((عين الزمان)) العمارة التاريخية في العراق
    

 

لعل اية دراسة تاريخية  تناولت جانبا عماريا او فنيا او معلوماتيا يمكن ان تضيف الشيء الكثير للمكتبة العربية كونها تسلط الضوء على ماض قضى واندرس ، ومن الصعوبة  بمكان الحصول على معلومات حقيقية ودقيقة عن ذلك الماضي خاصة وانه يشكل الاساس لحضارات العالم ..

ويسعى الباحثون المتخصصون عادة الى الغور في تفاصيل استثنائية عن موضوع ما لكشف مكنونه ، وتسليط الضوء على جوانب فيه ربما لم يسلط الضوء عليها سابقاً .. وغالبا ما تصبح هذه الدراسات مصادر ومراجع مهمة لطلبة العلم والباحثين والمختصين .. اضافة الى انها تفتح ابوابا جديدة لدراسات مهمة في موضوعات اخرى تطرقت اليها هذه الدراسات .. وقد تكون مرت عليها مرور الكرام . الباحث المهندس سامي الكفلاوي احد اعلام العراق وعلمائه في فن العمارة القديمة .. فهذا الباحث وضف جهوده وخبراته للكشف عن كنوز الحضارات القديمة ، سواء كانت الرافدينية منها او المصرية ، فاصدر مجموعة مؤلفات وابحاث تناول فيها مشكلات حقيقية ، وفرضيات علمية توصل من خلال بحثه واجتهاده الى نتائج قيمة سوف تسهم في الوقت القريب وفي المستقبل اغناء الدراسات التاريخية والاثارية ، وتوثق لفترة تعتبر القاعدة الاساس لتحضر الانسان وميله نحو المدنية .

المهندس سامي الكفلاوي ولد  في بغداد / الكرادة الشرقية عام 1947 ودرس في مدارسها ومعاهدها ، وتلقى علومه الهندسية في قسم الهندسة المدنية بجامعة البصرة وتخرج منها عام 1971 .. ولعل عمله كمهندس مشرف على تنفيذ المشاريع الثقافية خلال عشر سنوات امتدت (1972-1983) ( كونه مهندسا في مديرية التخطيط والمشاريع /وزارة الثقافة) .. والذي تضمن/انشاء متاحف , ومحطات الاذاعة والتلفزيون والمسارح وغيرها من المرافق الثقافية ، اسهم كثيرا في صقل موهبته وتطلعه ليكون واحدا من الموثيقين لتراث العراق والمنطقة . كما ان عمله مديرا لقسم الهندسة والصيانة الاثرية في الهيئة العامة للاثار والتراث ثماني سنوات اخرى (1983-1991) ، عزز مكانته كمتخصص وجعل كماً هائلا من المعلومات بين يديه ، وهذا مادفعه لممارسة التدريس في المعاهد والجامعات الليبية ، عندما حلت الكارثة في العراق بعد احتلال الكويت ، ودخول العراق حربا مدمرة بسبب رعونة وقلة الحكمة لدى الحكام انذاك .. وهو ما اضطره الى المغادرة حيث عمل محاضرا في جامعة ناصر الليبية/ كلية الاداب /قسم الاثار .. و قد اسهم الرجل في عدة مؤتمرات دولية ، بما يخص الحفاظ على المدينة العربية التاريخية ، وعلى النصب الاسلامية ، عقدت في بغداد وطرابلس وقيروان وعمان .. نتج عن ذلك مؤلفات وابحاث كثيرة ، لعل واحد منها دراسته القيمة حول "العقود والاقبية والقباب في العمارة التاريخية" وهي دراسة تحليلية تناول فيها التصاميم والخطط الهندسية لفقرات مهمة من العمارتين العراقية والمصرية.

ويرى الباحث ان فن العمارة بشكل عام يعتبر المحصلة الثقافية والروحية لكل مجتمع .. فهو المعبر الحقيقي لتطلعات الانسان عبر الزمان والمكان ، فكانت العمارة تلبي طموحاته واحتياجاته الضرورية .. وهي حسب وجهة نظر الباحث احدى المكونات الاساسية والمادية للحضارة الانسانية ، التي انتجت صروحا لازالت البشرية تقف امامها باعجاب واهتمام كبيرين ، فهذه الانجازات مقياس لتقدم تلك الشعوب في العصور التاريخية الغائرة بالقدم.

الدراسة تناولت نشأة العقود وتطورها عبر العصور المختلفة .. وتعمقت في البحث عن الاسس العلمية للتصميمات الهندسية التي قامت عليها تقنية العقود المستخدمة فوق فتحات الابواب والشبابيك والحنايا الصماء والطاقات والمحاريب وسقوف الابنية والقباب في المباني الاثرية كافة .

فقد تناول المهندس الكفلاوي نبذة تاريخية عن فن العمارة من خلال دراسته للعمارة المصرية القديمة اولا ، والعمارة في بلاد وادي الرافدين والقباب في الاضرحة المقدسة في العراق ثانيا .. وقد توصل الباحث الى نتائج مهمة من خلال البحث والتحليل للاهرامات بان المصريين القدماء لهم دراية كافية بخصائص الهندسية للهرم ، وماسماه بالنسبة الذهبية والعدد المقدس ، قد طبقوا كل هذا في مبانيهم وحافظوا على سريته بصورة تامة .. فيما وجد ان عدد انواع العقود بلغ(31) نوعا رئيسيا ، وعند اجرائه التحليل الهندسي على اشكال تبلغ( 53) شكلا مختلفا ، وجد ان بواطن العقود والاقبية صار لها مجال اوسع للابداع الفني والزخرفة ، انعكس على ظهور رسومات جمالية خارقة الروعة ، في كثير من المباني التاريخية في العراق .. الرجل لم يكن منظرا ، بل بحث ميدانيا كل تفاصيل موضوعه واغناه.. حفظ الله علماء العراق.

عبدالزهرة الطالقاني

القاهرة

محرر الموقع : 2014 - 10 - 02