المؤتمر السنوي الرابع عشر لقسم الفلسفة في بيت الحكمة ببغداد حول( دور الافكار الفلسفية في الحوار الثقافي الإسلامي – إيران والعالم العربي)
    

حول( دور الافكار الفلسفية في الحوار الثقافي الإسلامي – إيران والعالم العربي)
على مدى يومين (21-22/2/2018) عقد هذا المؤتمر المهم والمتميز في موضوعه بمشاركة باحثين من الجمهورية الاسلامية الايرانية وجمهورية الجزائر وتونس وسلطنة عمان والمملكة المتحدة، فضلا عن الباحثين العراقيين. وقد أكد الباحثون في ختام مؤتمرهم على تأصيل دور العقل والحكماء في المناسبات الثقافية والاجتماعية والسياسية، والعمل لإرساء ثقافة السلام والتسامح والابتعاد بدول المنطقة والعالم عن التطرف واجواء الفتنة والصراع. وكان بحثنا الذي قدمناه في المؤتمر بعنوان (دور الفكر الفلسفي في مواجهة التطرف)، ونورد هنا خلاصة له 
(دور الفكر الفلسفي في مواجهة التطرف)

أ.د. إبراهيم العاتي(*)

الفلسفة او الحكمة هي المرحلة الراقية من مراحل تطور الفكر الانساني في انتقاله من الحياة البدائية المتوحشة الى حياة العلم والمعرفة والتحضر، والتي استطاع الإنسان فيها تفسير الظواهر المختلفة في هذا العالم تفسيراً ينفذ الى ماوراء الظواهر لاكتشاف عللها واسبابها، ليصار الى تغييرها والتحكم فيها، والافادة منها لما ينفع الانسان.
كانت العقلانية سمة الفلسفة الأساسية التي تمنع الانسان من الجنوح نحو الاهواء والعواطف الشخصية في الوقت الذي يجب عليه ان يكون موضوعيا، والمعروف ان للهوى والعاطفة سلطان يفوق اي قوة اخرى احيانا، كما ان القوة التي يتميز بها الانسان هي قوة العقل لا القوة المادية التي يمكن ان تتفوق فيها وحوش الغاب، يقول المتنبي:
لولا العقول لكان ادنى ضيغمٍ ادنى الى شرف من الانسان!
هذه العقلانية هي التي حددت المفاهيم والمصطلحات، ووضعت المناهج الخاصة بالعلوم، ونظّمت الحياة الاجتماعية والاخلاقية والسياسية والدينية، لأن الدين جاء لقوم يعقلون، وقوم يتفكرون، ولأولي الألباب.
ومما واجهته الفلسفة عبر تاريخها الطويل هو الجنوح نحو التطرف، والاعتداد بالذات الى درجة الغرور والتهور، وهو ما يمكن ان يصدر من المحسوبين عليها او من خصومها. فكان علاج هذا التطرف الذي يؤدي اليه الافراط والتفريط، إنما يكون بتهذيب افعال الانسان واكتساب الفضائل. ولكن ما هي الفضيلة واين تكمن؟ فسقراط الذي جعل الانسان محور اهتمامه حتى قيل: انه انزل الفلسفة من السماء الى الارض، رأى ان العلم فضيلة والجهل رذيلة، وكلما ازداد الانسان علما ومعرفة ازدادت فضائله وسمت اخلاقه.
وقال أرسطو بنظرية (الوسط الخُلُقي)، ومعناها ان الفضيلة وسط بين حدين: احدهما إفراط والآخر تفريط. وهو نفس ما أكده القرآن الكريم: (( الذين اذا انفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما))، ..((ولا تجعل يدك مغلولة الى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا)).
وتوسع الفارابي فتحدث عن المجتمع الفاضل والأمة الفاضلة. فاهل المدينة الفاضلة يبلغون السعادة بالعلم والعمل معا، واكتساب الفضائل هو الذي يؤدي الى بلوغ السعادة. ويكون ذلك بمزيد من الافعال الخيرة والمداومة عليها. 
فلذا كانت الدعوة لسيادة القيم الخلقية احدى وسائل الفلسفة لمكافحة التطرف في عصور الحضارة الاسلامية.
ومنذ مطلع العصر الحديث مرت الشعوب الأوروبية بتجارب مريرة ابتداء بمحاكم التفتيش التي طالت باحكامها القاسية الفلاسفة والعلماء وذوي الرأي الحر، ثم الحروب الاهلية بين الكاثوليك والبروتستانت التي ذهب ضحيتها الالوف من الناس الابرياء، فكان للفلسفة وقفة مضادة للتطرف الديني من خلال فلسفة التنوير التي قادها الموسوعيون امثال فولتير وروسو ومونتسكيو، وكذلك من خلال فلسفة(كنت) الذي دخل الى الدين من بوابة الاخلاق، وقال: (شيئان يملآن النفس اعجابا: السماء المرصعة بالنجوم فؤق رأسي والقانون الخلقي داخل نفسي). ثم قدم مشروعه للسلام الدائم الذي بشر فيه بتأسيس عصبة الامم، ثم جمعية الأمم المتحدة. وهو من الحلول التي قدمتها الفلسفة لمعالجة الصراعات والفتن التي تعصف بالمجتمعات والتي غالبا ما تكون اسبابها مقصودة ومخطط لها.
لقد كان الصراع خلال القرن الماضي بين قطبين رئيسين، ثم تحول العالم الى عهد القطب الواحد، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق وبروز امريكا كقوة عظمى وحيدة، الامر الذي صوره (فوكاياما) بأنه نهاية التاريخ، كما بشر (هنتنغتون) بصراع الحضارات، وحددها بصراع الغرب مع الاسلام. ولكي تنجح هذه الخطة تم نقل الخلافات الفكرية التاريخية ذات الطابع السجالي الى ارض الواقع، وتعميدها بالدم من خلال دعمها للفكر المتطرف والجماعات التكفيرية، لقطع كل سبل الحوار بين العرب والمسلمين وبقية شعوب العالم، وهو ما يجب ان يسعى الفكر الفلسفي لوصل ما انقطع منه، واخماد الفتن التي اطلّت برأسها، معطلة مشاريع التنمية الشاملة للشعوب، وابقائها في حالة مريرة من الفقر والتخلف، متبعين منهج الحوار وهو امر مشترك بين الفلسفة والدين، وهذا ما سنفصله في ثنايا البحث.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) عميد الدراسات العليا، الجامعة العالمية للعلوم الاسلامية،
لندن- المملكة المتحدة.

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏6‏ أشخاص‏، و‏‏بما في ذلك ‏عادل الخليفي‏‏، و‏‏حشد‏‏‏‏
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏8‏ أشخاص‏، و‏‏حشد‏‏‏
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏3‏ أشخاص‏
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، و‏‏بدلة‏‏‏
محرر الموقع : 2018 - 03 - 08