د. فاضل حسن شريف
 
احياء اليوم الحادي والعشرون من شهر رمضان الاثنين:

أقام مسجد الإمام الحسين عليه السلام بمدينة تورنتو الكندية جلسة قرآنية يقرأ كل حاضر آيات من الجزء الثاني والعشرون من القرآن الكريم بإشراف السيد عبد السلام الموسوي، فقراءة دعاء الافتتاح، ومحاضرة للشيخ حسن العامري، فأذان المغرب وصلاتها، ومأدبة الإفطار للمتبرع مؤسس المسجد الحاج عطا علي.

كان عنوان محاضرة الشيخ حسن العامري (متابعة آيات من سورة الواقعة) قال الله تبارك وتعالى "ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ" (الواقعة 51) هذه الآية والتي قبلها تتحدث عن أصحاب الشمال وهم الطبقة الثالثة وقبلها طبقة السابقون ثم طبقة اصحاب اليمين. تشمل طبقة السابقون الانبياء والرسل والاولياء "ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ (14)" (الواقعة 13-14). أما أصحاب الشمال "إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَٰلِكَ مُتْرَفِينَ (45) وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ (46)" (الواقعة 45-46) الحنث العظيم هو الشرك بالله. أصحاب اليمين عادة هم المصلون والصائمون والمصدقون بيوم القيامة والمؤدون واجبهم العبادي وهم العامة من الناس. حتى العاصي الذي يستغفر ويتوب إلى الله فانه سبحانه رؤوف رحيم "وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ" (النور 20). مثال ذلك أولاد يعقوب لحظة واحدة مسح الله تعالى ذنوبهم بعد استغفارهم وتوبتهم بعد 70 سنة من العناد والمكابرة. يقول الامام زين العابدين (الهي لم أعصك حين عصيتك وأنا بربوبيتك جاحد، ولا بأمرك مستخف، ولا لعقوبتك متعرض، ولا لوعيدك متهاون، ولكن خطيئة عرضت)، و (إلهي من الذي نزل بك ملتمسا قراك فما قريته، ومن الذي أناخ ببابك مرتجيا نداك فما أوليته). يقول الشاعر: وفدت على الكريم بغير زاد * من الحسنات والقلب السليم وحمل الزاد أقبح كل شيء * إذا كان الوفود على الكريم.

من هم الضالون؟ جاء في سورة الفاتحة "صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ" (الفاتحة 7). الذين انعم الله عليهم ذكرتهم الآية الكريمة "وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا" (النساء 69). واما المغضوب عليهم "مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ" (المائدة 60)، و "إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا" (الاعراف 152). الفرق بين الكاذب والمكذب أن المكذب الذي يكذب الصدق وهو اشد من الكاذب "وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ" (المرسلات 47).

قوله جل ذكره "لَآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ" (الواقعة 52) شجر رائحته نتنة وطعمه لا يستزاغ "إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65)" (الصافات 64-65). هنالك تشابه بين سورتي الصافات والواقعة. وهذا يدل على جوع يوم القيامة "فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54)" (الواقعة 53-54) ملئ البطون لدرجة الشبع وهذا يحتاج الى شراب ولكن اي شراب انه حميم اي حار يحرق وجوههم من شدة حرارته "وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ" (الكهف 29). وعكس ذلك أصحاب الجنة "مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ۖ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى ۖ وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ ۖ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ" (محمد 15). واصحاب النار حتى جلودهم تبدل "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ" (النساء 56) حيث يستطيع رب العباد اعادة الجسد "أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ" (القيامة 3). ورد ان المؤمن يوم القيامة يرجع عمره 33 عام والمؤمنة 16 عام. 

قوله جل جلاله "فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ" (الواقعة 53) الهيم هو الإبل المصاب بمرض العطاش، وورد ايضا الهيم هي الصحاري الرملية تشرب ماء المطر ولا يبقى شيء على سطحها. قوله عز وعلا "هَٰذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ" (الواقعة 54). ويوم القيامة كل يوم فيها "وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ" (الحج 47). معنى النزل هو المقام. ونزل المؤمن وغير المؤمن يكون حسب مقامه. قوله عز من قائل "نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ" (الواقعة 54) من أدلة وجود يوم الدين هو الخلق "وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ" (الزمر 38). أيهما أسهل الخلق من العدم أم إرجاع الشيء بعد خلقه؟. والدليل الثاني على يوم الدين قوله تعالى "أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ (58) أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (59)" (الواقعة 58-59) التفكر بخلق الله هو جوهر العبادة "وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ" (ال عمران 191)، و "كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ" (البقرة 219)، و "هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا ۚ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبْلُ ۖ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ" (غافر 67). قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (فكرة ساعة خير من عبادة سنة). يسمى التفكر بالعبادة الصامتة، ولكن الانسان خصيم مغرور "يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ" (الانفطار 6).