بعد داعش .. العراق يقود سفينة الدبلوماسية وسط رياح متضاربة
    

يسير العراق بعد القضاء على تنظيم "داعش" الإرهابي، على خط رفيع وهو يسعى إلى دور إقليمي، واستعادة دوره السياسي الذي قد يكون سيفا ذو حدين في ظل الولاءات الداخلية المختلفة.

وبات العراق اليوم صندوق بريد لدول المنطقة أو اللاعبة فيها، خصوصا في ظل علاقات دبلوماسية مقطوعة بين البعض، وتصدعات استراتيجية في أخرى من إيران إلى الولايات المتحدة، ومن السعودية إلى تركيا، ومن سوريا إلى قطر .

وبعد حصار دولي خانق استمر عشرة أعوام في عهد الرئيس السابق صدام حسين، وما يزيد عن 15 عاما من حروب دامية، عاد العراق خلال الأشهر الماضية، ليمسي ليصبح محط طائرات قادة ومسؤولين غربيين وإقليميين.

فمن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف، وصولا إلى العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، بدا النشاط الدبلوماسي كثيفا.

وتستقبل بغداد قريبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره التركي رجب طيب إردوغان، وفق ما أفادت مصادر حكومية عراقية.

وعليه، يطلق رئيس مركز التفكير السياسي العراقي إحسان الشمري على عراق اليوم لقب "الدولة الجسرية"، وقال مصدر مطلع في الحكومة " بغداد أصبحت اليوم ساعي بريد".

وبعدما قام العراق مؤخرا بحسب مصدر حكومي بدور الوسيط بين قطر وسوريا ضمن مساعي دمشق للعودة إلى الحضن العربي، يؤكد المصدر أن "زيارة مستشار الأمن الوطني العراقي فالح الفياض الأخيرة إلى الرياض كانت لنقل رسالة إيرانية تركية سورية، حيال ترتيبات جديدة في المنطقة".

ويذكر الخبير في شؤون الشرق الأوسط بمعهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس كريم بيطار" إن العراق لاعب رئيس على الساحة الإقليمية اليوم، لكن ذلك التودد إليه هو لأسباب خاطئة".

ومعروف أن بلاد الرافدين محل صراع تاريخي على النفوذ بين واشنطن التي يتواجد جنودها على الأراضي العراقية في إطار تحالف دولي لمكافخة داعش، وطهران التي تواليها فصائل مسلحة أسهمت بشكل كبير في دحر الإرهابيين نهاية 2017
.
والدليل على ذلك، وفق بيطار، أنه لولا تلك التجاذبات "لكانت اليوم عمليات إعادة الإعمار وتوحيد السلطات المركزية أبسط وأسرع"، إذ أن العراق أصبح "ساحة معركة سياسية واقتصادية ودبلوماسية، بعدما كان ساحة عسكرية".

يؤكد الشمري أن "أزمات المنطقة أعمق بكثير من أن يتمكن العراق من أن يكون في موقع المبادر".

لكن رياح البرلمان الذي تهيمن عليه كتل مناهضة للولايات المتحدة لا تجري بما تشتهي سفينة الحكومة، إذ يسعى لرسم سياسات داخلية للدولة تتعارض مصالحها مع السياسة الخارجية للحكومة.

وتتعرض حكومة عادل عبد المهدي لضغوط كبيرة، خصوصا بعد الزيارة الأخيرة لوزير الدفاع الأميركي بالوكالة باتريك شاناهان، التي جاءت تزامنا مع تقديم نواب مشروع قانون يدعو إلى انسحاب القوات الأميركية بشكل نهائي من البلاد.

ولذلك، فإن "سياسة صفر مشاكل" التي تتمناها الحكومة مع اللاعبين على الساحة الإقليمية، تعرقلها مساعي "وكلاء وحلفاء دول إقليمية في العراق نفسه"، بحسب الخبير في الشأن العراقي في معهد الشرق الأوسط بجامعة سنغافورة فنر حداد.

وبحسب بيطار "سيثير ذلك استياء إيران أو الولايات المتحدة، في حين أنه مجبر على الحفاظ على علاقات ودية مع الاثنين".

وبالتالي فإن أي خطوة عكس ذلك "قد تطيح المكاسب الدبلوماسية الأخيرة للعراق، وتزعزع استقراره الداخلي"، وفق حداد.

وبعد إعلانه "النصر المؤزر" على الارهابيين، انفتح العراق مجددا على دول الجوار من أبواب الحدود البرية، أولا مع الأردن غربا عبر منفذ طريبيل التجاري، وقريبا في الجنوب عبر المنافذ السعودية المغلقة منذ غزو الكويت قبل ثلاثين عاما.

محرر الموقع : 2019 - 03 - 24