مدّ جسور الصّداقة مع الأبناء يمنحهم الشّعور بالأمان
    

يسهم اتباع أسلوب الصَّداقة، والاستماع الجيّد، واحترام الرّأي، والتعامل بعيداً عن التخويف بين الآباء والأبناء، بخلق جيل واع وصريح ومتّزن في مناحي الحياة المختلفة.

وجد الثلاثيني علاء محمد بعد التجربة، أنّ من أفضل الطرق في التربية، التّعامل مع الأولاد بالصّداقة، بعيداً عن التخويف والترهيب، وهذا ما يتبعه مع ابنه البالغ من العمر ستة أعوام.

ويقول: "وجدت الحلّ الأمثل لمعرفة ما الذي يحدث معه في الصفوف التمهيديّة، وحتى في صفّه الأوّل؛ مصادقته، إذ أخرج وإياه لشراء ما يحبّ، أو نسير على الأقدام بالقرب من المنزل، فأتحدّث معه عما يجرى معي خلال النهار من ضغوط العمل بكلام مبسّط، وأعبّر له عن مدى حبّي له، ليتحدّث هو أيضاً عن يومه".

ويشعر الطفل محمود خالد (11 عاماً، بالغربة الشديدة، مع أنه يعيش في كنف أبيه وأمه، إذ يقول: "أخاف كثيراً من التحدث إلى أبي وأمي، لأنهما دائماً يتحدثان إليّ بلغة الطلب والأمر، ويطلبان مني أن أكون دائماً هادئاً، وألا ألعب حتى مع أصحابي، فهما يريدان مني أن أدرس فقط".

وفي هذا السياق، يؤكد التربوي الدكتور محمد أبو السعود، أنه لا يمكن القول إنّ الصداقة اختفت من البيوت، ولكنَّها تختلف من طبقة إلى أخرى، فما يزال هناك آباء يحاولون بناء صداقة مع الأبناء، ولكن فكرة الصداقة ليست مطروحة أساساً عند الأغلبية، إضافةً إلى أن التغيرات التي حدثت في المجتمع خلال الأعوام الخمسة والعشرين الماضية، لها علاقة كبيرة في انعدام الصداقة بين الآباء والأبناء.

ويشير أبو السعود إلى وجود مشكلة دائمة بين الآباء والأبناء في كلّ مكان وزمان، وهي ما تعرف بـ"صراع الأجيال"، فكلّ جيل له مفاهيم وأفكار مختلفة عن الآخر، إضافةً إلى أنّ الثقافة السّائدة في المجتمع تروّج لهيمنة السّلطة الذكورية، ما يعيق صداقة الأب، فهو دائماً مستبدّ، يليه الابن الأكبر الذي يكون مستبدّاً بإخوته، حتى وإن كانت له أخت أكبر منه، والشيء نفسه بالنسبة إلى الأم، الّتي تستبدّ بقراراتها في التعامل مع الأبناء.

ويلفت أبو السعود إلى أن بعض الأسر تعتقد أن إغداق الهدايا الوفيرة والمال الكثير هي التربية، وألا يحرم الأهل ابنهم من أي شيء، لكن لا يعتبر هذا دليلاً على حبّ الآباء لأطفالهم، موضحاً أنّ بعض الدراسات التربوية أشارت إلى أنّ الأمراض النفسية والميول العدوانية والفشل في الدراسة لدى الأطفال، مردّه إلى عدم وجود من يستمع إليهم.

ويشدّد على أنَّ الحديث إلى الطّفل ضروريّ لتنمية عقله وذكائه، إذ لا يكفي تعريض حواسّ الطفل لخبرات كثيرة متنوّعة، بل على الحاضن أو الحاضنة، أن تتحدَّث إلى الطفل بصفة مستمرة عما يراه، أو يسمعه، أو يلمسه، أو يشمّه، أو يتذوقه.

وإذا لم يتمّ هذا الحديث ويتنامى، وفق أبو السعود، فلن يحصل الطّفل على حقّه في الاستماع إليه من الراشدين، فسيصاب بالأمراض النفسيَّة والفشل الدراسي والميول العدوانية.

ولأنَّ الأسلوب الأصح في التربية هو الحوار، كما يقول أبو السعود، فإنَّ بناء صداقة مع الأبناء يتطلب من الأهل أن يمنحوهم الوقت الكافي للمناقشة والحوار، إضافةً إلى تقديم المساعدة والعون والخبرة والاستمتاع برفقتهم، مع عدم التدخل في تفاصيل حياتهم، واحترام منهجهم في الحياة.

ويذهب اختصاصي علم النفس، الدكتور أنس أبو زناد، إلى أن كلمة صداقة أصبحت كلمة مهزوزة حتى بين الكبار. ولكي تنمو صداقة بين الأبناء والآباء، لا بدّ من توافر ثلاثة أمور؛ أوّلاً الوقت، ثانياً مساحة للتحرّك معاً، وثالثاً المشاركة الحقيقيّة، بعيداً عن النصائح والأوامر، مشيراً إلى أنّ المسألة ليست شعاراً اسمه الصّداقة، أو إعلاناً من جانب الأب: "أنا صاحبك يا بني"، دون أيّ إجراء لإرساء الثقة أو سلوك يساعد على ازدهار الصّداقة؛ كأن يذهب أفراد الأسرة جميعاً أسبوعياً إلى حديقة عامة، بدلاً من مكوثهم في مكان مغلق أمام شاشة التلفزيون، وهم صامتون بدون أن يتبادلوا كلمة واحدة.

ويؤكّد أبو زناد أنه لا توجد قواعد ثابتة في العلاقات البشريّة إلا الصّدق وتصحيح الأخطاء أوّلاً بأوّل من خلال الممارسة، أما مقولة أنَّ البنت تصادق أمّها، والولد يصادق أباه، فهي مقولة ليست صحيحة، فالأب يمكن أن يصادق ابنته، كما يصادق ابنه على حدّ سواء، وكذلك الأم، اللّهم إلا في بعض الأمور شديدة الخصوصيّة.

ويدعو أبو زناد إلى المحاولة الدّائمة لبناء صداقة مع الأبناء، لأنّ اكتساب ثقة الأبناء لا يأتي بإعلان الرغبة في الصّداقة، وإنما بالممارسة، ولا يأتي في يوم وليلة، بل بالمحاولة المتكررة للاستحواذ على ثقة الأبناء، وهذه الثقة لا يمكن أن يمنحها الأبناء الّذين يشعرون بأن آباءهم يستهترون بهم، ويستخفّون بعقولهم، ولا يستمعون إلى آرائهم، ولا يفهمون احتياجاتهم.

محرر الموقع : 2014 - 09 - 17