عائلة عراقية تنام في الشارع بعد طردها من مساكن مصلحة الهجرة السويدية
    

قضية في رسالة: وردت إلى “الكومبس” رسالة من عائلة عراقية طالبة للجوء، تتكون من 5 أشخاص، يعيشون منذ 17 كانون الثاني/يناير الماضي، بلا مأوى، مفترشين أرصفة الشوارع تارة، ومقاعد محطات القطارات تارة أخرى، لا يملكون طعاما، لسد جوعهم، إلا ما يساعدهم به عدد من الخيرين، بعد أن قطعت عنهم مصلحة الهجرة جميع مساعداتها المالية وطردتهم من منزلهم فور إصدارها قراراً يقضي برفض أسباب لجوئهم وترحيلهم.

نص الرسالة:

“أسمي جتين أقجاي، عراقي الجنسية، وصلت لاجئاً إلى السويد، صحبة زوجتي وأبنائي الثلاثة، سنة 2015، قاطنين مدينة كريستيان ستاد.

سنة 2019، أي بعد 4 أعوام كاملة من الانتظار، قررت مصلحة الهجرة رفض أسباب لجوئنا وترحيلنا إلى بلادنا. حاولت الطعن في القرار عدة مرات، منوهاً لكوننا لاجئين سياسيين، مطلوبين لدى تشكيل مسلح يتبع فصيلاً طائفياً معروفاً بتصفية خصومه خارج نطاق القانون وانتهاكاته الصارخة لحقوق الإنسان، لكن جهودي كلها ذهبت سدى.

على ضوء رفض مصلحة الهجرة أيضاً طلب الاستئناف الأخير، تلقينا منها بريداً، مفاده وجوب إخلائنا المنزل خلال مدة أقصاها 3 أسابيع من تاريخه. هكذا، لم أجد أمامي من مناص، إلا حزم متاعنا والسفر مع عائلتي إلى ألمانيا في شهر تموز/يوليو من نفس العام.

“الألمان أحسنوا استقبالنا..”

هناك، أحسن الألمان استقبالنا وأعطونا منزلاً وراتباً شهرياً، كما التحق أولادي بالدراسة سريعاً. بيد أن فرحتنا لم تطل كثيراً، حيث جرى إبلاغنا في أحد الأيام، أن السويديين أرسلوا يطالبون باستعادتنا وفق بنود اتفاقية دبلن، بتاريخ الحادي والعشرين من شهر آب/أغسطس الماضي.

في السابع عشر من كانون الثاني/يناير 2020، حطت بنا الطائرة في مطار العاصمة ستوكهولم وتم تسليمنا لمركز الشرطة. ثم فوجئنا بشرطي ما يعلن أن مسؤوليتهم انتهت لحظة إحضارنا هنا وعلينا التوجه إلى مقر الشرطة في مدينة مالمو. أوضحت لهم أننا لا نملك كروناً واحداً لحجز تذاكر القطار إلى مالمو إزاء إبطال الهجرة كل بطاقاتنا المصرفية، لكنهم صارحونا أن المشكلة باتت مشكلتنا وعلينا تدبر شؤوننا بأنفسنا.

 على إثر ذلك، قضينا يومين كاملين في محطة قطار ستوكهولم الرئيسية، ننام فوق المقاعد الخشبية كالمتشردين، لا نجد ما نقتات به إلا ما يطعمنا المسافرين، حتى تكفل واحد من أهل الخير بدفع ثمن تذاكر الرحلة لأجلنا.

 عندما وصلنا مركز شرطة مالمو، فوجئنا للمرة الثانية، أن المحقق راح يخيرنا بين التوقيع على إقرار موافقة يقضي بترحيلنا إلى العراق، أو العودة لمصلحة الهجرة في كريستيان ستاد، مكان إقامتنا السابق. بناء عليه، وجدنا أنفسنا لليلة الثالثة، مكرهين على المبيت داخل محطة القطار، ثم تكفل أحد المسافرين، كما حصل في المرة السابقة، بدفع تكاليف رحلتنا إلى كريستيان ستاد.

المبيت أمام باب مصلحة الهجرة

عندما وصلنا مقر الهجرة أخيراً، كان وقت الدوام الرسمي قد انتهى، فاضطررنا لقضاء ليلتنا أمام بابه. في صباح اليوم التالي، حلت مصيبتنا الأكبر لدى رفض مصلحة الهجرة استقبالنا وإشهار موظفيها أمام وجوهنا قراراتها السابقة بالرفض والترحيل. فاستنكرت عليهم ذلك، مستفسراً عن سبب استدعائهم لنا من ألمانيا، حيث نَعِمّنا سابقاً بالراحة والاستقرار، ما داموا سيرفضون أصلاً استقبالنا ومنحنا حق الإقامة ويعتزمون ترحيلنا من جديد. ألم أكن قد نفذت قرار الترحيل فعلاً ومن تلقاء نفسي؟ غير أن رد الهجرة جاء حرفياً كما سابقاتها: لم نعد مسؤولين عنكم، تدبروا أموركم بأنفسكم. ثم اقترح علينا أحد الموظفين بعد طول جدال، الالتجاء إلى الشؤون الاجتماعية أو الكنيسة.

سعينا جادين للعمل بنصيحة هذا الأخير، إلا أن الكنيسة والشؤون الاجتماعية رفضتا وأصرتا بشدة على كون رعايتنا من مسؤولية الهجرة وحدها.

هكذا، تخلى عنا الجميع صراحة في بلاد الإنسانية والقانون، فعدنا نجر أذيال الخيبة مرة أخرى لمقر الهجرة التي أغلقت أبوابها عقب انتهاء ساعات دوامها، فنمنا على عتبتها من فرط التعب. إن اليوم التالي إجازة رسمية من العمل في المصلحة، ما يعني أننا لن نستطيع مقابلة مسؤول قضيتنا إلا بعد انقضاء يومين أخرين”.

ويختم جاتين رسالته: “بكل أسف، لم تلق محاولاتي اللاحقة مع مصلحة الهجرة إلا مزيداً من التعنت والرفض لإرغامنا على مغادرة الاتحاد الأوروبي، غير عابئين بما قد يصيبنا من ضرر نتيجة ذلك.

منذ عودتنا من ألمانيا في السابع من كانون الثاني/يناير الماضي، أقضي مع زوجتي وأولادي القاصرين الثلاثة أيامنا هائمين بلا سكن يأوينا ولا دخل مالي يسد حاجتنا، ننام كما المشردين على الأرصفة وداخل محطات القطارات، أما طعامنا فيتوقف على قدر ما يجود به علينا أهل الخير من المارة وعابري السبيل، دون أي أمل في انفراجه قريبة أو معرفة مصيرنا مستقبلاً. 

حتى أولادي، الذين تؤكد القوانين السويدية دائماً أن مصالحهم وسلامتهم لها الأولوية، باتوا ممنوعين من الدراسة، ينامون في العراء والبرد، ببطون خاوية، لتتحطم أحلام طفولتهم في بلد جاءوه يوماً باحثين عن أمانهم واستقرارهم وإنسانيتهم التي افتقدوها بوطنهم الأم. فأين هي اتفاقيات حقوق الطفل والإنسان الآن مما نحن فيه؟”.

الكومبس

محرر الموقع : 2020 - 02 - 07