فتيان العراق اللاجئون في أوربا .. مقاومة ثقافية تصارع (طمْس) الهويّة
    

يسعى الفتى العراقي رحيم كريم (15 سنة) الى الاستفادة من قانون سنّه البرلمان الهولندي في الأشهر الماضية يتيح للاّجئين القصّر التمتع ب (الحماية ) واللجوء .



ورحيم ، واحد من فتيان قصّر اضطروا الى النزوح من بلادهم من جحيم العمليات الارهابية التي بلغت ذروتها في العام 2006 وهو العام الذي هاجر فيه كريم مع والده .



وبعدما توفي والده قبل اربع سنوات ، ظل كريم وحيداً يسعى الى حياة حرة كريمة في هولندا .



التشبت بالبقاء



وعلى رغم الاستقرار الامني في العراق ، الا ان شخصاً من مثل كريم ، يجد نفسه مضطرا الى التشبت بالبقاء في هولندا .



وعلى رغم ان عراقيين يسعون اليوم الى تلمّس السبل التي يمكنهم عبرها من العودة الى بلادهم ، الا ان هناك صعوبات تتخلل ذلك .



وبالنسبة للقصّر العراقيين بدا امر العودة اكثر صعوبة مقارنة مع غيرهم من البالغين .



ومشكلة اللاجئين القصّر لا تخص العراقيين فحسب ، بل هناك الكثير من امثالهم من البلدان المختلفة ممن بلغت بهم السبل الى طلب اللجوء في اوربا .



مسؤوليات اكبر



ويقول در فال فوس من مكتب اللاجئين في مدينة ايندهوفن في الجنوب الهولندي ، ان " اللاجئين القصّر يضعون امام الحكومات الاوربية مسؤوليات اكبر ، وان عليها ان تثبت التزامها بالمعايير الانسانية وحقوق الانسان لاسيما وان القانون الاوربي يصف القاصر بانه ( كل شخص دون سن الـ18 إلا أن سن المساءلة القانونية يبدأ قبل هذا العمر) ، مما يجعل من امر ترحيلهم الى بلدانهم الاصلية امرا اكثر صعوبة ".



العودة الى العراق



ويفصح سهم هادي (14 سنة) للمركز الخبري لشبكة الاعلام العراقي ( IMN) عما يختلج في نفسه ، فيقول " على رغم اني قدمت الى هولندا في سن صغير لكني اسعى الى العودة الى وطني ، بعدما فقدت والدي في سوريا والأردن ، ونجحت في الوصول الى هولندا مع اقرباء لي " ، مؤكدا " اسعى الى الاستفادة من قرار منح الاقامة للقصّر للتأهل علميا والحصول على شهادة اكاديمية في مجال الطب او الهندسة ، وأنا واثق من اني استطيع العودة الى بلدي العراق" .



وفي حين أن الكثير من القصّر العراقيين نشئوا وترعرعوا في بلدان المهجر الا ان الاعتزاز بالهوية الاصلية ، مثار اعجاب الجميع ، حتى الاوربيين .



التواصل مع الوطن



وتقول الباحثة الاجتماعية المقيمة في هولندا سليمة المؤمن في هذا الصدد : " على رغم المسافات الزمنية التي تفصل هؤلاء عن بلدهم الاصلي ، اذ قدموا الى اوربا في عمر مبكر ، وفقدانهم الكثير من المهارات اللغوية ، واكتسابهم قيم ثقافية واجتماعية جديدة ، الا ان الشعور ب( الانا ) العراقية ، تطبع ملامحهم وسلوكيتهم ، وهم يسعون بكل السبل الى دوام التواصل مع الوطن .



الثقافة الاصلية



لكن سليمة تقلق من تقادم الزمن ، اذ ان هؤلاء سيفقدون مع مرور الايام التواصل مع الثقافة الاصلية لأنهم لا يعيشون وسط اسر عراقية ، بل ان جل وقتهم يقضونه في المدرسة والمراكز الاجتماعية الهولندية ، اضافة الى ان وسائل الميديا الهولندية تحيط بهم من كل جانب .



وكان حزب العمل الذي نال تأييد الجاليات المسلمة في الانتخابات الاخيرة ، حقق وعوده الانتخابية بمنح الإقامة للاجئين القصّر .



ويقدّر فال فوس عدد النازحين (القصّر) من العراقيين في هولندا بنحو مائة وستين ، من بين نحو الف نازح (قاصر) من جنسيات مختلفة ، اغلبهم يتبعون برامج اندماج ثقافية واجتماعية في مراكز الاستقبال ومؤسسات الرعاية الاجتماعية.



القرار غير أخلاقي



لكن منح قرار الاقامة بالنسبة لكثيرين ليس نهاية المعاناة ، بل هو بدايتها للأسر و العوائل التي يتوزع افرادها بين بالغين وقصّر ، فبينما يمكن للقصّر البقاء مع الوالدين ، فان افراد الاسرة البالغين غير مشمولين بالقرار ، وهذا يعني في الواقع ، بعثرة شمل الاسرة .



لكن هناك من النازحين من يعتبر القرار غير عادل ، اذ يصف كريم نعمان ، الاب لأولاد (قاصرين وبالغين) ، القرار بأنه " غير أخلاقي " ولا يأخذ في نظر الاعتبار المعايير الاجتماعية والروابط الاسرية الوثيقة التي تميّز الاسر العربية والمسلمة على وجه الخصوص.



مشاكل ديمغرافية



وفي نفس الوقت ، يتّهم الباحث الاجتماعي العراقي المقيم في بلجيكا عصام علوان في حديثه الى ( IMN) ، السلطات الاوربية ب"الانانية ، والحرص على مصالحها فقط " ، لاسيما وإنها تعاني من مشاكل ديمغرافية تتمثل في انحسار الولادات الجديدة وارتفاع معدلات الشيخوخة.



وتقول الإحصاءات الرسمية الهولندية ان نحو 1200 نازح عراقي يقيمون في اراضيها لا يحملون تصاريح الاقامة وينتظرهم مغادرة هولندا بشكل طوعي.



ويقارن كريم بين الرعاية الاجتماعية للنازحين القصّر في الوقت الحاضر مع سنوات سابقة ، فيخلص الى ان " القصّر لا يجدون الرعاية الكافية التي تعوضهم عن فقدانهم الاهل " ، مؤكدا أن " برامج الرعاية تركز على سرعة دمج النازحين في المجتمعات الاوربية ، بغية ( صهر ) هويتهم الاصلية في الثقافة المكتسبة " .



وكانت دراسة أعدتها الوكالة الأوروبية للحقوق الأساسية أكدت أن "هؤلاء الشباب لا يحصلون على النصح الكافي بل ويضَيّق عليهم في بعض الأحيان".



وحسب الدراسة فإن " الحقوق الدينية لهؤلاء الشباب لا تحترم بشكل كاف".

محرر الموقع : 2013 - 03 - 20