د. فاضل حسن شريف
نهى الله جل جلاله عن ايذاء المؤمن، واعلى درجات الايذاء هو التعذيب، فالذي يعذب سيأثم اثما عظيما قال الله جلت قدرته”وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا” (الاحزاب 58) فالبهتان قرين الاثم المبين والعظيم “وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا” ﴿النساء 112﴾. روى ابن سنان قال: (كان رجل عند ابي عبد الله عليه السلام فقرأ هذه الآية “وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا” (الاحزاب 58)، قال ابو عبد الله عليه السلام: فما ثواب من ادخل عليه السرور؟ فقلت: جعلت فداك عشر حسنات، قال: أي والله، والف ألف حسنة).
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى “وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا” (الاحزاب 58) لأنّ للمؤمن علاقة بالله ورسوله عن طريق الإيمان، ولهذا جعل في مرتبة الله ورسوله هنا. وتعبير (بغير ما اكتسبوا) إشارة إلى أنّ هؤلاء لم يرتكبوا ذنباً حتّى يؤذوا، ومن هنا يتّضح أنّهم إن بدر منهم ذنب يستوجب الحدّ والقصاص فلا مانع من إجرائه وتنفيذه في حقّهم، وكذلك لا يشمل هذا الكلام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. إنّ تقديم (البهتان) على (الإثم المبين) لأهميّته، لأنّ البهتان يعتبر من أكبر الذنوب، والجراحات التي تنجم عنه أشدّ ألماً من جراحات السنان، كما قال الشاعر العربي: جراحات السنان لها التيام ولا يلتام ما جرح اللسان. وقد أولت الرّوايات الإسلامية هذه المسألة إهتماماً فائقاً، ففي حديث عن الإمام الصادق عليه السلام: (إنّ الله عزّوجلّ يقول: (ليأذن بحرب منّي من آذى عبدي المؤمن). وقال بعض المفسّرين: يستفاد من اُسلوب الآية أنّ جماعة في المدينة كانوا يطلقون الشائعات ويثيرون الشبهات حول المؤمنين، ويتّهمونهم بما ليس فيهم، وحتّى نبي الله لم يكن بمنأى عن ألسن اُولئك المؤذين. وهذه الفئة ليست قليلة في المجتمعات الاُخرى، وخاصّة في مجتمعات اليوم، وليس لها عمل إلاّ التآمر ضدّ الصالحين والمحسنين، وإختلاق الأكاذيب والتّهم. لقد هاجم القرآن الكريم هؤلاء الأشخاص أشدّ هجوم، ووصفت أعمالهم بالبهتان والإثم المبين. والشاهد لهذا الكلام سيأتي في الآيات التالية. وجاء في حديث آخر يرويه الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام عن جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله: (من بهت مؤمناً أو مؤمنة، أوقال فيه ما ليس فيه أقامه الله تعالى يوم القيامة على تلّ من نار حتّى يخرج ممّا قاله فيه).
جاء في مؤسسة باقر العلوم عليه السلام عن عقوبة جريمة الابتزاز الالكتروني في الفقه الامامي لسماحة السيد فاضل الجابري الموسوي: ان تهديد المسلم وتخويفه من دون وجه حق من الأمور الواضحة الحرمة في الشريعة المقدسة، وقد تظافرت الأخبار في تحريم ذلك يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من نظر إلى مؤمن نظرة ليخيفه بها أخافه الله تعالى يوم لا ظل إلا ظله). وقال الإمام الصادق عليه السلام: (من روع مؤمنا بسلطان ليصيبه منه مكروه فلم يصبه فهو في النار، ومن روع مؤمنا بسلطان ليصيبه منه مكروه فأصابه فهو مع فرعون وآل فرعون في النار). الكافي: 4/107 طبعة دار الحديث. وفي رواية أخرى: عن محمد بن أحمد بن الحسين بن يوسف البغدادي قال حدثنا علي بن محمد بن عيينة قال حدثني أبو الحسن بكر بن أحمد بن محمد بن إبراهيم بن زياد بن موسى بن مالك الأشج العصري قال حدثتنا فاطمة بنت علي بن موسى عليه السلام قالت سمعت أبي عليا يحدث عن أبيه عن جعفر بن محمد عن أبيه وعمه زيد عن أبيهما علي بن الحسين عن أبيه وعمه عن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: (لا يحل لمسلم أن يروع مسلما). جامع أحاديث الشيعة، ج 16، السيد البروجردي، ص 361. وعن عبد اللَّه بن سليمان النوفلي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: أنّه قال في رسالته إلى النجاشي: (يا عبد اللَّه إيّاك أن تُخيف مؤمناً، فإنّ أبي محمّد بن عليّ حدّثني عن أبيه عن جدّه عليّ بن أبي طالب عليه السلام أنّه كان يقول: من نظر إلى مؤمن نظرة ليخيفه بها أخافه اللَّه يوم لا ظلّ إلّا ظلُّه، وحشره في صورة الذرّ لحمه وجسده وجميع أعضائه حتّى يورده مورده) الوسائل 17: 207، 209، ب 49 ممّا يكتسب به، ح 1. عن أبي جعفر عليه السلام قال: (لما حضر علي بن الحسين عليه السلام الوفاة ضمني إلى صدره ثم قال: يا بني أوصيك بما أوصاني به أبي حين حضرته الوفاة وبما ذكر أن أباه أوصاه به، قال: يا بني إياك و ظلم من لا يجد عليك ناصراً إلا الله) (وسائل الشيعة: ج 16 ص 48 ب 77 ح 20945.). و عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (قال رسول الله صلى الله عليه و آله: اتقوا الظلم فإنه ظلمات يوم القيامة) (بحار الأنوار: ج 72 ص 330 ب 79 ح 63.). مضافا الى كون الابتزاز من مصاديق الاضرار بالمسلم في نفسه او ماله او عرضه وكل ذلك من المحرمات الثابتة في الشريعة المقدسة، وقصة سمرة بن جندب من الأمثلة المعروفة والتي فاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أثرها بأنه لا ضرر ولا ضرار في الإسلام. وسائل الشيعة، ج25، ص: 428 الى غير ذلك من العناوين الفقهية التي يعتبر الابتزاز أحد مصاديقها من دون شك.
جاء في موقع طريق الاسلام عن جرائم الابتزاز للكاتب يحيى البوليني: وتأتي مشكلة انشغال الآباء والأمهات عن الأبناء وخصوصًا البنات وعدم متابعتهن إجمالًا وعدم متابعة وسائل الاتصال لديهن وعدم الاهتمام بشؤونهن وملاحظة التغيرات عليهن سببًا أصيلًا لوقوع مشكلات الابتزاز، فالتي تتعرض للابتزاز يحدث لها من التغيرات السلوكية والنفسية الكثير جدًا مما يؤكد أن الأسرة التي لم تنتبه لكل هذه التغيرات في التصرفات أسرة مقصرة وربما تتحمل الكثير من المسئولية. وأهل المجرم المبتز في غالب الأحوال شركاء أيضًا في الجريمة بتقصيرهم في تربيته على معاني خشية الله في السر والعلن وعلى معاني الحلال والحرام وعلى عدم تربيته على حفظ حقوق العباد، وربما بعدم وقوفهم أمام رغباته ونزواته وشهواته منذ صغره فنشأ مستهينًا بالحقوق الشرعية الواجبة عليه تجاه ربه وتجاه الناس. والمجتمع أيضًا مسؤول ومشترك في المسؤولية في غالبه، حيث يزداد الحرام يسرًا بوجود شبكات الاتصال والإنترنت وتوافر الجوالات في كل يد لما تحمله من مخاطر تربوية وسلوكية وتزداد الشهوات والمفاتن غير المنضبطة بالشرع، ففي ظل وجود هذه السهولة واليسر في المغريات والمفاسد في نفس الوقت الذي يزداد فيه الحلال صعوبة فيغالي الأهل في المهور وتتعقد شروط الزواج، فبالتالي يجب أن يتحمل المجتمع ككل مسؤوليته عن وجود حالات الابتزاز هذه. ولا يمكن تبرئة الكثير من الأطراف عن تحمل مسؤولياتهم. وخلافًا لما يتبادر للذهن فثمة ملاحظة غاية في الأهمية وهي أنه ليست الدول التي تكثر فيها ظهور جرائم الابتزاز إعلاميًا ليست بالضرورة أن تكون أكثر الدول إصابة بالمشكلات السلوكية والانحرافات الخلقية أو أنها أكثر الدول انحلالًا واستعارًا للشهوات، ولكن العكس قد يكون هو الأصح حيث يكثر ظهور جرائم الابتزاز في المجتمعات التي يتوافر فيها شرطان هامان وهما: – أولا: أن تكون الدولة في عمومها والمجتمع في سلوكياته محافظين على الأخلاق والقيم، فكلما ازداد خوف الضحية من هتك الستر ومن رد فعل الأقارب والأهل ومن التسبب في جلب عار على أسرتها كلما كان خضوعها أكثر للابتزاز، وحينها يكون ظهور هذه الجرائم دليلًا على استمرار محافظة هذا المجتمع أكثر من كونه دليلًا على الانهيار الأخلاقي، ولهذا فالدول التي ابتعدت كثيرًا عن المحافظة والحشمة لا يهتم أفرادها بقضية معرفة الناس أو عدمها، ولا تشكل معرفة الناس بالانحرافات السلوكية للفرد عنصرًا ضاغطًا عليه، فحينها لا محل أصلًا للابتزاز، فأفراد المجتمع يفعلون ما يحلو لهم دون خشية رد فعل أو لوم أو عتاب من أحد. – والثاني: أن تكون السلطات الشرطية والقضائية من الأساس تعتبر أن الابتزاز جريمة يُعاقب عليها قانونًا بعقوبة شديدة وتتم ملاحقة المبتز بصورة فعلية ودقيقة وحقيقية، وإلا فلا محل للتبليغ عن قضية الابتزاز ولن تنتشر إعلاميًا إذا لم يكن هناك من الأصل رغبة حقيقية لدى السلطات لحفظ الفتيات وصيانتهن.