التشيع يتسارع في الانتشار عالميا
    

طالما كنا نسمع جملة جميلة نكرّرها دائماً (لا يصحّ إلاّ الصحيح)، ولا زلنا نحن وغيرنا نكرّر هذه الكلمات عن إيمان وتجربة، فالصحيح يتقدّم على كل شيء، ويشمل القول والسلوك، بمعنى عندما تنطلق الكلمات من القلم بمضامين معيّنة فإنّ درجة صحّة هذه الأفكار هي التي ستجعلها في الصدارة أو تلقي بها نحو الحضيض تبعا لدرجة صحّتها، وكذلك السلوك، فالناس دائماً تجعل صاحب السلوك الصحيح في المكانة المحترمة التي يتصدّر بها الجميع.zhj0_muslim_distribution_map-550x289

من هنا فإنّ صاحب المنطق المقبول والصحيح يكون في المقدّمة وفي مكانة القبول والرضا، ويجعله الناس محطّ إعجابهم ومحبّتهم، كونه ينطلق من أساس فكري عملي أخلاقي صحيح، وهذه هي صورة الخطّ الشيعي اليوم عبر العالم، كونه بات فكراً إنسانياً يعترف به الجميع وبدأ ينتشر عبر العالم وبين مجتمعات كبيرة وكثيرة بسبب إنسانية هذا الفكر ومنطقه الصحيح والقريب من المنطق الإنساني المتقارب من المضامين الإنسانية الراقية.

لهذا بدأ الفكر الشيعي مرحلة جديدة من النهوض، وكأنه آخذاً بالتثاؤب، استعداداً لكي ينطلق من النوم والنهوض بقوة والانطلاق بسرعة للانتشار عبر العالم، مستفيداّ من وسائل العولمة الحديثة.

يقول أحد العلماء في كلمة توجيهية للمسلمين: (إن الإنسان يتثاءب مرّتين، فمرّة يتثاءب للنوم، ومرّة للنهوض من النوم. والتشيّع اليوم يتثاءب للنهوض. وإنّي متفائل، بل إن استنتاجي هو ان التشيّع في طريقه نحو العالمية والعولمة، لأنه صاحب المنطق المقبول والصحيح).

فالركيزة الأولى لانتشار الفكر الشيعي متوافرة وراكزة وقوية ومؤثرة، ولكن هناك عوامل مساعدة تعمل على استمرارية هذا الفكر وتصاعده، وإقبال العقول والقلوب والنفوس عليه، ومن ثم الإيمان به والعمل في ضوئه، ومن ثم المساهمة الفعّالة في نشره بكل السبل.

ومن الوسائل الأخرى المساعدة أيضاً، رفض التنازع بين الشيعة والقضاء على الفتن ومعرفة مصادرها، فالأعداء يتربّصون شراً بالشيعة في عموم العالم، وهذا يؤدّي إلى إثارة الصراعات والمنازعات فيما بينهم، وهذا يستدعي التكاتف ضد خطط ومآرب الاستعمار، الذي يسعى بكل ما يستطيع كي يزرع الفرقة بين الشيعة، ويثير النزاعات فيما بينهم، حتى يشغلهم بهذه النزاعات ويصل إلى أهدافه التي يخطّط لها من أزمنة منذ بعيدة، لذا وجب الانتباه لذلك.

كما يؤكّد في قوله: (على الشيعة كافّة أن لا يتنازع بعضهم مع بعض، بل عليهم أن يتحمّلوا بعضهم بعضاً. فالاستعمار وأذنابه الصغار كالتكفيريين، يسعون وبكل الطرق وبمختلف الأساليب، إلى زرع النزاع والتخاصم بين الشيعة).

الصبر طريق النصر

الأهداف العظيمة لا يمكن الوصول إليها إلاّ بأفكار عظيمة، والأخيرة لا يمكن الوصول إليها بلا عقبات ومشاكل، وبناء الدول لا يمكن أن يتحقّق إلاّ بقادة عظماء لهم أفكار قادرة على إدارة شؤون الدولة، ولديهم أساليب خاصّة بهم تنتمي إلى عبقرية الفكر والسلوك والإنسانية القائمة على الاعتدال، والابتعاد عن أساليب القوة والعنف، إلاّ إذا استدعت الحاجة إلى ذلك.

المثال الحي للقائد الذي غيّر وجه التاريخ بارادته وأخلاقه وسلوكه الإنساني المعتدل هو الرسول الكريم صلى الله عليه وآله، فعلى الرغم من كل حالات الأذى والكذب والخداع التي تعرّض لها، وعلى الرغم من كل حالات العدوان، إلاّ انه صلى الله عليه وآله لم يلجأ إلى القوة ولا لأسلوب العنف، بل كان الاعتدال والجنوح إلى السلام سبيله الدائم نحو أهدافه، فهم لم يشكُ يوماً من أحد، ويحاول دائماً أن يتقرّب ممن يعاديه ويؤذيه أملاً في تغيير موقفه وكسبه، وهذا ما كان يفعله مع المشركين والمنافقين وهو يعرفهم بالاسماء، لكنه لم يتعامل بالقوة ضدهم أملاً بكسبهم، فضلاً عن إيمان الرسول صلى الله عليه وآله بصحّة منهج السلام والاعتدال والصدق والإنسانية، وبهذه السياسة بنى أعظم دولة، ومن هذه المبادئ العظيمة استمدّ شيعة أهل بيت النبوة أفكارهم ومنهجهم.

يقول في كلمته المذكورة في أعلاه: (إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله، قد تعرّض للأذى الكثير، وللكثير من المشاكل، من المشركين والكفّار ومن المنافقين ومن الجهلة، لكنه صلى الله عليه وآله لم يشكو من أحد منهم أبداً).

وثمة أيضاً أسلوب الكذب، فقد كذب كثيرون بحقّ النبيّ صلى الله عليه وآله لدرجه أنه صرّح قائلاً (كثرت عليَّ الكذّابة)، وهو القائد الأعلى ويمتلك السلطة الأقوى ومع ذلك لم يلجأ إلى منطق القوة، بل إلى أسلوب الصبر والتوعية والتراحم والتقارب، وهذا ما ساعد وسرَّع من بناء الدولة الكبرى للمسلمين، وصارت هذه السياسة اليوم منهج عمل لساسة نجحوا في بناء دولهم، لذا ينبغي أن يكون منهج الشيعة مستمدّاً من جذوره النبوية الأولى، وهو كذلك فعلاً، فمنهج الشيعة هو منهج أهل البيت صلوات الله عليهم.

ويقول في هذا المجال: (كما قال صلى الله عليه وآله: (كثرت عليّ الكذّابة)، ومع هذا كلّه لم يذكر صلى الله عليه وآله اسم حتى واحد منهم أبداً، أي من الكذّابة. فيجب علينا أن نتعلّم مثل هذا التعامل الفريد والفاضل من مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله).

وحدة الشيعة هي حجر الزاوية

عود على بدء، ثمة حجر زاوية لتعضيد الخط الشيعي يتمثّل بوحدة كل من يؤمن بهذا الخط، فأتباع أهل البيت صلوات الله عليهم ينبغي أن يكونوا إرادة واحدة ويد واحدة، يمتلكون وحدة الفكر والعمل، وأداتهم الشباب، نعم الشباب، فهؤلاء هم المحرّك الحقيقي لتفعيل الفكر وتحويله إلى مادة مجسّدة على الأرض، لهذا فإنّ حجر الزاوية هو وحدة الشيعة والقضاء على الفتن، ومحاربة المشاكل، ورفض أسلوب النزاعات فيما بينهم حتى يتفرّغوا لما هو أهم وأشمل.

كل ما تقدّم يصعب تحقيقه من دون الاهتمام بالشباب الشيعة، فهؤلاء هم قادة في مضمار العمل ومستقبلاً هم قادة في الجانبية العملي والفكري لهذا الخط الإنساني الممتد من آل بيت النبوة عليهم السلام، لذلك فإنّ رعاية الشباب الشيعة والاهتمام بهم أمر ينبغي أن يتصدّر اهتمام من يعنيهم الأمر ومن يتعلّق بهم الأمر.

ويقول حول هذا الموضوع المهم في كلمته المذكورة نفسها: (علينا بالشباب. فالشباب هم صنّاع المستقبل، فيجب الاهتمام بهم، ورعايتهم رعاية خاصّة، لتربيتهم تربية وفق عقائد وأخلاق أهل البيت الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين. فصناعة الشباب وتربيتهم أمر مهمّ جدّاً).

اذاً هناك نقطتين وركيزتين تقودان الشيعة نحو النجاح، وهاتان الركيزتان هما وحدة الصف الشيعي، والاهتمام بالشباب الشيعي، وبهاتين الركيزتين نستطيع أن ننشر الفكر الشيعي مبادئ وأخلاقاً وأفكاراً وإنسانية وأفعالاً في ربوع العالم أجمع، مستثمرين على هذا الطريق أحدث وسائل العولمة خدمة لتوصيل الفكر الشيعي إلى أبعد نقطة في الأرض وسوف يتلقّى الناس هذا الفكر برحابة صدر كونه إنساني النهج والمضمون.

لذا يؤكّد قائلاً: (اعلموا ان الوصول للمسألتين المذكورتين آنفاً (وحدة الشيعة والاهتمام بالشباب)، فيها مشاكل، ولكن هذه المشاكل هي جسر للعبور إلى النجاح والموفقية. فالمشاكل تصنع الإنسان).

ويضيف سماحته أيضاً: (علينا نحن الشيعة كافّة أن لا نفتح المجال أو نوجده للاستعمار وأذنابه لكي يزرعوا النزاع بين الشيعة).

محرر الموقع : 2016 - 04 - 06