هرب من العراق أصبح الأفضل في السويد
    

هنا، في ضواحي ستوكهولم الجنوبية، يوجد شاعرٌ لكن سفيان الخزرجي لايكتب بالكلمات ، إنه شاعرٌ بالضوء وبالمنظور الفني. إنه فنان يرسم لوحاته بعينيه الخبيرتين، وبعدسة كاميرته. " انا لا أقوم بنسخ الواقع أبداً، وإنما اعيد خلقه. ولانني أعيش هنا في وسط لا تمارس فيه لغتي الام، فإنني أستعين بالصور لأستعيد ما كنت قد أضعت من كلمات... إن الضوء هو لغتي الاخرى".

ولقد أبدى سفيان تفوقا في هذا المجال, ففي عامي 1996 و 1997 على التوالي نال لقب احسن مصور ستوديو. " حتى ان المسابقة توقفت, يبدو انهم ضاقوا ذرعا بي"، يضيف ضاحكا مصور ستوديو( أفروديت)، حيث تمتلئ الجدران باللوحات الكبيرة وشهادات التقدير.

لا يكترث لامكانياته

في عامي 1998 و 2000 ، يحصل على الميدالية الذهبية في مسابقة الدول الإسكندنافية، وفي 1999 يتوج مصورا لذلك العام، ويمنح لقب ماستر في التصوير. " بعدها توقفت عن الاشتراك في المسابقات. وعندما عاودت الاشتراك عام 2003 لاول مرة بعد توقفي، عاودت الفوز أيضاً "

لكن كل هذه النجاحات لم تترك اثرا من الاعتاد بالنفس عند سفيان الخزرجى كما يبدو. " ما زلت لا اعتبر نفسي مصورا بالشكل الذي اقتنع به، فإذا ما كان طريق رحلة التصوير تنتهي خطواته بالعد حتى المائة، على سبيل المثال، فانا لم أبرح للآن في الخطوة الخامسة منه ".

إن الطريق الذي سلكه سفيان كان طويلا. فلقد نشآ سابعاً لإخوته، من عائلة فلاحية، سكنت قرية على اطراف مدينة بعقوبة شمال بغداد . عمل معلما، وكتب قصائد نشر بعضها في الصحف العراقية.

كانت طريقة تدريسه لتلاميذه مختلفة جدا عما هو سائد. فلقد استطاع هذا المعلم أن يخلق من صبية لايتجاوزون الحادية عشرة، شعراء حقيقيين. " وعندما سلطت الأضوء عليّ في مدينتي الصغيرة تلك، أصبحت هدفا لضغوطات أفراد حزب البعث الحاكم بغرض الانضمام اليه عنوة ".

كان صدام حسين - الرئيس المخلوع حاليا- لم يكن قد تسلم الحكم انذاك، ولكنه كان يدير دفته . وكان أن سفياناً رفض الانضمام لحزب البعث.

الفرار إلى السويد

عام 1976، وبعد تعرضه للمضايقات بسبب من مواقفه السياسية لم يجد سفيان بداً من الهرب، ثم الوصول الى السويد في نهاية مطاف طويل، وكان خياره ذاك حكيماً. " لقد قمت بجولة في أوروبا لأجد بلداً ما أستطيع الدراسة فيه مجانا ".

هكذا جاء إلى (غوثنبيرغ)، ودرس اللغة السويدية هناك، ثم تزوج فيما بعد شابة فلندية أنجبت له طفلين. عمل في احدى شركات الاعلان والدعاية بالسويدية والعربية. " عندما قرآت إعلاناً بخصوص العمل، اتصلت مباشرة، وكان ردهم ان الوظيفة لم تعد شاغرة, عندها طلبت من زوجتي ان تتصل لنفس الغرض وتخبرهم بانها تعرف شخصا مؤهلا لهذا العمل، وهو شاعرٌ، ويجيد العربية والإنجليزية أيضاً.

" فليأت إلينا" ... كانت تلك العبارة هي إجابتهم المباشرة. حصل سفيان بعدها على العمل، ثم انتقلت الشركة الى ستوكهولم وانتقل معها، وكان ذلك في بداية الثمانينيات. وبعد سنوات، يتغير مالك الشركة، ويفقد سفيان وظيفته وعن طريق مكتب العمل، يؤهل للعمل المكتبي. " لقد تقدمت بـ 400 طلب عمل تقريباً، دون أحصل حتى على رد واحد بالإيجاب " يقول سفيان رافعاً كتفيه باستغراب.

بعدها يحصل على فرصة عمل تجريبي في المتحف التقني, ويقوم هنالك بطباعة الصور. في 1985 يعرض عليه عمل ثابتٌ في المتحف ذاته , لكنه يرفضه ليفتتح ستوديو للتصوير في (هالوندا) جنوب ستوكهولم.. كان المشروع من حيث المبدأ جنونيا.

" من شركة الاعلان اصبح بحوزتي كاميرا هاسيلبلاد، وكان عندي فلاشات مستعملة، ولكنني لم اكن امتلك أية خبرة في التصوير". ... يضيف ضاحكا، ومع ذلك فقد بدأ مشروعه.

" المسألة تقتضي بان يجرأ المرء على المغامرة. اعتقد إننا نحن معشر المهاجرين، عندما توضع أمامنا الخيارات، فأننا نرجح الخيار الاصعب. فانك إن خسرت، فلن تخسر كثيرا، لأنك أصلا في الطبقة الدنيا من المجتمع ذاك. كان يأتيني بعض الزبائن من المساكين ، وكانوا يعتقدونني عارفاً وملماً بكل شيء. كانت الصور موجودة في ذهني، ولكن التقنية هي ما كنت افتقر اليه.

بدأت ادون كل أخطائي بانتظام، وعكفت على دراسة الكتب والمواظبة على حضور المحاضرات بدأب.

نجاح رغم كل شيء

بعد الخسارة الفادحة في السنة الاولى والأرباح البسيطة في السنوات التي تلت، كانت النتيجة ان سفيانا صار يتصدر اليوم قائمة مصوري البورتريه في السويد، رغم أمرين سلبيين واجههما ومايزال يواجههما، اولهما ان شركات كبيرة بدأت بالتدريج لاستحواذ على هذا العمل، وثانيهما انه مهاجر، ان لم نقل أسود الشعر.

" كمهاجر، عليك ان تبذل جهدا مضاعفا عشرات المرات لتصل الى مستوى سمعة الفرد السويدي، وان تكون حاصلا على لقب ماستر في التصوير لا يجديك نفعا، لأن لون شعرك أكثر أهمية ".

وهذه النظرة الدونية موجودة حتى بين المهاجرين أنفسهم , وهو يروي كيف أن سيدة تركية سألته مرة عن تسعيرة تصاوير جوازات السفر، وعندما أبلغها إنها 70 كراونا ـ وهكذا كانت انذاك ـ أجابت حانقة: " ماذا؟ بسيعين كراوناً أستطيع ان أدع سويدياً يصورني." .. ثم تركت الاستوديو.

أن تكون رب عمل، ليس بالامر الهين

لم يُصدم سفيان بظاهرة الحقد على الاجانب بشكل عام في السويد:

" في كل العالم هناك تحفظ على كل ما هو اجنبي وغريب ولي امثلة اكثرا سوءا من العراق بلدي. إن ما واجهته يعتبر تافها مقارنة ولا اكترث له. لقد احتضنتني السويد على أية حال بكل ودٍ واحترام ".

ان الظروف العامة لأصحاب الشركات الصغيرة قاسية للسويدين وللمهاجرين على حد سواء. وأن تكون شركة سفيان قد نجحت رغم كل هذا، فإن السبب يعود إلى أن سفيانا شق طريقا مغايرا، فهو يبتكر على الدوام طرقا وأساليب جديدة في التصوير.

" لو أنني كنت قد سلكت الطريق المعتاد في الدراسة الاكاديمية، او التدرب على يد مصورين آخرين، فربما لم أكن لأستطيع فكاكاُ من التأثر ببصماتهم في التصوير ".

" لصوري الآن طابع مميز، وانا اعمل باسلوبي الخاص "

يستعمل سفيان الخزرجي في عمله الفلاتر التي تضفي نعومة على الصورة، أو ما يصطلح عليه لدى المصورين بالـسوفت فلتر. وهذا ينطبق على كل الصور بدون استثناء. ولصوري مسحة من ضوء ريمبرانت، هذا ما يؤكده أكثر الناس.

ترجمة / كريم راهي 2003

بير هوغفيلدت: كاتب صحفي سويدي

مجلة اصحاب الاعمال السويدية

الصحافة السويدية
الكومبس

محرر الموقع : 2013 - 01 - 10