“التدريب المهني بدل الترحيل”… مبادرة لدعم طالبي اللجوء في النمسا
    

في وقت يزداد فيه معدل ترحيل طالبي اللجوء المرفوضين في النمسا، تطالب مبادرة “التدريب المهني بدل الترحيل” الحكومة بإيقاف ترحيلهم عندما يقومون بتدريب مهني، وذلك للاستفادة منهم في سد النقص في الأيدي العاملة الخبيرة.

في أحد أيام شهر تشرين الثاني/نوفمبر عام 2017، دخل شرطيان مطعماً في إحدى البلدات النمساوية، وأخرجوا من مطبخه طالب لجوء باكستاني كان يقوم بالتدريب المهني ليصبح طبّاخاً، والسبب “مخالفته لقواعد الإقامة”، حيث كان طلب لجوئه قد رُفض قبل ذلك. وقامت السلطات النمساوية بترحيله إلى بلده.

أثار هذا الترحيل لطالب اللجوء الباكستاني موجة استياء واسعة على سياسة ترحيل طالبي اللجوء الذين يخضعون لتدريب مهني، خاصة وأن المسؤولة عنه في التدريب المهني قالت إنه كان “نشيطاً ومهتماً بالتدريب ويتحدث اللغة الألمانية بشكل جيد”.

بعد هذه الحادثة أطلق وزير الاندماج في ولاية النمسا العليا رودي أنشوبر مبادرة تحت شعار “التدريب المهني بدل الترحيل”، وذلك من أجل المطالبة بمنع ترحيل طالبي اللجوء المرفوضين أثناء قيامهم بالتدريب المهني، واتباع النموذج الألماني “3+2″، الذي يسمح لطالبي اللجوء بالبقاء في البلاد طوال مدة التدريب المهني (3 سنوات)، بالإضافة إلى سنتين أخريين من أجل العمل، كما جاء في موقع المبادرة.

حشد الدعم

لكن تأسيس المبادرة تزامن مع تولي الحكومة الائتلافية بين اليمين واليمين الشعبوي زمام السلطة في البلاد، ولذلك لم يولي أحد الفكرة أهمية بداية في خضم القرارات الجديدة التي اتخذتها الحكومة الجديدة لتشديد قوانين اللجوء.

ومن أجل جذب الانتباه لمبادرته، خطرت لصاحب المبادرة فكرة أن يجعل طالبي اللجوء الذين يقومون بالتدريب المهني ومسؤولي الشركات التي يعملون فيها يظهرون دعمهم للمبادرة من خلال فيديوهات. ويتحدث طالبو اللجوء في الفيديوهات عما يعجبهم في سوق العمل النمساوي، كما يتحدّث أرباب العمل وأصحاب الشركات عن اندماج طالبي اللجوء في شركاتهم وعن حاجتهم للمزيد من الأيدي العاملة الخبيرة. كما تظهر الفيديوهات في موقع المبادرة التي أطلقت عريضة إلكترونية أيضاً من أجل حشد الدعم.

وقد وقع على العريضة الإلكترونية حتى الآن أكثر من 100 بلدية نمساوية و حوالي 1000  شركة و67 ألف شخص، بينهم رجال أعمال وفنانون وسياسيون معروفون مثل المستشار النمساوي السابق كريستيان كيرن.

وتكتسب المبادرة مزيداً من الزخم الشعبي في التضامن مع اللاجئين، ففي 21 كانون الثاني/يناير 2019، نشر مؤسس المبادرة صوراً على التويتر يظهر فيها في “مؤتمر المتدربين الرابع” لمبادرة “التدريب المهني بدل الترحيل”، وكتب: “مع 200 زائر وشخص يهمهم الأمر، استطعنا الإجابة على أسئلتهم المطروحة وإعطاءهم بعض الأمل من جديد”، وتابع مؤكداً “سنكافح معاً من أجل حل عقلاني”.

الحكومة تستمر بتشديد قواعد اللجوء

ورغم الدعم الواضح للمبادرة إلا أن الحكومة النمساوية استمرت في سياستها بتشديد قواعد اللجوء، حتى لأولئك الذين يقومون بالتدريب المهني.

ففي أيلول/سبتمبر عام 2018 أعلنت الحكومة النمساوية أنها لن تسمح لطالبي اللجوء بالقيام بالتدريب المهني، لاغية بذلك القانون الذي أصدرته الحكومة النمساوية السابقة عام 2012، والذي كان يسمح لطالبي اللجوء الذين تقل أعمارهم عن 25 عاماً بالحصول على فرصة للتدريب المهني.

وبحسب أنشوبر فإن حوالي ألف طالب لجوء ما زالوا يتابعون تدريبهم المهني، مستفيدين من القانون السابق الذي تم إلغاؤه. ورغم تأكيد الحكومة النمساوية بأنها لن تقوم بترحيلهم، لكنّ مصيرهم بعد إكمال تدريبهم المهني ما زال مجهولا. كما أن التجاوزات التي تحصل، كما في حالة طالب اللجوء الباكستاني، خلقت نوعاً من عدم الثقة بالقرارات الحكومية الجديدة.

وبسبب إصرار الحكومة النمساوية على موقفها المتشدد من هذه القضية، يسعى أنشوبر لجمع المزيد من الدعم لمبادرته من أجل الضغط على الحكومة.

“غالبية النمساويين يؤيدون هدف المبادرة”

يقول أنشوبر في موقع المبادرة: “تقول الإحصائيات الحالية إنه وفي عام 2020  سيكون في ولاية النمسا العليا لوحدها نقص في الأيدي العاملة الخبيرة يبلغ 29 ألف شخص، وفي الوقت نفسه يتم ترحيل طالبي اللجوء الذين يقومون بالتدريب المهني”، مشيراً إلى أن ترحيل طالبي اللجوء يهدد الاقتصاد النمساوي بخسارة أيدٍ عاملة خبيرة.

بحسب عدة استطلاعات للرأي في النمسا فإن غالبية النمساويين يؤيدون السماح لطالبي اللجوء بالبقاء في البلاد عندما يقومون بالتدريب المهني، رغم أن غالبيتهم أيضاً يؤيدون حكومة المستشار سيباستيان كورتس المتشددة في مجال اللجوء، وفقاً لصحيفة ديرشبيغل الألمانية.

ورغم أن مطالب المبادرة لم تلقَ آذانا صاغية لدى الحكومة النمساوية بعد، يصر مؤسسها رودي أنشوبر على مواصلة الضغط حتى تستجيب الحكومة، ويقول إنه سيستمرّ بالعمل حتى الوصول إلى حل، لكي لا يتكرر ما حصل مع طالب اللجوء الباكستاني.

محرر الموقع : 2019 - 01 - 28