العبور إلى «جنة» أوروبا يمر عبر الجحيم.. هكذا يعيش 20 ألف لاجئ بسجن مفتوح في جزر اليونان
    

قالت صحيفة The Times البريطانية إنه بموجب سياسة الاحتواء التي دخلت حيز التنفيذ منذ اتفاق عام 2016 بين الاتحاد الأوروبي وتركيا لمنع دخول المزيد من اللاجئين إلى أوروبا الغربية، احتُجِز نحو 20 ألف شخص في 5 جزر يونانية من ضمنها جزيرة ليسبوس إلى حين الانتهاء من النظر في طلبات اللجوء الخاصة بهم. ولأنَّ أعدادهم كبيرة للغاية، فقد يستغرق هذا الأمر من السلطات عامين أو أكثر

وقد وصفت منظمة هيومن رايتس ووتش، الشهر الماضي (نوفمبر/تشرين الثاني 2018)، موريا، أكبر المخيمات، بأنَّه «سجن مفتوح» في قلب أوروبا. ومع أنَّ الحكومة اليونانية نقلت مؤخراً 2000 شخص إلى البر الرئيسى للبلاد بعدما امتلأ المخيم بأكثر من 9 آلاف شخص، لا يزال مئات آخرون يَصلون إلى المخيم كل أسبوع قادمين من تركيا، حسب تقرير نشرته صحيفة The Times البريطانية.

قصة «مصور» لاجئ في أوروبا

وسردت الصحيفة البريطانية قصة أحد المصورين الذي مر بتجربة اللجوء إلى أوروبا، وقالت إن أمادو سيسوكو، بسبب عمله صحافياً في منطقة غرب إفريقيا المضطربة، نفسه يتحول إلى محور القصة بصورة متكررة، إذ قُتِلت زوجته الحبيبة في تفجيرٍ نفَّذه الجهاديون، وتعرَّض للضرب والتعذيب في وطنه مالي، وبالغابون.

لكن عندما هرب إلى أوروبا، بعدما ترك ابنه البالغ من العمر 10 سنوات مع أقاربه، وعبر من تركيا إلى اليونان في زورقٍ مطاطي، وجد كابوساً آخر يبدأ. فمنذ شهر مايو/أيار 2018، تقطَّعت به السبل في مخيم موريا بجزيرة ليسبوس اليونانية، وهو واحد من بين 7100 لاجئ حُشِروا في مخيم يتسع لـ3 آلاف شخص، والذي أصبح رمزاً مروعاً لفشل الاتحاد الأوروبي في إيجاد حل لأزمة اللاجئين.

يعيش داخل حاوية شحن

ويعيش أمادو  (الذي غُيّر اسمه في هذا التقرير، لحماية عائلته)، حسب تقرير صحيفة The Times البريطانية،  في حاوية شحن مساحتها 19.97 متر مربع تقريباً مع 9 رجال آخرين من جنسيات مختلفة. ويمضي 6 أو 7 ساعاتٍ كل يوم بطوابير الطعام. وفي الفترات الفاصلة بين هذه الطوابير، لا يفعل شيئاً سوى التحديق في صور يوم زفافه، وابنه، وقبر زوجته، يحتفظ بها في كيسٍ بلاستيكي.

يقول أمادو: «إنَّني أقضي حياتي بمخيم موريا في حالة انتظار. أنت تستيقظ بالساعة الخامسة صباحاً لتقف في طابورٍ ساعتين للحصول على قطعة واحدة من الكرواسون وزجاجة مياه. ثم تعود مرة أخرى في الساعة التاسعة صباحاً للوقوف في طابور ثانٍ من أجل طعام الغداء بالساعة الثانية عشرة ظهراً، وتقف في طابور ثالث من أجل طعام العشاء. لا تكون وحدك أبداً، ولأنَّه لا يوجد ما يكفي من الطعام، فهناك دائماً ما تقاتل عليه».

وفي أحد أيام شهر أغسطس/آب 2018، لم يستطع أن يتحمل أكثر. ولأنَّ وجه زوجته كان يلاحقه، عثر على حبلٍ وحاول أن يشنق نفسه به في بستان زيتون. لكنَّ أحد رفاقه المواطنين من مالي عثر عليه قبل فوات الأوان.

يخضع أمادو الآن للعلاج على يد أليساندرو باربيريو، وهو طبيب نفسي من منظمة أطباء بلا حدود، شهد بدوره أكثر من 300 حالة خطيرة هذا العام (2018). وأخذ يُعدِّد تلك الحالات قائلاً: «محاولات انتحار، ونوبات ذهانية، وهلوسة. يعاني معظم المرضى أصلاً الصدمات الناتجة عن الحروب أو التعذيب الذي هربوا منه، وبعدها خاضوا رحلةً أليمة. إنَّ البقاء في مكانٍ مثل مخيم موريا -في ظروف مروعة، ومستقبل مجهول، وانعدام الخصوصية -هو سبب كل هذه الأمور».

المخيم محاط بأسلاك شائكة ويضم داخله جرذاناً ميتة ومياه صرف صحي للشرب

الصحيفة قالت إنه إذا كان مخيم موريا يبدو مخيفاً من الخارج، مع وجود 3 أسوار من السلك الشائك وأبراج المراقبة التابعة للشرطة، فإنَّ الأمر في الداخل أسوأ بكثير. فهناك جرذان ميتة، وأنابيب مياه الصرف تُسرِّب، وأكوام من القمامة بين الخيام قريبةٌ بعضها من بعض بدرجة تعيق الحركة، فضلاً عن الضجيج المتواصل الذي يلفح الدماغ. ويشكو اللاجئون من الماء البارد في الحمامات، والأطباء هم الوحيدون المتطوعون.

من شأن الاكتظاظ أن يكون كابوسياً في أي مكان، لكنَّ الناس الهائمين على وجوههم قَدِموا من بعض أكثر الأماكن عنفاً على وجه الأرض. فقد هرب نحو نصفهم من الحرب المتفاقمة في أفغانستان. بينما قَدِمَ آخرون من سوريا والعراق ونيجيريا والكاميرون وإيران. وتُسبِّب الطوابير التي لا نهاية لها من أجل دخول الحمامات والحصول على الوجبات، أعمال شغب أو شجارات يومياً.

 

وقد وجد مؤخراً الفريق العامل المعنيّ بالحماية في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أنَّ هناك زيادة سنوية بنسبة 40% في الاعتداءات الجنسية، وهي حوادث كثيرة جداً، لدرجة أنَّ الملجأ الوحيد في الجزيرة لا يقبل أي تحويلات لأعداد أخرى من طالبي اللجوء. ويمتلك مركز البشيرة لتمكين المجتمع، وهو مشروع معونة يدير الملجأ، مساحة تتسع لـ25 امرأة، لكن يوجد 270 امرأة  في قوائم حجزه، و150 على قائمة الانتظار.

تركت راشيل إليس، المديرة المساعدة لمركز البشيرة، وظيفتها بالاتصالات السياسية في وستمنستر للتطوع مدة شهرين في عام 2017، وصدمها الوضع بمخيم موريا، لدرجة أنَّها لم تغادره قط. وتقول: «المرافق ليست مروعة فحسب، بل إنَّها صُنِعَت بطريقة لا تأخذ المرأة في اعتبارها على الإطلاق. لقد تحول مخيم موريا إلى وحش. فمثل هذا العدد الكبير يوجد في مساحة صغيرة وبمثل هذه الأعمال اللاإنسانية التي تظهر من خلالها جميع الجوانب السلبية في المجتمع».

وتضيف: «إنَّه مكان غير آمن لأي شخص، وخاصةً النساء. لقد سمعنا عن نساء يتعرضن للإيذاء الجنسي في الطوابير والمراحيض، وكانت هناك حالات اغتصاب».

مخيم جديد اسمه «بستان الزيتون» يعاني الظروف نفسها

وحسب  صحيفة The Times البريطانية، يُعَد مخيم موريا مكتظاً للغاية، لدرجة أنَّه تفرع منه مخيم آخر بجانبه يُعرف باسم «بستان الزيتون»، الذي امتد بدوره ليُكوِّن مخيماً آخر يُسمَّى الغابة. وتزداد هذه الظروف سوءاً في هذه المخيمات الفرعية أكثر من مخيم موريا الرئيسي، حيث لا توجد إلا سبعة مراحيض فقط لخدمة 1500 شخص، بينهم 696 طفلاً و53 طفلاً حديث الولادة وفق آخر عملية إحصاء. ويحرق اللاجئون أغصان الزيتون لتدفئة أنفسهم في الرياح العاصفة. وقبل أسبوعين، تركتهم الأمطار الغزيرة في بحرٍ من المياه والوحل يصل إلى مستوى الكاحل. وجميعهم خائفون من قدوم الجليد.

ومعصومة (18 عاماً) وعائلتها من بين أولئك المقيمين بمخيم بستان الزيتون، وقد فرَّوا من مدينة غزنة الأفغانية في أغسطس/آب 2018، بعد أن حاصرتها حركة طالبان. ويتشارك سبعة منهم خيمة واحدة، وضمن ذلك إخوانها الصغار، الذين تتراوح أعمارهم بين 5 أعوام وعام واحد، ويبكون في الليل.

ومثل جميع النساء  لا تخرج معصومة من الخيمة ليلاً، إذ تنتشر الانتهاكات الجنسية بصورة كبيرة، لدرجة أنَّ النساء يرتدين حفاضات للبالغين بدلاً من المخاطرة بالخروج لاستخدام المراحيض. ويقول الأطباء إنَّ هذا يؤدي إلى التهابات المسالك البولية.

وتُكرِّر معصومة العبارة التي يرددها الجميع: «مخيم موريا ليس جيداً».

عربي بوست

 

محرر الموقع : 2018 - 12 - 16