نظرة على التقدم الاخير للشيعة في بريطانيا، عضوية أكثر من خمسين شيعيا في المجالس البلدية والمحلية البريطانية
    

 تضم بريطانيا من بين الدول الأوروبية أكبر عدد من المسلمين المقيمين وذلك بعد فرنسا المعروفة بتاريخها في استقبال المهاجرين وكونها مجتمعا متعدد الاعراق والثقافات. إن وجود نحو ثلاثة الى اربعة ملايين مسلم في بريطانيا التي تعد 65 مليون نسمة، مؤشر على وجود اقلية تشكل نحو اربعة او خمسة في المائة من مجمل السكان، ويشكل الشيعة فيها عشرة بالمائة.

تعرف البريطانيين على الاسلام

ولتخمين ومعرفة بداية تعرف البريطانيين على الاسلام، فان المؤرخين يتطرقون الى مراحل تاريخية مختلفة. ويرى عدد من المؤرخين ان تعرف الشعب البريطاني على الاسلام يعود الى عصر فتح الاندلس على يد المسلمين. ويذهب البعض الاخر الى ان الحروب الصليبية وحروب الشيفالية المسيحيين – ومعظمهم – البريطانيين مع المقاتلين المسلمين يشكل بداية لتاريخ تعرف البريطانيين على الاسلام. وثمة نظرية اخرى تذهب الى ان معرفة البريطانيين بالاسلام تعود الى عصرد الاستعمار البريطاني للبلدان الافريقية والاسيوية لاسيما الهند، اذ ان هذه النظرية تعد من الناحية المنطقية الاقرب الى الواقع لاسيما وانه يقال بان المسلمين الاوائل في بريطانيا كانوا من المهاجرين الذين قدموا من الهند والشرق الاوسط. ولا ننسى بان 94 مليون مسلم كانوا يعيشون في المستعمرات البريطانية عام 1911 – والتي كان يقال ان الشمس لا تغرب عنها – وفي تلك الحقبة كانت هذه الامبراطورية تعد 58 مليون نسمة. وفي تلك الحقة شيد اول مسجد للمسلمين في بريطانيا وهو مسجد “شاه جهان” عام 1889 للميلاد بمدينة ووكينغ. ومذاك اضطلع المسلمون بدور في المجتمع والجيش البريطانيين. فخلال الحرب العالمية الاولى، كان الجيش البريطاني يضم 400 الف جندي مسلم، قتل منهم 62 الف جندي. وفي الحرب العالمية الثانية، حارب نصف مليون جندي مسلم في صفوف الجيش البريطاني ضد النازيين.

وكان رئيس الوزراء البريطاني ديفيد لويد قد قال خلال الاعوام 1916 حتى 1922 : اننا اكبر قوة لمسلمي العالم وان ربع سكان امبراطوريتنا هم من المسلمين.

لذلك فانه اقرب الى الواقع القول ان البريطانيين شانهم شان باقي الدول الاستعمارية، تعرفوا للمرة الاولى على الاسلام في الشرق الاوسط والهند، ومن ثم فان تبادل الزيارات بين البلدان الاسلامية اسهم في ان ينتقل عدد قليل من المسلمين الى هذا الأرخبيل (الذي يضم انجلترا واسكتلندا وويلز وايرلندا). وهذه المجموعة التي كان معظمها من البحارة، انتقلوا الى بريطانيا وتزوجوا بنساء بريطانيات وبالتالي انتشروا في مدن مثل ليفربول وغلاسكو وكارديف.

 

الاسلام في بريطانيا اليوم

ويقدر عدد السكان المسلمين في بريطانيا اليوم ما بين 2.5 و 3 ملايين نسمة، يعيش قرابة مليون شخص منهم في لندن، اذ ان عدد الشيعة فيها هو اكثر. وتعد بيرمنغهام ومانشستر وشفيلد وليدزر وغلاسكو من المدن الاخرى التي يتواجد فيها المسلمون بكثرة. ويمكن القول ان نصف المسلمين في بريطانيا قد ولدوا في هذا البلد، ويتحدرون من الهند وبلدان الشرق الاوسط.

 

تنامي عدد السكان  الشيعة

إن جميع التقارير السكانية المنشورة في بريطانيا تشير الى النمو السريع لتعداد المسلمين في هذا البلد. ففي عام 2011، اشار تقرير الى ان اكثر من مائة الف بريطاني اعتنقوا الاسلام في هذا العام، ثلثاهم من النساء، واكثر من نصفهم اختارو التشيع كعقيدة لهم. وهذا الامر يبرهن ان الاسلام في بريطانيا يتنامى بشكل اسرع بكثير من باقي الديانات. ان المسلمين لاسيما الشيعة، يمثلون أكثر الاقليات الدينية شبابا في بريطانيا وبلغت نسبة التنامي السكاني لهذه الاقلية عشرة اضعاف باقي الاقليات الدينية خلال الاعوام العشرة المنتهية بعام 2011. ان حقيقة ان عدد المسلمين البريطانيين وصل من اقل من خمسين الف عام 1961 الى اكثر من 3 ملايين نسمة في عام 2011 اي خلال نصف قرن، دليل على الاقبال المتزايد على الاسلام في بريطانيا. ومع ذلك فان اغلبية المسلمين في بريطانيا هم من اهل السنة فيما يقدر عدد الشيعة فيها بنحو 450 الف نسمة. ومعظم الشيعة يقطنون لندن وبيرمنغهام ومانشستر ويتحدرون من جنيسات ايرانية وعراقية وباكستانية ولبنانية. وجدير ذكره ان مجلة اكونوميست ذكرت في عام 2015 ان عدد الشيعة في بريطانيا يبلغ 450 الف شخص.

ويتوقع في ظل استمرار الاقبال على الاسلام لاسيما التشيع في بريطانيا ان يصل عدد الشيعة في هذا البلد الى اكثر من 13 مليون شخص في عام 2050.

 

صعوبات الشيعة في بريطانيا

وعلى الرغم من الناحية الاحصائية حيث يمثل الاسلام الديانة الكبرى الثانية في بريطانيا ويقال بان هناك اكثر من 600 مسجد و 60 مدرسة اسلامية في هذا البلد، لكن المؤسف ان المسلمين في بريطانيا يعدون ضمن مواصفات ومعايير الحياة، من افقر شرائح المجتمع البريطاني، ويعانون من ثغرات رئيسية في مجال السكن والصحة وحتى الدراسة. فعدد العاطلين من المسلمين مرتفع، كما ان عدد المسلمين العاملين في بريطانيا يشغلون الحد الادنى من المناصب والوظائف السياسية في بريطانيا ولا يتجاوز عدد اصابع اليدين، في حين انه يسمع ويشاهد ان من بين معتنقي الدين الاسلامي في هذا البلد هم من طبقة الاعيان والطبقات الراقية، وحتى ان المصادر التاريخية تذكر ان الموجة الاولى من اعتناق الاسلام في بريطانيا حصلت في بدايات القرن التاسع عشر الذي شهد اعتناق افراد طبقة النبلاء والمميزين، الاسلام. ويرى العديد من الخبراء ان هذا الحرمان الذي يعاني منه المسلمون يعود الى ان معدل عمر هذه الاقلية الدينة هم من الشباب ويعتقد ان هذا الموقع سيشهد تغيرات رئيسية خلال السنوات القادمة مع انهاء ابناء المهاجرين المسلمين دراساتهم.

 

المرکز الاسلامی في لندن

ويرى المسلمون انهم يستحقون اكثر مما يملكون الان. وقد اوردت مجلة شيعية في مقال نشر في الاشهر الاخيرة: ان المسلمين سجلوا خلال السنة او السنتين الاخيرتين نجاحات باهرة في الساحة السياسية البريطانية. ان عضوية اكثر من خمسين شيعيا في المجالس البلدية والمحلية يظهر الموقع المتنامي لهم.

لكن الاهم هو انتخاب عدد من المسلمين لعضوية مجلس العموم واللوردات البريطانيين.

وقد انتخب اول نائب مسلم لمجلس العموم في مايو 1997، اذ مثل المليونير البريطاني المتحدر من اصول اسيوية محمد سروار، حزب العمال في منطقة غلاسكو باسكتلندا في مجلس العموم. وسروار الذي تصل ثروته الى عشرات ملايين الجنيهات هو اول مسلم يمثل حزب سياسي بريطاني في مجلس العموم.

لكن اوائل اللوردات المسلمين، دخلوا مجلس العموم خلال السنة الماضية. ويبلغ عدد اللوردات المسلمين في الوقت الحاضر 4 اشخاص. وعلى الرغم من جميع الصعوبات، فان دخول المسلمين خلال السنوات الاخيرة لمجلس اللوردات البريطاني يشكل حدثا مهما بالنسبة للمسلمين البريطانيين. واضافة الى اللوردات المسلمين الاربعة في مجلس العموم، فان صادق خان انتخب عمدة للندن كما ان بولا اودين هي اول سيدة مسلمة تدخل البرلمان البريطاني.

والمؤشر الاخر على تطور وتقدم المسلمين، هو ازدياد عدد المليونيرات المسلمين. وذكرت مجلة اقتصادية في تقرير عام 2008 ان هناك اكثر من عشرة الاف مليونير مسلم في بريطانيا، بحيث ان هذه الاحصاءات تجعل من هذه الاقلية الدينية صاحبة مستقبل زاهر في بريطانيا. لاسيما وانه يوجد اكثر من 13 الف حرفة ومهنة خاصة بالمسلمين في لندن وحدها، والتي وفرت اكثر من 70 الف فرصة عمل.

 

مرکز الامام الخوئي

ومن ناحية المستوى الدراسي فقد اعلن عام 2011 بان 24 بالمائة من المسلمين، تلقوا دراسات عليا لكنه يشير الى تخلف طفيف قياسا بنسبة 27 بالمائة من معدل تلقي السكان البريطانيين للدراسات العليا. لكن الارقام المذهلة في هذا المجال هي الدراسة العليا للشيعية والتي تبلغ 48 بالمائة. وهذه الاحصاءات الرائعة تشير الى اقبال الشيعة من بين المثقفين او كما كتبت وسائل الاعلام البريطانية يمكن ان تشكل دليلا على اهمية كسب العلم في معتقدات الشيعة. ووفقا لهذا الاحصاء فان الشيعة في بريطانيا هم اكثر المجموعات الدينية ثقافة وتعلما في بريطانيا.

ومن ناحية المشاكل القانونية، فان وضع المسلمين لم يشهد تحسنا خلال السنوات الاخيرة ووصل عدد السجناء منهم من 8 بالمائة في عام 2002 الى 15 بالمائة في عام 2016.

 

الاسلاموفوبيا

ومن المستبعد ان يؤتى على ذكر الاسلام والمسلمين في البلدان الغربية من دون ذكر الاسلاموفوبيا. وهذا الحدث الناجم عن التصرفات غير المنطقية والمتطرفة للاصوليين التكفيريين والسلفيين، ساهم في تشويه الصورة العامة للمسلمين في الدول الغربية وتسبب بظهور قضية اطلق عليها اسم الاسلاموفوبيا.

وتضرب هذه القضية بجذورها طبعا في الاصولية الراديكالية، اذ يرى الكثر من الخبراء ان هذا الامر يعود بشكل اكبر الى العربية السعودية وباقي الدول العربية في منطقة الخليج الفارسي.

وفي عام 2017 اعلن جيرمي كوربين رئيس حزب العمال البريطاني انه ومن اجل السيطرة على الاصولية الراديكالية يجب التحدث الى العربية السعودية لتكف عن تقديم الدعم المادي والمعنوي لهذه المجموعات التكفيرية. كما قال توم بريك المتحدث باسم الخارجية البريطانية آنذاك ان السعودية ومن خلال تمويلها مئات المساجد في بريطانيا، تعرّف عشرات الالوف من المسلمين سنويا على النسخة المتعنتة للوهابية وتتحول الى جسر يصل بينها والمجموعات التكفيرية الارهابية. واضاف هذا المسؤول السياسي ان دراسات المؤسسات السياسية تظهر ان السعودية تبحث في هذه المساجد عن الشبان الذين لا يتابعون هدفا وتطلعا في حياتهم وتشجعهم على الانخراط في الراديكالية والارهاب.

 

اقامة اجتماعات جديدة للمسلمين من قبل الشيعة في بيرمنغهام

وكل هذا يؤدي الى تزايد ارقام واحصاءات التهديدات والهجمات المسلحة بالسلاح البارد والناري و… ضد المسلمين والرموز الاسلامية في بريطانيا. بما فيها 11 الف تهديد موجه ضد الجيران، وتحطيم شواهد قبور المسلمين مرات ومرات عديدة ومهاجمة عدة مساجد محلية و… والتي سجلت عام 2016 فقط، وهي نتيجة وحصيلة سياسات السلفيين والتكفيريين التي ساهمت في بروز ظاهرة الاسلاموفوبيا. وفي عام 2016 اظهرت دراسة جامعية ان عدد الهجمات والتحركات ضد المسلمين هي في تزايد.

 

والملفت ان نعرف …

ان اسم محمد كان اكثر الاسماء التي اطلقت في عام 2015 على الاطفال حديثي الولادة في بريطانيا، والذي خصص باملاءات مختلفة نسبة ملفتة من التسميات واطلاق الاسماء على الاطفال حديثي الولادة. واظهر مكتب الاحصاء الوطني البريطاني ان محمد كان الاسم الثاني عشر الاكثر تواترا في بريطانيا بعام 2015. ومع ذلك فان اخذنا بنظر الاعتبار الاملاءات المختلفة له بما فيها محمد وموحمد ومحمت و…، فان هذا الاسم يحتل المركز الرابع، وهو امر مثير للاهتمام نظرا الى كون المسلمين اقلية في بريطانيا.

 

المصادر:

==’UK Census: religion by age, ethnicity and country of birth’ Archived 6 May 2016 at Wikiwix 16 May 2013, Ami Sedghi, The Guardian

== Muslim population ‘rising 10 times faster than rest of society’ 30 January 2009, Richard Kerbaj, The Sunday Times

==Muslims in Britain: an Introduction, Cambridge: Cambridge University Press, pp.xvii + 318, ISBN 978-0-521-83006-5

== Oxford History of the British Empire, volume 4, pages 398-420, Oxford University Press

== Ansari, Humayun (2004). The Infidel Within: The History of Muslims in Britain, 1800 to the Present. C. Hurst & Co. Publishers. p. 37. ISBN 1-85065-685-1.

== “Country-of-birth database”. Organisation for Economic Co-operation and Development. Archived from the original on 17 June 2009. Retrieved 25 January 2009.

 

محرر الموقع : 2019 - 01 - 01