شباب عراقيون في المهجر .. من دون عمل
    

ليس بالضرورة ان يكون المهجر الجنة الموعودة التي يحلم بها الكثير من الشباب، رغم ما يتمتع به من ايجابيات، تساعد الشباب على المضي قدما في طموحاتهم، المنوط تحقيقها، بالجهد والمثابرة، سواءً في الدراسة او العمل.

ولأن الغرب في تطور مستمر، فأن ماكنته الانتاجية، المواكبة لأدق التطورات، تعمل بلا هوادة، حيث تبدع وتنتج في كل وقت، احدث التقنيات والموديلات، تزيدها شركات الأعلان، جاذبية واثارة، ما يجعل العمل في صدارة الأولويات التي يبحث عنها الشباب، لمسايرة هذه التطورات والتمتع بمباهجها، فيما تحتل الدراسة لدى الكثير منهم، الأهتمام الثاني. لكن هل الحصول على فرصة عمل، امرُ سهل في اوربا؟

تؤكد أحدث دراسة اوربية حول البطالة بين صفوف الشباب في اوربا، صدرت، مؤخراً، أن غالبية الشباب، يعانون من صعوبة في الحصول على فرصة عمل، وان نسبة البطالة الموجودة بين صفوفهم، اليوم، قابلة للزيادة خلال الأعوام القليلة القادمة، يفاقم زيادتها، الركود الأقتصادي الذي تعاني من اوربا منذ أعوام، والمتوقع استمراره، خلال الأعوام القليلة القادمة.

ومثل هذه الدراسات لا تشمل فقط الشباب الاوربيين من اهل البلد الاصليين، بل تضم ايضا المهاجرين، الذين تعود اصولهم لجنسيات مختلفة. وتكشف الدراسة عن ان أعلى نسبة بطالة بين الشباب، كانت، وحسب التسلسل، في اسبانيا واليونان وكرواتيا والبرتغال، فيما سجلت ادنى نسبها في المانيا واوستريكا وهولندا فالدانمارك.


صعوبة الاندماج


وفي اوربا بشكل عام، يصعب على الفرد المهاجر، وخاصة الشباب، الأندماج مع مجتمعاتهم ومسايرة تطوراتها المكلفة، دون الحصول على عمل، يضمن لهم الأستقلال الأقتصادي، ويسهل عليهم تلبية حاجياتهم، التي تأخذ قالبا أوسع مما كانت عليه في بلدانهم الأصلية التي انحدروا منها، نظراً لما تعيشه غالبية تلك البلدان من تضييق في الفرص والحريات.

يقول سالم حسين 32 عام، وهو شاب عراقي وصل السويد قبل ستة أعوام، ولا زال جاهدا، يبحث عن عمل، أنه حاول ومنذ اليوم الاول لوصوله السويد، الألمام بقوانينها، وتعلم اللغة وبناء نفسه، وتطويرها، بالشكل الذي يسهل عليه الاندماج مع المجتمع الجديد، والأهم الحصول على فرصة، يطوع خلالها ما تعلمه في دراسته في العراق والسويد.

ويضيف حسين في حديث لـ «الصباح الجديد» انه تعلم اللغة في وقت قياسي، وتمكن من اكمال الدراسة الجامعية، حيث درس الأقتصاد في احدى الجامعات السويدية، لكنه مع ذلك، لا زال عاطلاً، ويحاول بمساعدة مكتب العمل، البحث عن ما يناسب تخصصه.

وعدا عن التخصص الدراسي الذي يحتاجه الشباب، للحصول على العمل، فأن هناك امور اخرى يجب عليهم الألمام بها في اوربا، أهمها، ان تتوفر لديهم خبرة عملية في ما يقدمون عليه من عمل، وهذا ما لا يمكن للجميع الحصول عليه، اذ ان شحة الفرص في هذا المجال، لا تمكن من حصول الشباب على خبرة عملية، تنفعهم في التقديم لأعمال مستقبلية.

الشابة العراقية مها فريدون 29 عاماً، التي وصلت مع عائلتها الى السويد في خمسة أعوام، وهي حاصلة على شهادة جامعية في قسم الحاسبات، تمكنت من دراسة اللغة، كما عادلت شهادتها، للدخول في سوق العمل.

تقول فريدون لـ «الصباح الجديد» انها ورغم انها حصلت على وثيقة، تثبت ان شهادتها الجامعية التي حصلت عليها من بلدها، تعادل الشهادة السويدية في نفس الأختصاص، الا ان احدا لا يقبل توظيفها، خاصة انها لا تملك اية خبرة عملية في هذا المجال، كما ان المناهج التي درستها في العراق اثناء دراستها الجامعية، غير معمول بها في السويد، نظراً لتقادم معلوماتها.

ويلجأ الكثير من الشباب، الحاصلين في بلدانهم على شهادات دراسية متقدمة، من ضمنها الجامعية، للعمل في المشاريع الخدمية، كالمطاعم والفنادق والكافيتريات والمطابخ والتنظيف وفي دور رعاية المسنين، خاصة ان المجتمعات الأوربية لا تعيب المرء على عمله، اياً كان، ما دام يحقق في ذلك استقلاله الأقتصادي، بل تجد انه من غير اللائق، العيش على المعونات الحكومية التي تقدمها بعض الدول الاوربية، للعاطلين عن العمل.

وأنصافاً للحقيقة، فأن حتى هذا النوع من الأعمال التي نراها بسيطة في مخيلتنا، ليس من السهولة الحصول عليها في اوربا، بل ان البعض، يجاهد في سبيل الفوز بأحداها. وبسبب زيادة نسبة البطالة، أعلنت السويد، مثلاً، وضمن ميزانيتها للعام الجاري، عن تخصيص مبلغ 140 مليون كرونة، للسنوات الأربع القادمة، تحاول فيها القضاء على نسبة البطالة المقلقة والمنتشرة بين الشباب، اذ تهدف الى مساعدتهم في اكمال دراستهم او الانخراط في سوق العمل، وان كان ذلك براتب اقل من المحدد.

وتهدف الحكومات الاوربية من وراء اقحام الشباب في سوق العمل، لأخراطهم في المجتمع، وابعادهم عن الجريمة او حتى عن اصابتهم بالأمراض النفسية الناجمة عن العزلة والأفتقار الى الموارد الأقتصادية التي يسعون من خلالها الى تحقيق طموحاتهم واحلامهم كشباب.


خيبة الامل والجريمة


يعيش المرء في العادة، وفقاً لظروف المجتمع الذي ينشأ به، خاصة اذا كانت تلك المجتمعات، محددة الفرص ومقوضة الحريات، عندها لا يجد الشباب، مخرجاً غير الأنصات للواقع! حتى وان كان ذلك الواقع، مضاداً مع ما يطمح اليه، لكن كيف تكون ظروف الشباب الذين يعيشون في مجتمعات، منفتحة، تتمتع بفيض واسع من حرية الرأي والفكر، وعجلتها في توافق مستمر مع التطورات الماراثونية التي يشهدها العالم؟

يقول الأختصاصي في علم الاجتماع روبرت أدوارد ان المجتمعات التي يتمتع بها الأنسان بأستقلالية عالية، كالمجتمعات الغربية، يصعب فيها السيطرة على الشباب وجموحهم خلال فترات عمرية معينة، خاصة ان كانت هناك قوانين، تضمن للشباب حقوقهم في هذا المجال.

ويرى ادوارد في حديث لـ «الصباح الجديد» ان الشباب من المهاجرين، يكونون أكثر عرضة، لخيبات الأمل التي يواجهونها في المجتمعات الاوربية، حتى وان لم يتربوا في مجتمعاتهم الأصلية، حيث يبقون على اتصال مع تلك المجتمعات عن طريق الوالدين.

ويجد ادوارد ان أفتقار الشباب لأستقلالهم الأقتصادي، وخاصة الذين لم يتمكنوا من الحصول على قدر كافي من الدراسة، وعدم متابعة الأهل لهم، قد يدفع بالكثير منهم، للأنخراط في صفوف العصابات المنظمة او يكونون، أهدافاً، سهلة، للساعين الى تجنيدهم في الحركات الأسلامية المتشددة.

ويؤكد ادوارد ان العمل، يخلص الشباب من كل هذه الأزمات، ويجعلهم يركزون أكثر على طريق أثبات أنفسهم، ويصبحون أكثر قدرة على تطوير مجتمعاتهم، بل انه يشجع الكثير منهم على اكمال دراسته في سبيل الحصول على فرص أفضل، وهو ما وعت اليه حكومات عدد من الدول الاوربية التي تسعى بأستمرار الى توظيف الطاقات التي يملكها الشباب في نواحي، ايجابية، تعود بالخير عليهم وعلى البلد.


لينا سياوش – السويد

الصباح الجديد

 

محرر الموقع : 2012 - 11 - 06