اخر الاخبار

توجيه للوعاظ في القرآن الكريم (ليس عليك هداهم) (ح 1)‎

د. فاضل حسن شريف

إذا كان الله سبحانه وتعالى يوجه نبيه صلى الله عليه وآله وسلم عند تبليغ الناس ووعظهم بأن عليه التبليغ والوعظ فمن اهتدى فلنفسه ومن يضل فالله جل جلاله حسبه، والله تعالى هو الذي يهدي من يشاء. فمن باب أولى أن يتخذ الوعاظ هذه الحكمة القرآنية بأن يعظوا الناس ويتركوا الهداية لله عز وجل. جاء في تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله تعالى “لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ” ﴿البقرة 272﴾ “ليس عليك هداهم” قيل في وجه اتصاله بما قبله وجوه (أحدها) أن معناه ليس عليك هداهم بمنع الصدقة عنهم لتحملهم به على الإيمان وهو نظير قوله “أ فأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين” عن ابن عباس وسعيد بن جبير وعلى هذا شئت فيكون للتعميم والأول أولى ومما جاء في الحديث في صدقة السر قوله صدقة السر يكون معناه الإباحة للتصدق عليهم بصدقة التطوع (وثانيها) أن معناه ليس عليك هداهم بالحمل على النفقة في وجوه البر وسبل الخير عن الحسن وأبي علي الجبائي وتقديره ليس عليك أن تهدي الناس إلى نيل الثواب والجنة وإنما عليك أن تهديهم إلى الإيمان بأن تدلهم عليه وهذا تسلية للنبي لأنه كان يغتم بترك قبولهم منه وامتناعهم عن الإيمان لعلمه بما يؤول إليه أمرهم من العقاب الدائم فسلاه الله تعالى بهذا القول (وثالثها) أن المراد ليس عليك أن تهدي الناس بعد أن دعوتهم وأنذرتهم وبلغتهم ما أمرت بتبليغه ونظيره إن عليك إلا البلاغ وليس المعنى ليس عليك أن تهديهم إلى الإيمان والطاعة لأنه ما بعث إلا لذلك. “ولكن الله يهدي من يشاء” إنما علق الهداية بالمشيئة لمن كان المعلوم منه أنه يصلح باللطف أي بلطف الله بزيادة الهدى والتوفيق لمن يشاء عن الزجاج وأبي القاسم البلخي وأكثر أهل العلم وقيل معناه يهدي إلى طريق الجنة عن الجبائي. “وما تنفقوا من خير فلأنفسكم” أي ما تنفقوا في وجوه البر من مال فلأنفسكم ثوابه والغرض فيه الترغيب في الإنفاق لأن الإنسان إذا علم أن منفعة إنفاقه عائدة إليه مختصة به كان أسمح بالإنفاق وأرغب فيه وأحرص عليه وبذلك يفارق عطية الله لأن المنفعة في عطائه عائدة إلى المعطي ومختصة به دون الله ومعظم المنفعة في عطية العبد ترجع إليه وتختص به دون المعطى “وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله” أي إلا طلب رضوان الله وهذا إخبار من الله عن صفة إنفاق المؤمنين المخلصين المستجيبين لله ولرسوله أنهم لا ينفقون ما ينفقونه إلا طلبا لرضاء الله تعالى وقيل أن معناه النهي وإن كان ظاهره الخبر أي ولا تنفقوا إلا ابتغاء مرضاة الله وفي ذكر الوجه هنا قولان (أحدهما) أن المراد به تحقيق الإضافة لأن ذكر الوجه يرفع الإبهام أنه له ولغيره وذلك أنك لما ذكرت الوجه ومعناه النفس دل على أنك تصرف الوهم عن الاشتراك إلى تحقيق الاختصاص وكنت بذلك محققا للإضافة ومزيلا لإيهام الشركة.  (والثاني) أنك إذا قلت فعلته لوجه زيد كان أشرف في الذكر من فعلته له لأن وجه الشيء في الأصل أشرف ما فيه ثم كثر حتى صار يدل على شرف الذكر من غير تحقيق وجه أ لا ترى أنك تقول وجه الرأي ووجه الأمر ووجه الدليل فلا تريد تحقيق الوجه وإنما تريد أشرف ما فيه من جهة شدة ظهوره وحسن بيانه.  “وما تنفقوا من خير يوف إليكم” أي يوفر عليكم جزاؤه وثوابه والتوفية إكمال الشيء وإنما حسن إليكم مع التوفية لأنها تضمنت معنى التأدية وقيل معناه تعطون جزاءه وافرا وافيا في الآخرة عن ابن عباس “وأنتم لا تظلمون” بمنع ثوابه ولا بنقصان جزائه كقوله آتت أكلها ولم تظلم منه شيئا أي لم تنقص.

عن تفسير الميسر: قوله تعالى “لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ” ﴿البقرة 272﴾ ليس فعل، عَلَيْكَ: عَلَيْ حرف جر، كَ ضمير، هُدَاهُمْ: هُدَى اسم، هُمْ ضمير، وَمَا: وَ حرف استئنافية، مَا حرف شرط، تُنفِقُوا: تُنفِقُ فعل وا، ضمير، من حرف جر، خير اسم. لست أيها الرسول مسئولا عن توفيق الكافرين للهداية، ولكن الله يشرح صدور مَن يشاء لدينه، ويوفقه له. وما تبذلوا من مال يَعُدْ عليكم نَفْعُه من الله، والمؤمنون لا ينفقون إلا طلبًا لمرضاة الله. وما تنفقوا من مال مخلصين لله توفوا ثوابه، ولا تُنْقَصُوا شيئا من ذلك. وفي الآية إثبات صفة الوجه لله تعالى على ما يليق به سبحانه.

وعن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله تعالى “لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ” ﴿البقرة 272﴾ “لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ ولكِنَّ اللَّهً يَهْدِي مَنْ يَشاءُ”. سبق في الآية 26 من هذه السورة ان الهدى يطلق على معان: منها الهدى بالبيان والإرشاد، وهذا وظيفة النبي، ومنها التوفيق من اللَّه إلى عمل الخير بتمهيد السبيل إليه، ومنها الاهتداء، أي تقبّل النصيحة والعمل بها، وهذا يسند إلى العبد، ومنها الثواب، ومنها الحكم على العبد بالهداية. ومعنى الهدى في قوله تعالى: “لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ” الاهتداء وقبول النصح أي ليس عليك أن يعملوا بالحق، وانما عليك إبلاغ الحق، وكفى: “فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ” (الرعد 40). ومعنى الهدى في قوله: “ولكِنَّ اللَّهً يَهْدِي مَنْ يَشاءُ” التوفيق إلى طريق الخير. وقيل في سبب نزول قوله: “لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ”: ان المسلمين كانوا لا يتصدقون إلا على أهل دينهم، فخاطب اللَّه نبيه بهذه الآية، وأراد بها جميع المسلمين مبينا لهم ان الكافر لا يعاقب على كفره في هذه الحياة بمنع الرزق عنه، والتضييق عليه كي يضطر إلى الايمان. وليس لأحد أن يعامله بذلك، حتى ولوكان رسولا من عند اللَّه: ” أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ” (يونس 99). وتدل الآية ان الصدقة على غير المسلم جائزة، فرضا كانت أو ندبا، ولكن قول النبي صلى الله عليه واله: (أمرت ان آخذ الصدقة من أغنيائكم، وأردها على فقرائكم). إن هذا الحديث يخصص الآية بصدقة الندب، دون الفرض. “وما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ”. ربما توهم متوهم ان في الإنفاق خسارة له، وحرمانا لأهله وعياله، فدفع اللَّه هذا الوهم بأنه يعود على المنفق بالخير والنفع دنيا وآخرة، أما في الآخرة فالأجر والثواب، وأما في الدنيا فقال الشيخ محمد عبده: (ان الإنفاق يكف شر الفقراء عن الأغنياء، لأن الفقراء إذا ضاق بهم الأمر يندفعون على أهل الثروة بالسرقة والإيذاء والنهب، ثم يسري شرهم إلى غيرهم، وربما صار فسادا عاما يذهب بالأمن والراحة). ولا أدري هل استوحى الشيخ محمد عبده قوله هذا من النقابات العمالية التي خلقت المعضلات والمشكلات لأرباب العمل، وأرغمتهم على الاعتراف بالكثير من حقوق العمال؟. “وما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ”. أي ما دمتم تقصدون بالنفقة وجه اللَّه الكريم فهو يقبلها منكم، سواء أعطيتموها لمسلم أو غير مسلم، شريطة أن تكون من المال الجيد دون الرديء، وان لا تكون مع المن والأذى. وقيل: ان هذا نهي بصيغة الإخبار، أي لا تنفقوا إلا ابتغاء وجه اللَّه. “وما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ”. حتى ولوكان الإنفاق على غير المسلم، فإنكم لا تنقصون من الجزاء شيئا إذا كان الذي أنفقتم عليه محتاجا.

جاء في موقع الشيعة عن الهداية والإضلال 2: الهداية الإلهية الخاصة: إنّ الهداية الإلهية الخاصة عبارة عن التوفيق والمعونة والتسديد الإلهي للعباد ومنحهم المزيد من الثبات في طريق الحقّ.مستحقي الهداية الإلهية الخاصة:إنّ الهداية الإلهية الخاصة تكون وفق مشيئته تعالى، وإنّ اللّه تعالى يهدي من يشاء بهدايته الخاصة.ولهذا ورد في القرآن الكريم:1 ـ “ذلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ” (الزمر 23) 2 ـ “إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ” (القصص 56) 3 ـ “وَاللّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ” (البقرة 213) ولكن لا يخفى بأنّ اللّه تعالى حكيم، وهو لا يشاء جُزافاً أو عبثاً، وإنّما تكون مشيئته وفق حكمته وعدله، وقد بيّن اللّه عزّ وجلّ في القرآن الكريم موازين مشيئته تعالى في هداية العباد بهدايته الخاصة.موازين المشيئة الإلهية في هداية عباده بالهداية الخاصة:أوّلاً ـ الإيمان باللّه والعمل الصالح (الانتفاع من الهداية التكوينية كالعقل والفطرة واتّباع الهداية التشريعية)، ولهذا قال تعالى:1 ـ “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ” (يونس: 9) 2 ـ “إِنَّ اللّهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراط مُسْتَقِيم” (الحجّ 54) 3 ـ “وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ” (التغابن: 11) 4 ـ “وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً” (محمّد 17) 5- “إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً  وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ” (الكهف 13 ـ 14) 6 ـ “فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى” (طه 123)7- “قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ” (المائدة 15ـ16)ثانياً ـ المجاهدة في سبيل اللّهقال تعالى: “وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا” (العنكبوت 69) أي: إنّ الذين يجاهدون أهواءهم النفسية في سبيل اللّه تعالى، ويقفون بصلابة أمام التيارات المعاكسة للحق، فإنّ اللّه تعالى وعدهم بالهداية الخاصة.ثالثا ـ الإنابة قال تعالى: “وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ” (الرعد 27) وقال تعالى: “وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ” (الشورى 13) أي: إنّ من ينيب إلى اللّه تعالى ويرجع إليه ويُقبل عليه، فإنّ اللّه تعالى يهديه بهدايته الخاصة، فعلّق اللّه تعالى الهداية على من اتّصف بالإنابة والتوجّه إليه سبحانه وتعالى.النتيجة: تكون الهداية الإلهية الخاصة فقط للذين يجاهدون ليستضيئوا بنور الهداية التكوينية والتشريعية العامة، فهؤلاء هم المستحقون لهذه الهداية، وهم الذين تشملهم العناية الربانية، فتعينهم في سيرهم على جادة الصواب، وتسدّد خطاهم في اتّباعهم للحق، وتثبّت أقدامهم على الصراط المستقيم.