مهاجر إرتيري يُطلق مشروع الزراعة المائية بدون تربة في السويد
    

 منصور محمد جابر، إرتيري الجنسية، في 39 من عمره، جاء إلى السويد أواخر سنة 2014، قادماً من المملكة العربية السعودية، حيث كان يدير شركة خاصة لتوريد معدات ومواد النظافة.

منصور شخص طموح، واضح الأهداف، تحركه عزيمته وثقته بقدراته وحلم كبير، لم تثنه غربته وضعف إمكاناته المادية عن السعي لنيل مراده، بات اليوم قدوة ومثالاً يحتذي لكل وافد يسعى إلى تحقيق ذاته، وحُجة قائمة على أي شخص اتخذ تباين الثقافات ذريعة لتبرير فشله في الاندماج داخل مجتمعه الجديد.

فور انهاءه مشوار ترسيخه مع مكتب العمل، أخذ منصور زمام المبادرة، عارضاً على مسؤوليه فكرة مفادها تمويلهم له مادياً، لإنشاء مشروع زراعي حديث، لم يجر تطبيقه سابقاً في مملكة السويد. لم يستوعب موظفو مكتب العمل فكرته بداية الأمر، لكن شدة حماسه لها دفعتهم إلى تكليف شركة استشارية مختصة للاجتماع ومناقشتها معه. على ضوء الاجتماع، قدمت اللجنة تقريرها إلى مكتب العمل، مؤكدة فائدة المشروع ودراية صاحبه التامة به.

هكذا، ما إن حصل (منصور) على إشعار الموافقة، حتى انطلق باحثاً عن موقع ملائم لتطبيق فكرة مشروعه. بعد عدة أشهر من الاستقصاء، وجد ضالته أخيراً في عقار، واقع ضمن نطاق مدينة Sågmyra التابعة لبلدية Falu، تبلغ مساحته الإجمالية 500 متر مربع.

بمجرد توقيعه عقد الإيجار مع الجهة المالكة، سارع (منصور) إلى استكمال إجراءات تأسيس شركته الخاصة. خلال أقل من ثلاثة أشهر، حول شكل شركته القانوني إلى ذات مسؤولية محدودة، ليبداً إثر ذلك عملياً، أولى خطوات تنفيذ المشروع.

فكرة المشروع تقوم على الزراعية المائية

يحكي (منصور) حصرياً، لشبكة (الكومبس) الإعلامية، فكرة مشروعه، قائلاً: “خطرت الفكرة ببالي منذ وقت طويل، بعد معايشتي تطبيقها بشكل ناجح، عن طريق إحدى الشركات الهولندية المختصة في إنتاج النباتات الورقية، ما جعلني أبادر بأخذ عدة دورات تدريبية عنها في المملكة العربية السعودية. عندما هاجرت إلى السويد، استأنفت الدراسة أكثر حول هذا الموضوع، من خلال مشاركتي في دورات تدريبية أخرى على شبكة الإنترنت.

خلال أقل من ثلاثة أشهر، حول شكل شركته القانوني إلى ذات مسؤولية محدودة

تقوم الفكرة أساساً على الزراعة المائية، حيث تُغمر جذور النبات بالماء فقط، لتبقى عائمة فيه، دون تغطيتها بالتربة، ثم تُتم تغذية النبات من خلال حل الأسمدة في الماء بنسب محسوبة. يمكن إجراء هذه العملية في الهواء الطلق، أو حتى داخل الأماكن المغلقة، شريطة توفر إضاءة اصطناعية كافية لتعويض نور الشمس، تُعرف هذه الطريقة باسم (نظام الهيدروبونيك).

لقد جهزت مساحة (640) متراً مربعاً للزراعة، داخل الأماكن المغلقة، بطريقة الرفوف (الزراعة العمودية)، إلا أني لم أجد مناصاً من استخدام نصف هذه المساحة فقط، نظراً لمشكلتي مع التمويل، كما سأعمل خلال شهر فبراير القادم، على تجريب زراعة (70) متراً مربعاً للتأكد من عدم وجود أية مشاكل في الإضاءة، أما الآن، فأنا أنتظر ارتفاع حرارة الموقع إلى (20) درجة مئوية لبدء الإنتاج”.

آفاق المستقبل

وعن تطلعاته المستقبلية، يضيف: “الخطوة القادمة بالنسبة لي، بدء استخدام نظام زراعي مشابه، نلت دورات تدريبية عديدة فيه كذلك، يدعى (أكوابونيك)، يعتمد هذا النظام أيضاً، على غمر جذور النبات في مياه تحتوي على مخلفات الأسماك (أمونيا)، ثم تمرير تلك المياه داخل مصفاة (فلتر) تحوي بكتيريا نافعة، تتفاعل مع ما فيها من مخلفات، محولة إياها إلى نترات، تغذي النبات بالنيتروجين والفوسفور والبوتاسيوم، بصورة تغني عن الحاجة إلى الأسمدة”.

كما ذكر بعض أهم مزايا أنظمة الزراعة المائية، قائلاً: “يوفر هذا النظام حوالي 85 إلى 90% من المياه المستخدمة، لأن جذور النبات العائمة تأخذ حاجتها منها فقط دون إهدار الفائض في التربة كما يحدث عند الزراعة بالأساليب التقليدية، أيضاً إن نسبة الإنتاج في هذه الحالة تكون أسرع وأكثر وفرة، حيث يمكن زراعة ما بين 6 إلى 7 آلاف شتلة داخل مساحة قدرها (35) متراً مربعاً عند استخدام (نظام الهيدروبونيك)، بينما تلزمك مساحة دونم كامل لزراعة حوالي (4000) شتلة وفق الأنظمة المتبعة حالياً داخل السويد.

من المزايا الأخرى لهذا النظام، عدم الحاجة إلى استخدام المبيدات الحشرية لحماية المحاصيل، كونها محفوظة داخل أماكن مغلقة لا تصل لها الحشرات، أو غيرها من الآفات الزراعية، ناهيك عن عدم وجود تربة أصلاً تكمن فيها تلك الأخيرة.

من مزايا النظام الجديد، عدم الحاجة إلى استخدام المبيدات الحشرية لحماية المحاصيل

 إن أسلوب الزراعة المغلقة عملي جداً بشكل خاص داخل السويد، المعروفة بقسوة بردها وطول شتائها، الحائلان دون إمكانية الزراعة في الهواء الطلق أكثر فصول السنة، لأجل كل ذلك أعتبرها شخصياً زراعة المستقبل.

أما عيبها الأبرز، التكلفة العالية للطاقة الكهرباء المستخدمة في توفير الإضاءة الصناعية، لذا، أحث الحكومة على توفير الدعم اللازم إلى المشاريع الزراعية المماثلة، حرصاً على استمرارها، لما فيها من منافع اقتصادية كثيرة للبلاد.

 أما أنا سأعمل بدوري على تنظيم دورات تدريبية متخصصة في هذا المجال، بلغات خمس، أجيد التحدث بها، حتى تعم الفائدة على الناس وأنفعهم بعلمي وتجربتي، لعلي أساهم بقدر قليل، في تنمية مهاراتهم وفتح آفاق جديدة لهم للعمل والاستثمار داخل سوق العمل السويدي”.

نقلا عن الكومبس 

محرر الموقع : 2019 - 12 - 07