لأول مرة منذ الحرب الباردة.. لماذا عاد التجنيد الإجباري إلى أوروبا؟
    

 في سابقة منذ الحرب الباردة، أعلن عدد من الدول الأوروبية عودة تطبيق التجنيد الإجبارية، أو توسيع نطاقها في الدول التي كانت تطبقه، وهو ما يطرح أسئلة حول أسباب هذا التوجه الأوروبي العام، في وقت تشهد فيه الجيوش الأوروبية ترهلاً كبيراً وتحديات أمنية.

في ظل تصاعد التوتر مع روسيا، على خلفية حرب أوكرانيا، تبحث دول الناتو خططا لزيادة تعداد قواتها. ففرنسا قدمت خطة لتحفيز الجنود على البقاء في الخدمة، بينما تتجه دول أخرى وعلى رأسها كرواتيا لفرض التجنيد الإجباري.

وقالت صحيفة لابانجورديا الإسبانية فى تقرير لها إن كلا من أوروبا والولايات المتحدة دعمت  أوكرانيا حتى الآن بالسلاح والمال،  ويحاول الاتحاد الأوروبي تسريع الدفاع المشترك،  لكن الفكرة المثيرة للجدل المتمثلة في إرسال جنود إلى الخطوط الأمامية في أوكرانيا تثير السؤال، هل يمكن أن تفرض الدول الأوروبية الخدمة العسكرية الإجبارية؟، وهلى ستكون أوروبا مستعدة لأى حرب؟

وأشار التقرير إلى أن الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون لم يستبعد إرسال أى جنود إلى أوكرانيا ، فى حين رفض رئيس الوزراء الإيطالي، جيورجيا ميلوني، والمستشار الألماني، أولاف شولتز، من بين آخرين، الفكرة رفضا قاطعا، لإيجاد نية مشتركة حتى يقرر الاتحاد الأوروبي إنشاء صندوق مساعدة لأوكرانيا وإطلاق أول استراتيجية صناعية أوروبية للدفاع. بهدف إعادة تنشيط القوة العسكرية للقارة بعد سنوات من سحب الاستثمارات.

وصرح فولفجانج كوبيكي، نائب رئيس الحزب الديمقراطي الحر في، الشريك في الائتلاف الحاكم بألمانيا، بأنه لا يستبعد إعادة تطبيق نظام التجنيد الإجباري، وفي تصريحات للموقع الإلكتروني لصحيفة “فيلت” الألمانية، قال كوبيكي :كنت في السابق ضد تعليق التجنيد الإجباري، لأنني قلت إنه بذلك سيظل الجيش جيش الشعب، وهذا يزيد من صعوبة المشاركة في لعب دور في كل ساحات القتال في العالم.

وأضاف كوبيكي، أن ألمانيا ، في الوقت الراهن غير مستعدة ولا قادرة على الدفاع عقليا وعمليا، ورأى أن أوروبا بوجه عام لا تستطيع أن تدافع عن نفسها بمفردها ، ولهذا السبب فإنني أؤيد أن نورد لأوكرانيا ما نستطيع توريده، ونعيد طلب ما وردناه بعد ذلك للجيش الألماني على وجه السرعة.

وتطالب كييف بمزيد من الأسلحة والصواريخ والرصاص والأموال من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ، فى الوقت الذى يخشى البعض من أندلاع حرب فى أوروبا جديدة ،وعلى رأسهم بابا الفاتيكان ، البابا فرانسيس،  الذى أصبح لديه العديد من المخاوف من نشوب الحرب العالمية الثالثة.

ولكن إذا نفذ الرئيس الروسي بوتين بالفعل تهديداته بالصراع مع منظمة حلف شمال الأطلسي والدعم الأمريكى الحاسم: فهل سيكون لدى الاتحاد الأوروبي الذي يضم 27 عضواً قوات عسكرية كافية؟.

وقال التقرير إنه فى عام 1989، كان لدى القارة الأوروبية ما يقرب من 3.4 مليون جندي، وفقا لأرقام البنك الدولي. ومع نهاية الحرب الباردة، انخفضت الأعداد إلى أقل من 2 مليون في عام 2020، وقرر الناتو، الذي يضم أيضا القوات المسلحة الأمريكية، زيادة قوة الرد السريع التابعة له إلى 300 ألف جندي في عام 2022. ومن بينهم 100 ألف جندي جاهزون بالفعل في بولندا، كما صرح قبل بضعة أيام نائب قائد القوات المسلحة البولندية،  كارول ديمانوفسكي.

لا يزال بإمكان الاتحاد الروسي أن يحصي في عام 2024، بحوالى  1.3 مليون جندي ومليوني جندي احتياطي وما لا يقل عن 250 ألفًا من القوات شبه العسكرية، على الرغم من أنه يمكن التقليل من الأرقام الإجمالية والخسائر التي تكبدتها في أوكرانيا.

ما هي الدول الأوروبية التي تطبق فيها الخدمة العسكرية الإجبارية؟

لدى إستونيا ولاتفيا وليتوانيا الخدمة العسكرية الإجبارية (للرجال): الأولى لم تلغها قط، في حين أعادت جمهوريتا البلطيق الأخريان تقديمها، لأنها تمثل أحد الأهداف الأكثر إلحاحا للتقدم الروسي المحتمل في أوروبا.

وفنلندا لديها خدمة عسكرية لمدة 6-12 شهرًا للرجال، وتفرض النرويج الخدمة العسكرية للرجال والنساء في سن 19 عامًا، وتختار حوالي 8000 إلى 10000 كل عام للخدمة.

أما الدنمارك فإنها قررت  تجنيد النساء للخدمة العسكرية لأول مرة بموجب إصلاح شامل مقترح للقوات المسلحة يأتي وسط تدهور علاقات أوروبا مع روسيا و الحرب في أوكرانيا، وقالت رئيسة الوزراء ميتي فريدريكسن:نحن لا نعيد تسليح أنفسنا لأننا نريد الحرب. نحن نعيد التسلح لأننا نريد تجنب ذلك.

وقالت إن الحكومة تريد المساواة الكاملة بين الجنسين و تمديد مدة الخدمة العسكرية من أربعة إلى 11 شهرا، و بموجب خطط التسوية الدفاعية للفترة 2024-2033، سيتم استدعاء 5000 مجند، من الذكور و الإناث، كل عام اعتبارًا من عام 2026.

و أدى نحو 4700 شخص الخدمة العسكرية العام الماضي، و كانت النساء يؤدن الخدمة فقط على أساس تطوعي، و عادة لمدة أربعة أشهر.

أما إسبانيا ، فحتى الآن لم يتم طرح إعادة التجنيد الإجبارى ، حيث  اتسم عام  2001 بالنسبة لاسبانيا باختفاء علامة فارقة واساسية في الحياة الاجتماعية والعسكرية هي التجنيد او الخدمة العسكرية الاجبارية التي ظلت سارية فى البلاد منذ عام 1812.

لماذا عاد التجنيد الإجباري؟

 

يجمع مراقبون، على أن العودة الواسعة للتجنيد الإجباري في أوروبا، تأتي مدفوعة بالتحديات الأمنية والاستراتيجية التي فرضتها الحرب المستمرة في أوكرانيا على دول القارة العجوز.

وهو ما سبق أن أكده عدد من المسؤولين الأوروبيين، من بينهم وزيرة دفاع لاتفيا إنارا مورنيس، التي قالت إن اعتماد بلادها لقانون الخدمة العسكرية الإجبارية هو “استجابة للتحديات الأمنية الإقليمية الجديدة”.

وكشفت الحرب في أوكرانيا مدى الترهل الذي تشهده الجيوش الأوروبية، بعد عقود من اعتماد تلك البلدان على حلف الناتو، وبالتالي على الولايات المتحدة، من أجل الدفاع عنها في حال وقوع أي تهديد عسكري على أراضيها.

في حين حتى هذا الخيار يشهد اليوم تهديدات جدية، بعد احتمال عودة الجمهوري دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، عبر الانتخابات المزمع إجراؤها شهر نوفمبر/تشرين الثاني القادم. وسبق أن توعد ترمب، في خطاب شهر فبراير/شباط الماضي، بأنه في حال عودته إلى الرئاسة، قد “يشجع” روسيا على مهاجمة الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي التي لا تفي بالتزاماتها المالية.

وتعاني الجيوش الأوروبية مشكلات عدة، على رأسها ضعف التركيبة البشرية والخصاص في أعداد المجندين، ففي ألمانيا، 18% من مجمل وظائف الجيش شاغرة، في حين ترفع البلاد سقف طموحها لنقل أعداد جنودها من 181 ألفاً إلى 203 آلاف جندي بحلول 2025، وهو ما يظل ممتنعاً إلى الآن.

وفي فرنسا، صاحبة أكبر جيش في أوروبا بتعداد يبلغ 205 آلاف جندي، تبقى نحو 2000 وظيفة عسكرية شاغرة.

وبشكل عام، تبقى الجيوش الأوروبية أقل بكثير من حيث التعداد، مقارنة بالجيش الأمريكي الذي يتخطى تعداده 1.3 مليون فرد عسكري، إذ إن هناك ثلاث دول أوروبية يفوق تعداد قوتها العسكرية 150 ألف جندي عامل: فرنسا وألمانيا وإيطاليا بـ170 ألف جندي.

كما تعاني الجيوش الأوروبية مشكلات أخرى، أهمها ضعف الإنفاق على العتاد والذخيرة. وبحسب أرمين بابيرغر، رئيس شركة راينميتال، أكبر شركة دفاعية في ألمانيا، فإن أوروبا “تحتاج إلى 10 سنوات من أجل أن تصبح قادرة على الدفاع عن نفسها”.

الیوم السابع+TRT عربي+وکالات

النهایة

 

 

محرر الموقع : 2024 - 05 - 07