بــارك ممثل المرجعية العليا السيد مرتضى الكشميري للعالم الإسلامي بحلول يوم عرفة ، قائلا،ان يوم عرفة يجعلنا ندرك ان هذا اليوم ليس لحظة في الزمن بل هو منهج حياة ومدرسة توحيدية متكاملة تجعل من الانسان عبدا لله في كل لحظاته

يصادف يوم الجمعة يوم عرفة هو التاسع من شهر ذي الحجة الحرام ويعد من اعظم أيام السنة في الإسلام وقد اكتسب هذا اليوم مكانته الكبرى بسبب اقترانه باهم اركان الحج وهو الوقوف بعرفة الذي قال فيه رسول الله (ص) (الحج عرفة) أي من لم يدك الوقوف في هذا اليوم فقد فاته الحج .
ولا يقتصر فضل هذا اليوم على الحجاج بل يمتد ليشمل عموم المسلمين حيث يستحب الصيام فيه لغير الحاج والدعاء والاعتكاف الروحي ويعد من افضل أيام السنة في قبول التوبة واستجابة الدعاء.
ان هذا اليوم يحمل رمزية كبرى في الفكر الإسلامي فهو اليوم الذي يجتمع فيه الناس على صعيد واحد لا فرق بين فقير وغني وسيد وعبد ، فكلهم في حالة انكسار.
وهذا المشهد العظيم يعيد الى الاذهان مشهد يوم القيامة حيث يجتمع اليه الناس، مما يمنح اليوم بعدا اخرويا ووجوديا عميقا، وقد ورد عن الامام الباقر (ع) (ما من يوم افضل من يوم عرفة ينزل الله فيه ملائكة الى السماء الدنيا فيباهي بهم اهل الأرض) وهذا اليوم هو يوم المعرفة والتوحيد، يوم يعلو فيه نداء العبودية وتتجلى فيه حقيقة لا اله الا الله باقوى مظاهرها.
فعلى المسلمين ان يتوجهوا في هذا اليوم بكل مشاعرهم واحاسيسهم الى الواحد القيوم بالدعاء ليكشف ما بهم من كروب ومحن وابتلاءات تحوطهم احاطة السوار في المعصم، وقد ورد في كتب الادعية اعمال عديدة في هذا اليوم المبارك زفي مقدمتها زيارة الامام الحسين (ع) وقراءة دعاء يوم عرفه ففيه من العضات والعبر ما لا يوجد في غيره من الادعية.
ولعل سائلا يسال ما هي الدروس المستفادة من يوم عرفة فنقول:

1- تجديد العلاقة بالله
الدعاء والتوبة والاذكار في يوم عرفة يربط الانسان مجددا بالله عز وجل يعيد له وعيه الروحي ويجعل العبد يستشعر حاجته المطلقة لربه في كل حين، فالدعاء فيه ليس تلاوة جامدة بل لقاء حي بين العبد وربه فيه بكاء وخشوع وخضوع وتضرع.
2- ان الدعاء في الوقوف في عرفة يذيب الفوارق بين الناس فيتساوى الجميع امام خالقهم في مشهد يذكرهم بيوم المحشر بما يعزز قيم التواضع والمواساة والإخلاص.
3- التربية على التوحيد
الدعاء في هذا اليوم كما جاء في دعاء الحسين (ع) في يوم عرفة هو مدرسة في التوحيد الخالص حيث يربى المؤمن على ان لا يرى الا الله في كل شيء، وان لا يتوجه بقلبه الى غيره، وان يفهم ان كل ما به من نعم فهو من فيض الله لا من نفسه ولا من غيره.
4- ادراك عظمة التوبة
فان اهم ما يستفاد من يوم عرفة ان التوبة ممكنة في أي وقت، وان أبواب التوبة مفتوحة، وان الله يحب التوابين ويغفر الذنوب جميعا، وفي ادعية اهل البيت (ع) في هذا اليوم نجد الاقرار بالذنب وطلب المغفرة والتوسل برحمة الله التي وسعت كل شيء.
5- الدعاء بلغة اهل الله يعلمنا هذا اليوم كيف ندعو، فليس كل كلام يرفع الى الله يعد دعاء مقبولا، فان الادعية المذكورة عن اهل البيت (ع) تعلمنا الدعاء الى الله والتضرع والافتقار، وهذه اللغة الخاصة بالدعاء هي مفتاح القرب الى الله.
وخلاصة الامر ان يوم عرفة يوم التوبة والمعرفة والدعاء ، يوم الانسلاخ من الدنيا والتوجه الى المبدء الأعلى ، يوم يربي النفس ويهذب الروح ويحي القلب ، حيث لا تقتصر عظمته على مناسك الحج بل هو يوم الهي مفتوح لكل من أراد القرب من الله مهما كان مكانه.
ان التامل في ادعيته ومعانيه العرفانية تجعلنا ندرك ان هذ اليوم ليس في لحظة الزمن بل هو منهج ومدرسة توحيد مكتملة تجعل من الانسان عبدا مخلصا في كل لحظاته فلنغتنم أيها المؤمنون هذا اليوم لنجعل منه انطلاقة حقيقة نحو الله بالتوبة والدعاء والعمل والبكاء على ما مضى وعلى ما هو ات.
((قل يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم))
نسال من المولى سبحانه وتعالى ان يوفقنا لاحياء هذا اليوم بمحمد وال محمد