الفيلم التونسي "بنزين" يسلط الضوء على مآسي الهجرة و"قوارب الموت"
    

 

 

 

معد فياض
 
يناقش الفيلم التونسي "بنزين"، قصة وسيناريو واخراج سارة العبيدي، موضوعا في غاية الاهمية، ليس للمجتمع التونسي فحسب بل المجتمع الشرق اوسطي والافريقي، الا وهو الهجرة غير الشرعية بواسطة قوارب الموت التي تعبر البحر المتوسط الى الشواطئ الاوربية، ايطاليا خاصة، والتي راح ضحيتها الالاف من العوائل والشباب التوانسة والكورد العراقيين والسوريين، والعرب من بلدان مختلفة.
 
السينمائية التونسية سارة العبيدي تذهب مباشرة في فيلمها الى جوهر الموضوع وبدون رتوش او إطالة او حتى مقدمات تهيء المشاهد للموضوع، تضعنا كمتلقين في حمأة الحدث، وفي مواجهة المأساة الحقيقية الا وهي الفقدان الذي تعاني منه عائلة تونسية صغيرة، الام حليمة (الممثلة سندس بلحسن) وزوجها سالم (الممثل علي اليحياوي)، تقيم في ريف قابس، حيث تتوغٌل المخرجة في كشف تفاصيل الحياة اليومية في ريف فقير في الجنوب الشرقي التونسي بين مارث وبن خداش وتوجان، واختارت المخرجة تصوير احداث فيلمها  في قرية صغيرة تدعى (المجني) ، حيث تعيش العائلة  من تربية الماشية بينما الزوج يبيع البنزين المهرب على الطريق الرئيسي المتجه للعاصمة تونس بيعد ان قفرت ارضه" التي كان يفلحها وجفت لانقطاع المطر"، حسبما يوضح في احدى حواراته. 
 
تستهل احداث فيلم "بنزين" بعد مرور عشرة اشهر على الرحيل المفاجئ للابن احمد الى أوربا مع احد المهربين دون ان يعرفوا مصيره، إذ يخيم الغياب على جميع احداث القصة، فقد وجدوا أنفسهم يسألون عنه بحيرة وقلق بعد هجرة ابنهم في غفلة منهم، مما أدى إلى تغير حياتهم العادية في قريتهم الحدودية "المجني" المعزولة والمتاخمة للبحر، حتى غدت جحيما.
 
المخرجة اشتقت اسم فيلمها "بنزين"، Benzine، المعروض حاليا على منصة نيتفليكس  Netflix، لاشتغال اعداد كبيرة من الشباب التونسي ببيع البانزين المهرب، المعروف في تونس باسم (الخلط)، فهو مصدر رزق الكثير من التوانسة، بضمنهم سالم وولده احمد قبل هجرته مع انه حاصل على شهادة جامعية عليا في اختصاص الادارة والاقتصاد، حيث لا يوجود اي مورد رزق آخر سوى التفكير في الهجرة بالنسبة للشبٌان الحاصلين على شهادات عليا إن توفرت لهم الاموال.

 

 

كاتبة قصة ومخرجة الفيلم سارة العبيدي

 

 
المحنة واحدة، سواء للشباب التونسي او العربي او الكوردي، فأمام انسداد الآفاق واستفحال اليأس والإحباط وعدم الثقة في المستقبل لتحقيق احلامهم تحولت الهجرة السرية عبر قوارب الموت باتجاه السواحل الجنوبية الإيطالية لتحقيق احلام الآلاف من الشباب التونسي، فيما يخص الفيلم، بحثا عن جنة مفترضة.
 
وحسب المعلومات الاعلامية فانه "خلال السنوات الماضية نشطت شبكات تهريب الشباب التونسي العاطل عن العمل نحو البلدان الأوروبية وخاصة نحو إيطاليا مستفيدة من حالة الانفلات الأمني وارتفاع العاطلين.وتحولت الهجرة غير الشرعية في تونس إلى ظاهرة اجتماعية خطيرة تشمل مختلف الفئات بما في ذلك النساء والأطفال".
 
وأظهرت دراسة أعدها مرصد الشباب في تونس "خلال عام 2014 أن 93 بالمائة من الشباب التونسي يشعر بأن الثورة عمقت تهميشه اجتماعيا وسياسيا" فيما قال 87 بالمائة إن "الثورة خيبت آماله" لأنها “لم تنجح في تشغيل العاطلين ولا في تحسين أوضاع العاملين". "وقاد التهميش الاجتماعي والسياسي إلى تفاقم الإحباط وعدم الثقة في المستقبل حيث يرى 79 بالمائة من الشباب أن مستقبله غامض وأنه فقد الأمل في تحقيق تطلعاته."
 
تخوض عائلة احمد محاولات كثيرة لمعرفة مصير ابنها ذات الـ 24 عاما، يبيع الاب جزء من ماشيته ليوفر اتعاب محامي في العاصمة تونس لمتابعة اي انباء عن ابنه، على افتراض انه وصل لايطاليا او لم يصل، ويعدهم المحامي، بعد ان يقبض الاتعاب، بان يتصل مع زميله في روما ووزارة الخارجية والداخلية الايطالية، يطرقون ابواب المنظمات الدولية في العاصمة، يشاركون بمظاهرة امام وزارة الخارجية التونسية، وكل هذه المحاولات لم تنفع.
 
تمرض الام حليمة وتدخل حالة من الوحدة والانتظار وهي تمسك هاتفها الجوال على امل اي اتصال من ابنها او من احد اصحابه، ثم تشعر بالهوان والضعف حتى تدخل المستشفى وهي تطالب زوجها ياستمرار"جيب لي ابني". يجد الاب نفسه عاجزا عن معرفة اية اخبار عن ابنه، يزور الطب العدلي عسى ولعل ان يجده ميتا، قبل ان  يبحث عن المتورطين في الهجرة غير الشرعية "الحرقة" الى إيطاليا سواء عبر الشواطئ التونسية او الليبية الذين ورطوا ابنه بفكرة الهجرة ويدخل مع احد المهربين(الحراق) في شجار بالايدي يقوده الى قسم الشرطة، فالمهربين يعرفون كيف يحمون انفسهم بالمال الفاسد، كما ان هناك الالاف الذين مروا عليهم واخذوا اموالهم، ومنهم احمد، قبل ان يرموهم في قوارب لا تصلح للوصول الى اوربا، وهناك من نجا بالصدفة.

 

 

ملصق الفيلم..الام حليمة وهي تنتظر عودة ابنها احمد

 

 
يعكس ايقاع الفيلم البطيء، والمخرجة قصدت ذلك، لعكس الايقاع الحياتي لعائلة احمد،ولحالات الانتظار والروتين اليومي والتكرار وحافة اليأس التي وصلت لها لعدم وجود اية انباء او احداث تعرفهم بمصير ابنهم، ومع ذلك فان الاحداث تخلق حالة من التشويق لمعرفة نهاية القصة التي تحرمنا منها المخرجة في نهاية مفتوحة عندما يستلم سالم رسالة من وزارة الخارجية التونسية تطلب منه الحضور، في المشهد الختامي نجد حليمة، الام تضع في حقيبتها صورة ابنها احمد وهي تجلس الى جانب زوجها سالم الذي يقود سيارته البيك آب المتهالكة في طريقهم الى العاصمة تونس، لياتي تايتل النهاية معلنا عن وجود اكثر من 150 الف تونسي غرقوا نتيجة محاولة عبورهم البحر المتوسط باتجاه اوربا ضمن رحلات الهجرة غير الشرعية، دون ان يعلمنا فيما اذا كان احمد قد مات او محجوز في احدى معسكرات المهاجرين في ايطاليا.
 
بالرغم من ان فيلم "بنزين" ياخذ عينة بسيطة ، معاناة عائلة ريفية تونسية تعيش على الهامش، مع مآساة  فقدان ابنها الوحيد في الهجرة غير الشرعية وقوارب الموت، الا ان كاتبة ومخرجة الفيلم، سارة العبيدي، اسقطت هذه المآساة على كل عائلة، اينما تكون في العالم، الافريقي والشرق اوسطي خاصة، فقدت ابنائها او بناتها او نسائها او اطفالها في لجة امواج البحار التي ابتلعتهم وابتلعت احلامهم بحياة مستقرة في اوربا، وهذا ما يمنح الفيلم صفة انسانية بحتة.

 

 

فريق فيلم بنزين

 

 

 

 

 

محرر الموقع : 2023 - 07 - 26