اخر الاخبار

قراءة تحليلية في مشهد إعادة إنتاج النظام العالمي نحو شرق أوسط تحت الطاولة الأمريكية / محمد الناصري

قراءة تحليلية في مشهد إعادة إنتاج النظام العالمي

نحو شرق أوسط تحت الطاولة الأمريكية

الكاتب :محمد الناصري

مع تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، وانكشاف أوجه جديدة من الاستقطاب الإقليمي والدولي، يبدو أن العالم لم يعد محكوماً بثنائية القطبين أو بتوازنات الحرب الباردة. إنّ ما يجري اليوم من عمليات ممنهجة لإعادة تعريف القوى والنفوذ، يكشف عن محاولة لصياغة نظام عالمي جديد، لا يقوم على مشاركة القوى، بل على هيمنة متفردة تُدار من العواصم الغربية، وتنفّذها أذرع إقليمية – في طليعتها الكيان المحتل لفلسطين.
*الكيان المحتل: رأس الحربة في الهيمنة*
لطالما عملت الولايات المتحدة على جعل الكيان المحتل رأس حربة لمشروعها الاستراتيجي في المنطقة، ليس فقط لضرب الخصوم، بل أيضاً لضبط موازين القوى الإقليمية. إنّ تمكين الكيان من اختراق الأجواء، وتنفيذ ضربات مباشرة، واستخدام أدوات الحرب النفسية، يأتي في إطار هندسة شرق أوسط خاضع، يكون فيه الجميع تحت الطاولة الأمريكية.
التحركات العسكرية الأخيرة، خصوصًا في ظل صمت بعض الدول الإقليمية، تؤكد أن المشروع الجديد لا يسعى إلى تقسيم النفوذ بقدر ما يستهدف إلغاء مراكز القوة المقاومة، وإحلال ما يشبه “نظام الطاعة”، الذي يُفرض بالقوة الناعمة حينا، وبالضربات الجوية حيناً آخر.
* لماذا إيران؟*
تأتي إيران في قلب هذا المشهد، لا لأنها صاحبة مشروع توسعي كما يزعم خصومها، بل لأنها ببساطة آخر دولة مستقلة ترفض الانصياع الكامل. تمتلك الجمهورية الإسلامية بنية تحتية للصبر الاستراتيجي، وتحمل عقيدة استقلالية تهدد منطق “الشرق الأوسط الخاضع”، وهي بذلك تشكل عقبة حقيقية في وجه النظام العالمي الجديد.
* بين أبناء الأرض والمستوطنين*
في مشهد موازٍ، أظهرت الأيام الأخيرة مفارقة صادمة: ففي الوقت الذي صمد فيه الإيرانيون في قلب طهران، وتكيّفوا مع أجواء الخطر، كان المستوطنون في الكيان المحتل يفرّون من مدنهم بمجرد سماع صفارات الإنذار. هذه المفارقة لا تعبّر فقط عن الفارق في البنية الأمنية، بل عن الفرق الوجودي بين من ينتمي لأرضه ومن جاء محتلًا مهاجرًا. فالإيراني ابن الأرض، والمستوطن عابر لا جذور له.
*الضربة الأمريكية الأخيرة: تهدئة أم إدارة للتصعيد؟*
وسط تصاعد التصريحات والردود، جاءت الضربة الأمريكية التي استهدفت مواقع في إيران مساء الجمعة، كحلقة إضافية في سلسلة ضبط الإيقاع وليس إنهاء الحرب. فواشنطن، التي تعلم أن الصراع خرج من نطاق السيطرة الإعلامية والدبلوماسية، تحاول أن تضع حدودًا لاشتعال الحرب، دون أن تمنع استمرارها.
يرى مراقبون أن الضربة تهدف إلى:
كبح جماح الرد الإيراني الواسع النطاق.
امتصاص الغضب الإسرائيلي من تباطؤ أمريكي في الدعم العسكري المباشر.
تثبيت دور واشنطن كمخرج آمن لأي تسوية، وهي الورقة التي لا تريد التفريط بها.
وبالتالي فإن الحديث عن أن هذه الضربة ستنهي الحرب ليس دقيقاً، بل إنّها محاولة لتطويع مسار الحرب لخدمة الأهداف السياسية الأمريكية.
*المرجعية تتابع.. والمشهد مفتوح على مفاجآت*
بيان المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف الأخير، وهو الثاني منذ اندلاع العدوان، يكشف عن حساسية المتابعة الدقيقة لما يجري في المنطقة، ويؤكد في الوقت ذاته أنّ المرجعية لا تزال تملك القدرة على التأثير الأخلاقي والسياسي. هذا البيان، بتحذيره من استهداف القيادات الدينية والسياسية، وبدعوته إلى وقف الحرب وإيجاد حل سلمي للملف النووي الإيراني، يشير إلى إدراكٍ عميق لخطر زعزعة التوازن الإقليمي.
*زاوية إضافية: تهديدات أمنية في الأفق*
في ظل هذا المناخ المضطرب، وردت معلومات استخبارية تفيد بوجود استعدادات لما يقرب من أربعين ألف مقاتل من جنسيات مختلفة في سوريا، بهدف شنّ عمليات على العراق في حال تدخّلت فصائل عراقية لنصرة إيران. إنّ هذه المعطيات – وإن لم تؤكد رسمياً – تدعم تحذير المرجعية من أنّ الحرب قد تمتد بشكل مدمّر، مما يزيد من مسؤولية الجميع، خاصة الجهات الإقليمية، في احتواء الكارثة.
* خاتمة: العالم يعاد تشكيله… فمن يكتب التاريخ القادم؟*
الصراع الدائر الآن لا يدور فقط حول النووي الإيراني أو أمن الكيان المحتل، بل هو صراع على شكل النظام العالمي القادم:
هل سيكون نظامًا يقوم على الهيمنة والامتثال؟
أم أنّ شعوب المنطقة قادرة على صياغة مسارها الخاص وفرض معادلاتها؟
الشرق الأوسط اليوم على طاولة الحسم، والنتائج التي تُكتب الآن قد تحدد مستقبل العالم لعقود قادمة.