحي، ثم تم ترتيبه على يد الرسول الأكرم.

واستطرد قائلاً: لكن القرآن الصامت يعني الذي لا يتحدث، والكل يمكنه وفقاً لمصالحه ورغباته ان يتحدث باسمه، ولهذا فان الرسول قام بتقديم خليفة له، الذي يستحق إيضاح القرآن وتطبيقه على ارض الواقع، بعبارة أخرى فانه كان يجب تطبيق هذه الرسالة وهي القرآن وكذلك لابد من إيضاحها، وتفسيرها، على هذا فان النبي اختار شخصاً من بين الصحابة الذي كان أجدر بهذا الأمر، ألا وهو الإمام علي عليه السلام، وقال ان الإمام علي عليه السلام يقوم بإيضاح هذه الرسالة وتطبيقها.

وأكد جعفري على ان اختيار الإمام علي عليه السلام يعني تقديم أسمى شخصية لاستمرار قيم البعثة النبوية قائلاً: ان الخلافة لهي قضية اجتماعية وإنسانية، وان النبي لم يؤسس حكومة موروثة، وملكية، إنما هذه البعثة حدثت كي يتكون الإنسان وبالتالي المجتمع الأخلاقي وان هذا الأمر يظهر من روايات مثل: إنما بُعِثت لأتمم مكارمَ الأخلاق، فان النبي ومنذ البداية سار على هذا المحور، وان المسلمين اندفعوا نحوه، وأعلن عن هذا الأمر في الغدير. فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه، وان المولى يعني من يمتلك الولاية لتنفيذ الرسالة، وهذا الشخص يمكنه ان يمارس الحكم ولو أراد الناس، ذلك ان الحكم يعود للناس.

وختم حديثه بالقول: ان رسالة الغدير منذ البداية وليومنا هذا وللمستقبل هي: ان تعيين أجدر الناس لتولي مهمة إيضاح القرآن وتنفيذ أحكامه. أي الأحكام الأصولية، فان الغدير يمثل بداية فترة لا حضور للنبي فيها، وبعد النبي يستمر الإمام عليه السلام بتنفيذ تلك الرسالة، ولهذا فان الإمامة والولاية يجب ان تبقى حية ونافذة، ويجب إيصال هذه الرسالة إلى الجميع دوماً.

المصدر: شفقنا

محرر الموقع : 2021 - 07 - 28