نواعم في الجوامع!
    

أثارت ظاهرة اجتماع الفتيات في المساجد، من أجل الدَّردشة وتبادل الصّور، وتجاذب أطراف الحديث، حفيظة بعض الّذين رأوا في الظّاهرة أمراً خطراً، قد ينال من هيبة بيوت الله ودورها في حياة المجتمع الإسلامي، كأماكن مخصّصة للعبادة والذكر.

في الوقت نفسه، رأى آخرون أنّه لا حرج في اتخاذ الفتيات المسجد مكاناً لاجتماعاتهن المتواصلة، طالما أقيمت تحت إشراف أناس مؤتمَنين، وطالبوا بوضع أنظمة وقوانين تنظم استخدام المساجد، وتحدّد على وجه الدقّة، أوقات الدخول إلى المسجد، وهندام الداخل إليه ومظهره الخارجيّ، حتى لا تتحوّل بيوت الله إلى مقاهٍ اجتماعيّة مع مرور الوقت.

ورفضت الفتيات المجتمعات في المساجد الحديث إلينا في البداية، إلا أنهن وافقن بعد أن تلقّين وعداً بعدم ذكر أسمائهنّ صراحة، وأكّدن في أحاديثهن لـ «الشّرق» أنّه لا شبهة أخلاقيّة أو سياسيّة من وراء دخولهن المتكرّر إلى بيوت الله.

في البداية، قالت إحداهنّ(17 عاماً)، إنّ والدتها ترفض التقاءها بزميلاتها في أماكن عامّة، وترى أنّ المسجد مكان آمن يمكنها الخروج إليه للالتقاء بقريناتها من الفتيات دون أدنى شكّ أو خوف من الأهل.

وأيَّدتها أخرى (16 عاماً) في الرأي، وقالت: «عديد من الفتيات ما زلن يعانين من سيطرة الأهالي التي تفرض عليهن قيوداً تمنعهن من الخروج والالتقاء بقريناتهن»، واعترفت بأنها لم تأتِ إلى المسجد بهدف المحاضرات، ووصفت المحاضرين والمحاضرات في المساجد بأنهم أقلّ خبرة من أولئك الدّعاة الذين بإمكانها الاستفادة منهم عبر الإنترنت وهي في منزلها، وقالت: «مجيئي هنا بهدف الاجتماع بالزّميلات".

وقالت فتاة ثالثة (17 عاماً): «نغبط كثيراً من الفتيات اللاتي بإمكانهنّ وبمقدورهنّ الالتقاء بزميلاتهن في الأماكن العامّة، حيث يلتقطن الصّور، ويتمّ نشرها عبر حساباتهن في الإنستغرام ومواقع التواصل الاجتماعي، ونحن في المساجد نقوم بمثل ما يقمن به، ونحن نوصل إليهن رسالة بأنّنا في مكان أفضل، جمعنا فيه فائدتين، الأولى استفادة دينيّة، والثّانية اجتماع بزميلات مقرّبات».

من جهته، أوضح الدّاعية الإسلامي الدّكتور علي المالكي، أن المساجد مكان آمن للاجتماع. وقال: «لا مانع من اجتماع الناس فيها كما اجتمع أصحاب رسولنا الكريم محمد(ص)، بما أنّ الرّسول كان يجتمع بأصحابه في دار الأرقم، ويتناقشون في أمور الدّين والدنيا، وبما أنّ المساجد لدينا لها هيكل إداريّ يبدأ من المؤذّن، فالإمام، ومسؤولي النظافة وغيرهم، وجميعهم تحت مظلّة رسمية، وهي شؤون المساجد، فلا مانع من هذه الاجتماعات، ولكن أطالب بأن تكون تحت مظلّة رسميَّة، بمعنى أنه في حال تكرّرت هذه الاجتماعات، فمن الأفضل أن يتمّ تعيين رجل وزوجته في كلّ مسجد، يكونان مسؤولَيْن عن أمن هذا المسجد، بحيث إذا اجتمعت الفتيات، تجتمع معهن هذه السيّدة، وكذلك الحال بالنسبة إلى الرجال، لأنّ البعض ربما يجتمعون للتّخطيط لأمور لا تُحمد عقباها، سواء كانت تمسُّ الأمن، أو كانت أموراً أخلاقية، ظنّاً منهم بأن المسجد مكان آمن بالنسبة إليهم».

والتمس المالكي العذر للفتيات المجتمعات في المساجد، وقال: «إن كانت المسألة مجرد اجتماعات وتناقل للدردشات والصور فلا بأس، خصوصاً أنّنا نعلم أنّ لدينا كثيراً من المقاهي والكافيهات الّتي يجتمع فيها الرّجال والنّساء، وربما العشّاق أحياناً، دون رقابة، ودون تسليط الضّوء الإعلامي عليهم، ولا حتى اجتماعياً، فلماذا إذاً نجعل من اجتماع الفتيات في المساجد مشكلة؟». وتابع: «ما أريد إيصاله، أن تجمع الفتيات في المساجد، ظاهرة، وأي ظاهرة جديدة في المجتمع يجب ألا نقف أعداء لها، وننظر إليها بالنظّارة السوداء، بل يجب أن نتعامل مع كلّ جديد يخصّ جيلنا المقبل، بطريقة تعزِّز المكاسب والثّوابت، وتمنع أيّ مصادمة مع جيل الشباب». وعن تناقل الصّور عبر البرامج المختلفة... يقول المالكي: «السؤال الذي يجب أن نبحث عن إجابة له أوّلاً هو: ما الّذي يدور في هذه الاجتماعات؟ وما هي الصّور والمقاطع التي يتمّ تناقلها بين الفتيات؟ لنحدّد جواز تلك الاجتماعات من عدمه».

وتحدّث المالكي عن حرص بعض الفتيات على التزيّن، وقال: «لا أرى مشكلة في زينة بعض الفتيات، بدليل الآية القرآنيّة التي تقول: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ}، ولكن دون إفراط، مثل اللّبس الفاضح والمكياج المبالغ فيه، لأنّ كل شيء يتجاوز حدّه، تظهر حوله علامات الشكوك، فربما تكون المبالغة في الزّينة في اجتماعات الفتيات في المساجد، خلفها قضايا إعجاب تحدث في المساجد، وربما تطوّرت ـ والعياذ بالله ـ لقضايا سحاق وغيرها، فيجب تعيين مسؤولين ومسؤولات في المساجد، ولو من أفراد الحيّ، لمراقبة ما يحدث في هذه الاجتماعات مقابل مبالغ رمزيّة، ويجب على المواطن المشاركة في مثل هذه الخدمات من باب حماية أمن البلاد وخدمة المجتمع»...

وقال الشيخ عادل الكلباني «إذا كان تجمّع الفتيات، وإحياء هذه الفعاليات يؤدّي إلى إزعاج أو تشويش على المصلّيات، فهذا لا يجوز، لأنّ التشويش حتى وإن كان بالقرآن، لا يصح، أمّا إذا كانت بعد الصّلوات، فهذا عمل يُؤجَرْن عليه».

وقالت الاختصاصيّة في علم النفس منى يوسف: «من المهمّ معرفة أسباب ودوافع هؤلاء الفتيات من اجتماعهنّ في المسجد، لا شكّ في أن المسجد أصبح من الأماكن التي تجد فيها شريحة من الفتيات متنفّساً لهنّ، وفرصة لاجتماعهنّ مع صديقاتهن»، مضيفةً: «أرى أن دور المجتمع والمربين يكمن في استيعاب هذه الشّريحة العمريّة، وعدم تنفيرهم من المسجد أو الدّروس والمحاضرات»...

 ولفتت منى النظر إلى أمر مهمّ، وقالت: «قد نتضايق من هذه التصرّفات، ونعتبرها تجاوزاً على هيبة المسجد ومكانته، ولكن لا بدّ من تذكر أنّ من أهم أدوار المسجد، إقامة صلاة الجمعة والمناسبات الدينيّة، والشعور بالتكاتف بين أبناء الحيّ والاجتماع في هذا المحفل، والتعبير عن المحبّة بين أفراد المجتمع؛ لذا يجب استيعاب هذه الشّريحة، بتنظيم برامج ومحاضرات تناسب هذه الشّريحة العمريّة، وإشراكهم في تنظيم بعضها، وبالإمكان تعديل بعض السلوكيّات المبالغ فيها وتغييرها مع مرور الوقت وبقناعة كاملة».

محرر الموقع : 2014 - 10 - 29