اخر الاخبار

آيات قرآنية في كتاب العباس عليه السلام للسيد المقرم (ح 2)‎

د. فاضل حسن شريف

جاء في کتاب العبّاس عليه السلام للسيد عبد الرزاق المقرّم: خير الخلق: ” عن أصبغ بن نباته الحنظلي، قال: رأيت أمير المؤمنين عليه السلام يوم افتتح البصرة، وركب بغلة رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم، ثُمّ قال:  أيّها الناس ألا أخبركم بخير الخلق يوم يجمعهم اللّه”؟ فقام إليه أبو أيوب الأنصاري فقال: بلى يا أمير المؤمنين حدّثنا، فإنّك كنت تشهد ونغيب. فقال: ” إنّ خير الخلق يوم يجمعهم اللّه تعالّى سبعة من ولد عبد المطلب، لا ينكر فضلهم إلاّ كافر، ولا يجحد به إلاّ جاحد “. فقام عمّار بن ياسر رحمه الله فقال: يا أمير المؤمنين، سمّهم لنا لنعرفهم. فقال: “خير الخلق يوم يجمعهم اللّه الرُسّل، وإنّ أفضل الرسل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، وإنّ أفضل كُلّ أُمة بعد نبيّها وصيّ نبيّها حتّى يدركه نبي، ألا وإنّ أفضل الأولياء وصيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، ألاّ وإنّ أفضل الخلق بعد الرسل الشهداء، ألاّ وإنّ أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب وجعفر ابن أبي طالب، له جناحان يطير بهما في الجنّة، لم ينحل أحد من هذه الأُمّة جناحان غيره. شيء أكرم اللّه به محمّداً صلى الله عليه وآله وسلموشرّفه، والسبطان الحسن والحسين والمهدي عليهم السلام، يجعله اللّه من شاء منّا أهل البيت “. ثُمّ تلا هذه الآية: “وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيماً” (النساء 69-70).

وعن جمع الخلائق يوم القيامة يقول السيد عبد الرزاق المقرم: قال أبو عبد اللّه الصادق عليه السلام: ” إذا كان يوم القيامة وجمع اللّه ـ تبارك وتعالّى ـ الخلائق كان نوح صلّى اللّه عليه أوّل من يدعى به فيقال له: هل بلّغت؟ فيقول: نعم. فيقال له: من يشهد لك؟ فيقول: محمّد بن عبد اللّه صلى الله عليه وآله وسلم. قال: فيخرج نوح صلّى اللّه عليه ويتخطّى الناس حتّى يأتي إلى محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، وهو على كثيّب المسّك، ومعه عليعليه السلام، وهو قول اللّه عزّ وجلّ: “فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا” (الملك 27)، فيقول نوح لمحمّد صلى الله عليه وآله وسلم: يا محمّد إنّ اللّه ـ تبارك وتعالّى ـ سألني هل بلغت؟ فقلت: نعم، فقال: من يشهد لك؟ قلت: محمّد! فيقول: يا جعفر، يا حمزة اذهبا واشهدا أنّه قد بلّغ. فقال أبو عبد اللّهعليه السلام فحمزة وجعفر هما الشاهدان للأنبياء عليهم السلام بما بلّغوا”. قال الراوي: جعلت فداك فعلي عليه السلام أين هو؟ فقال: هو “أعظم منزلة من ذلك”.

وعن عقيل بن أبي طالب يقول السيد المقرم في كتابه: قالوا في الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام: “ما زلت مظلوماً منذ ولدتني أُمي، حتّى إن كان عقيل ليصيبه رمد فيقول: لا تذروني حتّى تذروا علياً، فيذروني وما بي رمد”. لا أقرأ هذا الحديث إلاّ ويأخذني العجب، كيف رضي المفتعل بهذه الفريّة البيّنة! فإنّ أمير المؤمنين ولد ولعقيل عشرون سنة، وهل يعتقد أحد أو يظنّ أنّ إنساناً له من العمر ذلك المقدار، إذا اقتضى صلاحه شرب الدواء، يمتنع منه إلاّ إذا شرب مثله أخوه البالغ سنة واحدة أو سنتين؟ كلاّ لا يفعله أي أحد وإن بلغ الغاية في الخسّة والضعف، فكيف بمثل عقيل المتربّي بحجر أبي طالب والمرتضع درّ المعرفة! خصوصاً مع ما يشاهد من الآيات الباهرة من أخيه الإمام منذ ولادته. نعم، الضغائن والأحقاد حبّذت لمن تخلّق بها التردّد في العمي والخبط في الضلال من دون رويّة أو تفكير “اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ” (المجادلة 19). نعم، كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول غير مرّة: ” ما زلت مظلوماً ” من دون تلك الزيادة، يعني بذلك دفعه عن حقّه الواجب على الأُمّة القيام به والميل عنه، وتعطيل أحكام اللّه بالأخذ من غيره، وتقديم من ليس له قدم ثابت في كُلّ مكرمة، ولا نصّ من صاحب الشريعة، ولا فقه ناجع ولا إقدام في الحروب.

وعن جعفر بن أبي طالب يقول السيد عبد الرزاق المقرم: وأما جعفر بن أبي طالب، فحسبه من العظمة شهادة الرسول الأقدس بأنّه يشبهه خلقاً وخلقاً، ذلك الخلق الكريم الموصوف في الذكر الحكيم بقوله عز شأنه: “وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُق عَظِيم” (القلم 4). وحيث لم ينصّ النّبي صلى الله عليه وآله وسلم على صفة خاصة من أخلاقه، فلا جرم من شمول تلك الكلمة الذهبية: ” أشبهت خَلقي وخُلقي ” لجميع ما اتصف به الرسول حتّى الدنس من الرِّجس والآثام. ولو تنازلنا عن القول بعموم التشبيه لهذه الخاصة فلا بدّ من القول بتحقّق أظهر صفات المشبّه به للمشبه، ولا شكّ في أنّ ذلك المعنى أظهر ما في خلقه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم. وغير خاف أنّ هذه الكلمة قالها النّبي لما تنازع عنده أمير المؤمنين وجعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة في ابنة حمزة بن عبد المطلب، وكان كُلّ منهم يريد القيام بتربيتها. وذلك أن النّبي صلى الله عليه وآله وسلم لما خرج من مكة بعد انقضاء الأجل بينه وبين أهل مكة في عمرة القضاء الواقعة في السنة السابعة للهجرة، تبعته ابنة حمزة تقول: يا عم خذني معك، فأخذها أمير المؤمنين ودفعها إلى فاطمة عليها السلام، وفي المدينة جرى ذلك النزاع بينهم، فقال رسول اللّه لزيد: “أنت أخوها ومولانا”، وقال لجعفر: “أشبهت خَلقي وخُلقي”، وقال لأمير المؤمنين: “أنت منّي وأنا منّك”، ثُمّ قضى بها للخالة وهي أسماء بنت عميس. هذا هو الحديث المذكور في الجوامع، والنظرة الصادقة فيه تفيدنا معرفة السرّ في اختلاف خطاب النّبي مع ابني عمّه، وكُلّ منهما نصح له في التلبية على الدعوى الإِلهية، وأخلص في المفاداة في سبيل تبليغ الرسالة خصوصاً مع معرفته بأساليب المحاورة ; لأنّه سيّد البلغاء “وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى” (النجم 3)، فلا جرم حينئذ من كون الوجه فيه هو الإشارة إلى صفة سامية تحلّى بها أمير المؤمنين وتخلّى عنها جعفر، وليست هي إلاّ خلافة اللّه الكبرى، فإنّ علياًعليه السلام حامل ما عند رسول اللّه الأعظم من علم متدفّق، وفقه ناجع، وخبرة شاملة، وتأمّل فيّاض، وخلق عظيم لا يستطيع البشر القيام به.