فيما قال رئيس فرنسا إيمانويل ماكرون أمس /الجمعة/ "إذا أراد بوريس جونسون اتفاقًا تجاريًا طموحًا للغاية فيجب أن يكون هناك تقاربًا تنظيميًا .. كُن ضيفي"، بينما قال نظراء ماكرون ومسؤولون بارزون آخرون في الاتحاد الأوروبي لشهور إنهم يرغبون في حل مشكلة خروج بريطانيا من الاتحاد حتى يتسنى له التطلع إلى المستقبل... لكن منذ أكتوبر عندما تم التوصل إلى صفقة مبدئية من المتوقع الآن أن تحصل على تأييد بريطانيا أصبح المزاج الأوروبي سيئا.
وتوترت العلاقات بين فرنسا وألمانيا اللتين قاد تطابقهما التكامل الأوروبي على مدار العقود السبعة الماضية، وشق ماكرون صف التكتل بتوجيه الانتقادات إلى حلف شمال الأطلنطي (ناتو) ومحاولة التقارب مع موسكو واستخدام حق النقض (فيتو) بشأن توسيع الاتحاد الأوروبي لضم دول من منطقة البلقان.
وشعر المسؤولون الألمان بالحنق الشديد من الرئيس الفرنسي ماكرون بعد أن استخدم حق النقض ضد بدء محادثات توسيع الاتحاد مع مقدونيا الشمالية في أكتوبر.
وأعربت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن قلقها من تحول بريطانيا - صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في التكتل الآن - إلى منافس جديد للاتحاد الأوروبي، والآن بدأت دول الاتحاد الأوروبي مناقشات طغى عليها الانقسام بشأن ميزانية التكتل خلال السنوات القادمة، بينما تعاني العديد من حكومات التكتل من انقسام داخلي أو عدم قدرتها على الحصول على غالبية برلمانية، وهو ما يعقد على نحو إضافي الجهود للحفاظ على الوحدة.
وقالت (وول ستريت جورنال) إن الاتحاد الأوروبي ما عاد يشعر بالتهديد لوجوده مثلما كان الوضع في عام 2016 عندما صعدت القوى القومية في أوروبا... والآن أصبح القلق المتنامي هو أن آلية صنع القرار في الاتحاد وهي بعادتها بطيئة لم تعد قادرة على بناء إجماع بشأن حتى القضايا الصغيرة، موضحة أن هناك خوفا من أن يصاب الاتحاد بحالة من الشلل، بينما تشكل روسيا والصين والولايات المتحدة تحديات اقتصادية وسياسية غير مسبوقة للاتحاد الذي يعاني من الضعف الآن جراء مُغادرة المملكة المتحدة المُرتقبة له.
وصعدت الأسهم البريطانية بعد أن حقق رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون فوزًا حاسمًا في الانتخابات وتعهده بتحقيق خروج بريطانيا من الاتحاد، لكن رغم تفاؤل المستثمرين مازالت الحكومة البريطانية تواجه عددًا من التحديات.
وقالت الصحيفة إن الاتحاد الأوروبي طالما اتبع سياسة القوة الناعمة المبنية على أساس تقديم حوافز اقتصادية؛ لتعزيز القيم الديمقراطية، وقد نجحت هذه السياسة في عالم مُتعولم يتشارك بشكل واسع النطاق قواعد ومعتقدات، ربما ثبت أن محصلتها مفيدة للجميع، والآن تبدو أوروبا مُنجرفة في وجه واقع سياسة القوى الكبرى الجديد وحتى على الصعيد الداخلي نجد أن قيم الاتحاد الأوروبي الليبرالية الديمقراطية تتعرض لهجوم مُعلن وصريح من حكومتي المجر وبولندا.
وأضافت (وول ستريت جورنال) أن التكتل يواجه انقسامات عميقة بشأن العديد من تحدياته الاستراتيجية الكبيرة. وأوضحت الصحيفة أن إيجاد حل يمكنه الصمود لقواعد الهجرة الأوروبية يبقى مراوغًا بعد أربع سنوات من المفاوضات والجدل. وفي قلب المشكلة، اولئك الذين يصلون من مناطق غير مستقرة خارج الاتحاد الأوروبي وكيفية توزيعهم داخله.
وأشارت إلى إن الاتحاد الأوروبي سيشعر بخسارة بريطانيا التي طالما عززت التكتل حتى عندما كانت تعرقل مبادرات الدول الأخرى، فلسنوات ظلت بريطانيا تعارض تكاملاً أوروبيًا أعمق في مجالات من ضمنها الدفاع وعارضت ميزانية أوروبية ضخمة، وكانت تشعر بالقلق حيال القواعد التنظيمية المالية والعمالية المشتركة، ورغم ذلك منحت عضلاتها الأمنية الاتحاد الأوروبي ثقلاً في السياسة الخارجية كما أن علاقات لندن الوثيقة مع واشنطن ساعدت في جسر الهوة بين ضفتي الأطلسي.
وأضافت أن بريطانيا أصبحت في السنوات الأخيرة ثاني أكبر مُساهم في ميزانية الاتحاد الأوروبي، ويقول مسؤولو الاتحاد إن مغادرة بريطانيا ستترك فجوة في ميزانية السبع سنين المُقبلة تقدر بنحو 84 مليار يورو (93 مليار دولار).
ويسارع مسؤولو الاتحاد الأوروبي لمُعالجة القلق في دول التكتل الأكثر ثراءً مثل ألمانيا وهولندا اللتين لن تتمكن ميزانية أي منهما على ضخامتها في سد الفجوة البريطانية في وقت تعاود فيه التيارات المتشككة الظهور فيهما، ولم تتوصل محادثات استمرت شهورًا بشأن هذه القضية إلى أي نتيجة.