أمريكا وداعش والطغمويون سأموا الحصار فقُتل الجنابي وحُطم متحف نينوى3/1
    

محمد ضياء عيسى العقابي

المحور الثاني:

هو محور ذو طابع عسكري إرهابي يرتكز على تحويل أفكار نظرية أنتجتها بحوث مختبرية مخابراتية متطورة الى واقع ملموس وفيها جانبان أساسيان: جانب تعاقدي سياسي بين طرفين، وجانب تكتيكي عملي إستند الى بحوث في بطون التأريخ وإستل منها أبذئ ما أنتجه الفكر المنحرف لبعض المسلمين (المسلم من نطق بالشهادتين وكفى، أي بغض النظر عن نواياه، وفي الحقب اللاحقة: بغض النظر عن معظم ممارساته)، وما أنتجته الممارسات الموغلة في الاجرام المدفوعة بحكم المصالح الطبقية والمغلفة بالفكر الديني المنحرف.

كانت الافكار عبارة عن اتفاق معقد غير تقليدي تشير الدلائل الى أنه قد أُبرم بين الأمريكيين مع مجموعة ضباط بعثيين صداميين انقلبوا الى "قاعديين" في سجن بوكا الذي أنشأه الاحتلال الأمريكي في البصرة(1). كان إنقلابهم، بتقديري، تكتيكياً يهدف إلى امتطاء القاعدة لأهداف سياسية بحتة. لا أستبعد دخول الأمريكيين على خط المسيرة الطويلة عند نقطة التحول هذه، وهم يراقبون سرياً جميع نشاطات نزلاء السجن. أي عند هذه النقطة جرى وضع مخطط سياسي يرمي الى استعادة السلطة الى البعثيين ولكن بحراك تكتيكي مذهبي كاسلوب تحشيدي لا يدانيه في القوة اسلوب آخر نظراً للحقد منقطع النظير الذي يدخره أولئك الضباط البعثيون في سجن بوكا للشيعة خاصة بعد إطاحة نظامهم الطغموي(2) وإجتثاثه من الجذور. بناءً على هذه المعطيات جاء تصريح الأخضر الإبراهيمي، ممثل الأمين العام للأمم المتحدة وممثل أمين عام الجامعة العربية لمتابعة القضية السورية، إذ قال: واهم من يعتقد أن داعش تريد الحكم في سوريا؛ إنها تريد العراق.

أعتقد أن الأمريكان أدركوا بعد فترة وجيزة من احتلال العراق أن العراقيين هم ذاتهم عراقيو انتفاضة ربيع عام 1991 العارمة التي ارعبت الحكام العرب فهرعوا مهرولين الى الرئيس بوش الأب لثنيه عن السماح للجماهير بإطاحة النظام. لذا إقتنع الأمريكيون بأن مصالحهم ستجد حماية مأمونة لدى حزب البعث بجلباب آخر وإسم آخر وبمسحة من ديمقراطية مشوهة؛ أي بالعودة الى الصيغة المعهودة بين الامبريالي وصنيعته وهي صيغة تبادل المصالح غير المشروعة على حساب الشعب العراقي وببرقع ديمقراطي هذه المرة.    

"كان السجن بمثابة أكاديمية لتدريس الشؤون الدينية الجهادية، تحت أنظار الأمريكيين، ليتخرج منها حتى البسطاء وواحدهم كتلة نارية وقنبلة موقوتة" على حد تعبير أبو عمر وهو قيادي سابق في داعش في مقابلة له مع فضائية "الميادين".

وتمخضت العملية عن ولادة "الدولة الاسلامية في العراق والشام" المعروفة بـ "داعش" إختصاراً وإبعاداً لاسمها عن إسم الإسلام لأنه جلب العار للإسلام الحقيقي. كان من بين نزلاء السجن ابراهيم عواد السامرائي الملقب بأبي دعاء المتخصص بتجويد القرآن وبعلوم الدين بدرجة دكتوراه وأصبح فيما بعد زعيم داعش وأعلن نفسه خليفة المسلمين وأسمى نفسه أبا بكر البغدادي.

لقد حدثونا كثيراً عن براعة داعش الاعلامية واسلوبها في جمع الأموال (وهو أبسط أمر لوجوده بوفرة في خزائن الرياض والدوحة) وعن تهريبها النفط والآثار وغير ذلك من الامور الثانوية ولكنهم لم يتحدثوا عن نشأة داعش وتسليحها وبالذات عن شروط وأسلوب التعاقد معها وعن الجهات التي تسوّق لها النفط والغاز وعن الجهات التي "تبيع" لها السلاح المتطور وكيف يصل إليها.

لم يحدثونا عن كل هذه الأمور وأكثر لأنها تضع الجماهير على بداية الطريق الذي يقود الى معرفة حقيقة داعش وأخواتها ويزيل عن أعين الجماهير الغشاوة التي وضعها من يقف وراء داعش وأخواتها على أعينهم حتى تولد الإنطباع اللاشعوري بأنها هابطة من السماء، تماماً مثلما حاولوا أن يفعلوا مع العراقيين بشأن أصحاب المفخخات والكواتم إذ أرادوا تصويرهم وكأنهم ينزلون من السماء يقتلون ويعودون، ولكن الجماهير البسيطة العراقية لم تنطلِ عليها الحيل لنباهتها.   

أوكلت أمريكا مهمة تجسيد الاتفاق والأفكار وتحويلهما الى واقع عملي الى كل من حكومات تركيا والسعودية وقطر وعملائهم في الداخل العراقي والسوري على أن ينفذوا الاتفاق تحت سقف الاستراتيجية الامريكية. وتظاهرت أمريكا بالانسحاب من منطقة الشرق الأوسط والاتجاه نحو شرق آسيا بحجة تركّز كتلة مالية ضخمة هناك. أعتقد أن ذلك كان حيلة لإبعاد الانظار المباشرة عن أمريكا وإبعادها عن تحمّل المسؤولية المباشرة عما سيلي من أحداث مدمرة وقذرة للغاية على يد داعش وأخواتها في كل من سوريا ثم العراق والتوسع الى كافة انحاء العالمين العربي والاسلامي بدءاً بليبيا واليمن والتحول الى مصر والجزائر. و قد يخفي ذلك مشروعاً مبيتاً يؤول الى رسم خارطة جديدة للمنطقة على غرار معاهدة سايكس بيكو مسبوقةً، هذه المرة، بإحداث أكبر قدر ممكن من الدمار في البنى التحتية المادية والبشرية في المجتمعات العربية لإعادتها الى العصور المظلمة للتخلص من شرور معارضتها للمشروع الامبريالي الصهيوني العالمي والانتفاع من اعادة بنائها واستنزاف مواردها وذلك في معالجة جزئية للازمة العامة للرأسمالية العالمية المتوحشة حسب وصف بابا الفاتيكان لها.

كان سيتم هذا لو نجحت داعش في الاستيلاء على كل العراق حسب المخطط، ولو نجحت تمثيلية "القضاء" عليها و"تحرير" العراق منها لاحقاً على يد الطغمويين بقيادة البعث المتنكر بعد أن تكون داعش قد أنجزت مهمتها وحلقت ذقنها وبدلت زيها.

تم تجميع عناصر تنظيم داعش وتمويله وتنظيمه وتسليحه وتدريبه في سوريا وتم تسريب بعض عناصره الى العراق بمجاميع صغيرة متتابعة أولاً تحت جناح الارباك والتشويش والصخب الذي أحدثته، بإفتعال وتخطيط،  تظاهرات ساحات الاعتصام وذلك إستعداداً لضخ الداعشيين بالجملة في اليوم الموعود، أي يوم "النضوج"، الى العراق وفي الوقت المناسب على أمل استلام الحكم هناك، وبذلك يلتقي المحوران وينتجان ما خططوا له.

فشل مخطط استيلاء داعش على العراق إلا جزئياً ونشأ موقف محرج لكل من أمريكا وتركيا والسعودية وقطر والطغمويين ولداعش خاصة بعد تقاطر جماهير الشعب العراقي على مراكز التطوع استجابة لدعوة مرجعية السيد علي السيستاني في النجف كافة العراقيين الى الجهاد الكفائي لمقاتلة داعش وتطهير العراق منها.

بدلت أمريكا تكتيكها بعد الفشل الاول ولم تبدل هدفها الاستراتيجي ولو بالاحتفاظ بجزء منه. وهكذا "عادت" أمريكا الى المنطقة ثانية والى العراق عن طريق الشباك لـ"تنقذهما" من إرهاب داعش وتهيمن على الاوضاع في العراق سوريا وباقي المنطقة تحت غطاء محاربة داعش. الصراع المستتر مع حكومة التحالف الوطني التي يقودها الدكتور حيدر العبادي، مستمر ومن مظاهرها محاولات أمريكا و"حلفائها" ديمومة وتشديد الفتنة الطائفية والعنصرية وربط هذه المحاولات بخطط تطهير العراق من داعش، ومحاولة إستجلاب قوات برية من الخليج والأردن وتركيا. وبدأت الممهدات لهذه المحاولة فإفتتحها الدكتور أياد علاوي الذي طالب بتدخل قوات درع الجزيرة. وأصبح استدعاء قوات أجنبية لازمة في مواويل الطغمويين بمناسبة وغير مناسبة ولكنها اصطدمت كلها بارادة الشعب العراقي وممثلها على الارض أي الحشد الشعبي فرفض الدكتور العبادي أي تدخل خارجي ما استدعى تدخل الامير السعودي سعود الفيصل وزير الخارجية فطالب التحالف الدولي بمواجهة داعش على الارض أي لسان حاله يقول: تدخلي يا أمريكا في العراق وأحدثي الانقلاب وأريحينا!!!

ستتناول الحلقة الرابعة "خطأ الطغمويين".

محرر الموقع : 2015 - 03 - 28