رجال يختارون حياة العزوبيَّة
    

بعد أن كان الأربعيني علاء إبراهيم في بداية مشواره يعتبر أنّ فكرة الزّواج والإقدام عليها ما تزال مبكرةً ولم يحن أوانها بعد، استفاق بعد أعوام ليجد أنّه قد بلغ عامه الـ49 وقد باتت فكرة الزواج بالنّسبة إليه أمراً مزعجاً وصعباً، ولا يستسيغه على الإطلاق.

يقول علاء إنّه لا يعرف كيف مرّ العمر، إلا أنّ ما يعرفه الآن، هو أنّه بات من الصّعب عليه جدّاً تغيير نمط حياته الّذي اعتاد عليه كلّ هذا الوقت، الأمر الّذي يجعل من الصَّعب عليه البدء بحياة جديدة، وتأسيس عائلة وتغيير روتين استمرّ عليه طوال عمره، مبيّناً أنّه لا يوجد ما يعيقه من أسباب ماديّة أو اجتماعيّة أو أيّ شيء آخر، إلا أنّه بات لا يستسهل فكرة الزّواج على الإطلاق، ويعتبرها صعبة جداً.

ويقول علاء: "الآن بات عمري 49 عاماً، ولا أعرف كيف مضى الوقت، ففي كلّ عام كنت أقوم بتأجيل موضوع الزّواج للعام الّذي يليه، حتى بات الأمر صعباً جدّاً عليّ، وعندما أفكّر في الأمر، أشعر بأنّني تعوّدت على هذا النّمط من الحياة، ولا أستطيع أن أغيرّه وأن أفكّر في زوجة وأولاد ومسؤوليّات، فقد اعتدت على الهدوء وراحة البال".

ولعلّ علاء ليس وحده الّذي وصل إلى هذه المرحلة وإلى هذا العمر من دون زواج، فسامر الأسعد، والّذي يبلغ من العمر 52 عاماً، ما يزال أعزب من دون زواج، وكان قد قرّر منذ عامين أن يخطو هذه الخطوة ويتزوّج، وبالفعل، التقى بأكثر من فتاة، إلا أنّه في كلّ مرة، كان هناك شيء يوقفه ويجعله يبحث عن "الحجج" لينهي الموضوع.

يقول إنّه لا يعرف ما السّبب الّذي جعله يستصعب الفكرة إلى هذه الدّرجة ولا يرحّب بها على الإطلاق، مبيّناً أنّه كلّما يتقدّم به العمر أكثر، يجد أنّ الأمر بات أصعب عليه، ولا يمكنه القيام بهذه الخطوة، لافتاً إلى أنّه حينما كان صغيراً في السنّ، كانت الفكرة مرحّباً بها عنده، إلا أنه لم يجد الخيار المناسب والفتاة الّتي تناسبه ليرتبط بها.

ويضيف أنه ألغى الموضوع تماماً، كونه تقدّم في العمر، ولا يريد أن ينجب أطفالاً وهو في هذا العمر، ولا يجد وقتاً للعب ومراقبتهم وتربيتهم عندما يكبرون، إلى جانب أنّه اعتاد على طبيعة حياة معيّنة لا يستطيع التخلّي عنها، معتبراً أنّ هناك كثيراً من أصدقائه يمرّون بالوضع نفسه، وصرفوا فكرة الزواج من ذهنهم.

وكان قد ذكر في تقرير إحصائيّ سنويّ صادر عن دائرة قاضي القضاة للعام 2013، ارتفاع في سنّ الزواج للجنسين؛ حيث بيّنت الأرقام أنّ 35 % من الأزواج يتجاوزون سنّ الثلاثين عند الزواج.

ولكن يبدو أنّ المشكلة ليست فقط في الأشخاص الّذين تجاوزوا سنّ الثّلاثين، فهناك العديد من الرّجال الّذين تعدّوا الأربعينات والخمسينات بدون الإقدام على الزّواج لأسباب مختلفة، مثل الخوف من خطوة الزّواج بعد سنين العزوبيّة الطويلة، أو عدم وجود الخيار المناسب، أو غيرها العديد من مختلف الأسباب.

الاختصاصي الاجتماعي، ومدير جمعية العفاف الخيريّة مفيد سرحان، يرى أنّ تأخّر سنّ الزواج في الأردن يشمل الذّكور والإناث، وهو ما بيّنته الدراسات مؤخّراً، وهنالك أسباب تقود إلى ذلك، إلا أنّه في الغالب يكون التركيز أكثر على الإناث بسبب فرصهنّ في الزّواج بعد عمر معين؛ إذ إنّ المجتمع غالباً ما يعطي الشابّ فرصةً في الزّواج حتّى بعد سنّ 30، وهذه هي النظرة الاجتماعيّة. ويشير الى أنه من أسباب تأخّر سنّ الزواج بالنّسبة إلى الذكور، هو ارتفاع تكاليف الزواج؛ حيث إنّ الشابّ هو المكلَّف بدفع كلّ التكاليف، وكذلك ارتفاع متطلّبات الزّواج كلّها فيما بعد. ومن الأسباب الأخرى التعليم العالي؛ حيث إنّ هناك كثيراً من الشباب يفضّلون الاستمرار في التعليم على الزواج.

ولا شكّ في أنّه بعد عمر معيّن، قد يتكيّف الإنسان مع الحياة الاجتماعيّة ومتطلّباتها وطبيعة العمل وعلاقات الإنسان الشخصيّة والأسريّة، ما قد يؤثّر في رغبته الملحّة في الزّواج، وهذا ما يؤدّي الى الاستمرار في تأجيل اتخاذ قرار الزّواج.

إلى جانب أنّه قد تكون المشكلات الأسريّة في المحيط الّذي يعيشه الإنسان، أثّرت في هذا القرار. وفي كلّ الأحوال، فإنّ الدّراسات والإحصائيّات الّتي تنشرها الدوائر المختصّة، توجب على الجميع العمل على تشجيع الشباب والفتيات على الزّواج، وتوعية المجتمع لضرورة تذليل العقبات التي تؤدّي إلى تأخّر سنّ الزّواج. ويعتبر سرحان أنّ الواقع الموجود في الأردن يؤثّر في تأخّر سنّ الزّواج لدى الشّريحة العظمى، ولا بدّ من إجراء الدّراسات والأبحاث الّتي تبيّن الآثار السلبيّة المترتّبة على تأخّر سنّ الزّواج، سواء على الفرد أو الأسرة أو المجتمع.

وفي ذلك، يذهب الاختصاصي النفسي د. محمد حباشنة، إلى أنّ ظاهرة تأخر الزواج عند الرجال واضحة، والسّبب هو نمط الحياة الّذي اعتاد عليه الشّخص بعدم القدرة على المشاركة، والحواجز المعيشيّة الّتي لا يرغب أن يقتحمها أحد، مبيّناً أنّ الزّواج بحدّ ذاته التزام، وهناك من أدمن الحياة بدون زواج، مع مزيدٍ من الحريّة وغياب للالتزامات.

ويشير حباشنة الى أنّ بعض الرجال يدخلون في مرحلة مثل سنّ اليأس لدى النّساء، وهو الأمر الّذي يضاعف من فكرة الابتعاد عن فكرة الزّواج تماماً.

محرر الموقع : 2014 - 10 - 30