االمرجعية الدينية تدعو إلى تطبيق مبدأ الثواب والعقاب في إدارة شؤون الدولة
    

تلى ممثل المرجع الديني الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني بعض المبادئ المهمة للحكام والساسة ويُضمن من خلالها استقرار الوضع السياسي وانتظام امور الرعية واستقرار الاوضاع العامة وتحقيق العدالة والتقدم لعموم المجتمع.

وقال الشيخ عبد المهدي الكربلائي خلال الخطبة الثانية لصلاة الجمعة اليوم 28/رجب الأصب/1437هـ الموافق 6/5/2016م مانصه ايها الاخوة والاخوات نقرأ على مسامعكم الكريمة مقطعاً آخر من عهد امير المؤمنين (عليه السلام) لمالك الاشتر يتضمن مبادئ مهمة للحكام والساسة بل بعضها يهمُّ عامة الناس ايضاً ويُضمن من خلالها استقرار الوضع السياسي وانتظام امور الرعية واستقرار الاوضاع العامة وتحقيق العدالة والتقدم لعموم المجتمع..

(وَالْصَقْ بِأَهْلِ الْوَرَعِ وَالصِّدْقِ ثُمَّ رُضْهُمْ عَلَى أَلَّا يُطْرُوكَ وَلَا يَبْجَحُوكَ بِبَاطِلٍ لَمْ تَفْعَلْهُ فَإِنَّ كَثْرَةَ الْإِطْرَاءِ تُحْدِثُ الزَّهْوَ وَتُدْنِي مِنَ الْعِزَّةِ وَلَا يَكُونَنَّ الْمُحْسِنُ وَالْمُسِي‏ءُ عِنْدَكَ بِمَنْزِلَةٍ سَوَاءٍ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ تَزْهِيداً لِأَهْلِ الْإِحْسَانِ فِي الْإِحْسَانِ وَتَدْرِيباً لِأَهْلِ الْإِسَاءَةِ عَلَى الْإِسَاءَةِ وَأَلْزِمْ كُلًّا مِنْهُمْ مَا أَلْزَمَ نَفْسَهُ).

(وَلَا تَنْقُضْ سُنَّةً صَالِحَةً عَمِلَ بِهَا صُدُورُ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَاجْتَمَعَتْ بِهَا الْأُلْفَةُ وَصَلَحَتْ عَلَيْهَا الرَّعِيَّةُ وَلَا تُحْدِثَنَّ سُنَّةً تَضُرُّ بِشَيْ‏ءٍ مِنْ مَاضِي تِلْكَ السُّنَنِ فَيَكُونَ الْأَجْرُ لِمَنْ سَنَّهَا وَالْوِزْرُ عَلَيْكَ بِمَا نَقَضْتَ مِنْهَا وَأَكْثِرْ مُدَارَسَةَ الْعُلَمَاءِ وَمُنَاقَشَةَ الْحُكَمَاءِ فِي تَثْبِيتِ مَا صَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ بِلَادِكَ وَإِقَامَةِ مَا اسْتَقَامَ بِهِ النَّاسُ قَبْلَكَ)
(وَالْصَقْ بِأَهْلِ الْوَرَعِ وَالصِّدْقِ)

وبين الكربلائي في خطبته من الصحن الحسيني الشريف ان الامام (عليه السلام) يأمر مالك الاشتر ان يلازم ويقرب اهل الورع والتقوى والدين والصدق.. وهم الذين يخلصون له في المشورة وتقييم الاحوال العامة واساليب ادارة الدولة وشؤون المجتمع فيصدقون معه في ذلك ولا يزينون له بالباطل.. ومن جملة صفاتهم انهم ينقلون له الاخبار الحسنة والسيئة بحيث تكون صورة الاوضاع العامة كما هي من غير تزييف عن الحق والواقع..
(ثُمَّ رُضْهُمْ عَلَى أَلَّا يُطْرُوكَ وَلَا يَبْجَحُوكَ بِبَاطِلٍ..)
رضْهم: من مادة رياضة وهي تعني في هذا المورد التمرين والرياضة.
الاطراء: بمعنى المدح والثناء الكثير.
يبجحوك: من مادة بجح وتعني الفرح.
أي ان يروضهم ويمرنهم ويربيهم على عدم المدح والثناء بإزاء اعمالك الحسنة او ترك الاعمال السيئة لأن تكرار هذا العمل من قبل الحاشية سيؤدي تدريجياً الى التأثير في قلب الوالي فيزرع الزهو والغرور والعجب من نفسه وهو منبع لكثير من المفاسد كما ان الاطراء وتعودهم عليه يفسد نفس المادحين..
يبجحوك: ان يفرحوك ويسروك بنسبة عمل عظيم اليك ولم تفعله فيدخلونه في ذم قوله تعالى: (ويحبون ان يحمدوا بما لم يفعلوا) ونفره عن كثرة الاطراء بقوله (عليه السلام) فإن (كثرة الاطراء تحدث الزهو).
الزهو: العجب
فالمطلوب من الحاكم ان يعود ويربي الحاشية والبطانة ان تتحدث مع الحاكم بدون خوف وخشية منه وبدون توقع للصلة والثواب والمكافأة، حتى يمحصوه النصيحة ويخبروه بالحقائق دون ان يخافوا بطشهُ ولا يتوقعون ماله وجوائزه، واما اذا قرب المتملقين والمتزلفين منه لأنه يحب الاطراء والثناء الى الاخرين فان الحقائق ستغيب عنه وستخفى من قبل معاونيه ومساعديه حقيقة الاوضاع السيئة والمتخلفة للبلاد والعباد وتتراكم المظالم حتى تفشل الدولة ويسقط الحاكم – وهذا تعليم من الامام (عليه السلام) ان يعود مشاوريه ومساعديه على قول الحق وان يكون هو مستعد لقبول الحقائق المرّة.

الغرة: الكبر والغرور.

(وَلَا يَكُونَنَّ الْمُحْسِنُ وَالْمُسِي‏ءُ عِنْدَكَ بِمَنْزِلَةٍ سَوَاءٍ)

ما يذكره الامام (عليه السلام) احد الاصول المهمة للادارة الجيدة وهو مبدأ الهي حيث وعد الله تعالى الصالحين بالثواب الجزيل والنعيم الدائم في الجنة ووعد المسيئين بالنار والعذاب الاليم..

ويندرج المبدا تحت عنوان الترغيب والترهيب وهذا الاصل موجود لدى جميع الاقوام البشرية مع تنوعهم واختلافاتهم في العقائد والثقافات وانظمة الحكم وكذلك لرب الاسرة مع عائلته وابنائه والسر في ذلك ان اكثر فعل الاحسان انما يكون طلباً للمجازاة والثواب والمكافاة او طلبا لزيادة الرتبة والموقع على الغير او زيادة الذكر الجميل فاذا رأى المحسن مساواة منزلته لمنزلة المسيء وانه لا فرق بينه وبين المسيء كان ذلك صارفاً له عن الاحسان ومزهداً له في عمل الخير والاحسان وكذلك اكثر التاركين للاساءة ان يتركوها خوفاً من العقاب- وبتعبير اخر فان استمرار عملية الاحسان واداء المعروف للاخرين يتطلب توفير وتحفيز الباعث النفسي اذ ربما تؤثر الدوافع المعنوية والعقائد الدينية في هذا المجال ولكن هذه الدوافع لا تؤثر في جميع الافراد او انها تؤثر بنسبة ما فاحتياج استمرار الاحسان الى توفير المحفز والباعث المادي والمعنوي للمحسنين ينتبه الى خطأه وفوات الثواب عنه فيتوب الى رشده ويُشجّع على فعل الاحسان..
ولا يكونن المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء لما في ذلك من دفع الناس لترك الاحسان من جهة وتمادي المذنب في ذنبه من الجهة الاخرى والبديل هو مجازات كل فرد بما فعل..
(وَأَلْزِمْ كُلًّا مِنْهُمْ مَا أَلْزَمَ نَفْسَهُ)
وذلك هو منتهى العدل بين الرعية اذ كل انسان عليك خياره وارادته فيما يفعل ويختار فالمحسن يعلم ان ما يقوم به هو احسان وان جزائه يجب ان لا يكون الا احسان والمذنب يعلم العقوبة المترتبة على ذنبه وبالتالي فان اقدام كل من المحسن والمذنب على الفعل اختياراً يجب ان يترتب عليه حكم يعطي كل ذي حق حقه..

(وَلَا تَنْقُضْ سُنَّةً صَالِحَةً عَمِلَ بِهَا صُدُورُ هَذِهِ الْأُمَّةِ)

يدعو الامام (عليه السلام) الحاكم بأن ينظر بعين الفحص والتدقيق والتأمل في الاعراف والعادات الموروثة من الاسلاف والمعمول بها لدى الناس فان كانت هذه العادات من السنة الحسنة والصالحة ولها اثرها وفعلها الحميد والحسن في المجتمع وعززت من الروح الجماعية والاجتماعية في المجتمع وتعزز الالفة والمحبة بين الناس ويصلح حالهم فيأمر الامام (عليه السلام) بان لا ينقض هذه العادة الحسنة بل يترك الناس يعملون بها وينتفعون من بركاتها واثارها الصالحة والنافعة فان ذلك سيؤدي الى اضعاف مصداقية الحاكم امام المجتمع ويبعث في نفوسهم النفور والعصيان فيضع حاجزاً بينك وبين الناس نظراً لابطال الحاكم ما تعارف عليه الناس من السنة والعادات الجميلة بينهم والتي تحقق مصالحهم وتبعث الرضا والطيب في انفسهم هذا الى جانب ما يترتب على خسارة المجتمع لبعض ما يتحلى به من فضائل مرتبطة بذلك العرف او التقاليد..
(وَلَا تُحْدِثَنَّ سُنَّةً تَضُرُّ بِشَيْ‏ءٍ مِنْ مَاضِي تِلْكَ السُّنَنِ)
فالحسنة الصالحة للقدماء لا ينبغي لك نقضها ولا بصورة مباشرة ولا من خلال ايجاد العوائق ليتركها الناس بل عليك بحفظ هذه السنة والتقاليد لينتفع منها الناس في حال ممارستها والمداومة عليها..
ومن بين الاسباب التي تدعو الامام (عليه السلام) لتأكيد اهمية الاعراف الحسنة والسنة الحميدة في المجتمع هو ان هذه الاعراف تخلق حالا ً من الالفة والمودة وكذلك تتعارف عليه الجميع حتى صارت عرفا من حين يعد تعطيل هذه الاعراف محاولة لضرب حالة الوئام والمودة في المجتمع..
(وَأَكْثِرْ مُدَارَسَةَ الْعُلَمَاءِ وَمُنَاقَشَةَ الْحُكَمَاءِ)
يؤكد الامام (عليه السلام) على اهمية الارتباط بالعلماء والحكماء واهل الخبرة ومجالستهم حتى يتعرف اكثر على الاحكام الالهية وكيفية ادارة الامور وينتفع من تجاربهم وعلومهم في تشخيص الموضوعات المهمة وعندما تزداد معرفة الوالي من خلال مدارسة العلماء ومناقشة الحكماء (المناقشة تعني البحث الدقيق مع العلماء) فان ذلك من شأنه اصلاح امر البلاد وبقاء السنن الحسنة للماضين في واقع الحياة الاجتماعية..
فالامام (عليه السلام) يحث الحكام على مجالس العلماء واهل الحكمة والرأي لاستثمار والانتفاع بما يتمتعون به من علم وخبرة وايمان ونفاذ وبصيرة وقدرة على رؤية الامور بمنظارها الصحيح ووضع الاشياء في موضعها المناسب فانهم اعرف من غيرهم بحقائق المصالح والمفاسد والقدرة على التشخيص الصحيح لأمور وشؤون الدولة وادارة شؤون الناس فهم اضافة الى علمهم ليس لديهم طمع في منصب او موقع او امتياز بل عندهم مصلحة البلاد والعباد وبخلاف الكثير ممن يضعهم الحكام كمستشارين فانهم ليس لديهم تلك العلوم التي يطلعون من خلالها على حقيقة المصالح والمفاسد اضافة الى ما يشوب دوافعهم من مصالح دنيوية..
قال الامام الصادق (عليه السلام): (الملوك حكام على الناس، والعلماء حكام على الملوك)..
فكأن الامام (عليه السلام) يرشد الحاكم الى صفات من يستشيرهم بجانبه تحقيق لتثبيت ما يصلح عليه امر البلاد واستقامة الناس..
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين..

محرر الموقع : 2016 - 05 - 06