اخر الاخبار

سفينة نوح (ح 3) (ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا)‎

د. فاضل حسن شريف

جاء في الخصال للشيخ الصدوق – الصفحة 503: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدثنا محمد ابن الحسن الصفار قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى قال: حدثنا أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، عن أبان بن عثمان، عن كثير النواء، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن نوحا عليه السلام ركب السفينة أول يوم من رجب فأمر من كان معه أن يصوموا ذلك اليوم، وقال: من صام ذلك اليوم تباعدت النار عنه مسيرة عشيرة سنة، فمن صام سبعة أيام أغلقت عنه أبواب النيران السبعة، ومن صام ثمانية أيام فتحت له أبواب الجنان الثمانية ومن صام خمسة عشر يوما أعطي مسألته، ومن زاد زاده الله عز وجل. حدثنا محمد بن الحسن رضي الله عنه قال: حدثني الحسن بن الحسين بن – عبد العزيز بن المهتدي، عن سيف بن المبارك بن يزيد مولى أبي الحسن موسى عليه السلام عن أبيه المبارك، عن أبي الحسن عليه السلام قال: إن نوحا ركب السفينة أول يوم من رجب، وذكر الحديث مثله سواء، وقد أخرجت ما رويته في ثواب صوم رجب في كتاب فضائل رجب.

عن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله عز وعلا “وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ” ﴿هود 42﴾ معناه: أن السفينة كانت تجري بنوح ومن معه على الماء في أمواج كالجبال في عظمها وارتفاعها ودل بتشبيهها بالجبال على أن ذلك لم يكن موجا واحدا بل كان كثيرا وروي عن الحسن إن الماء ارتفع فوق كل شيء وفوق كل جبل ثلاثين ذراعا وقال غيره خمسة عشر ذراعا وقيل: أن سفينة نوح سارت لعشر مضين من رجب فسارت ستة أشهر حتى طافت الأرض كلها لا تستقر في موضع حتى أتت الحرم فطافت بموضع الكعبة أسبوعا وكان الله سبحانه رفع البيت إلى السماء ثم سارت بهم حتى انتهت إلى الجودي وهو جبل بأرض الموصل فاستقرت عليه اليوم العاشر من المحرم وروى أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام أن نوحا ركب السفينة في أول يوم من رجب فصام وأمر من معه أن يصوموا ذلك اليوم وقال من صام ذلك اليوم تباعدت عنه النار مسيرة سنة.

وعن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله عز وعلا “وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ” ﴿هود 42﴾ الضمير للسفينة، والموج اسم جنس كتمر أو جمع موجة على ما قيل وهي قطعة عظيمة ترتفع عن جملة الماء وفي الآية إشعار بأن السفينة كانت تسير على الماء ولم تكن تسبح جوف الماء كالحيتان كما قيل. وجاء في التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله عز وعلا “وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ” ﴿هود 42﴾ وفي هذه الحال التي هي أشبه بسكرات الموت ينظر نوح إلى ولده بحسرة، ويدعوه إلى الايمان وسبيل النجاة قبل أن يلفظ النفس الأخير. قوله عز وجل “أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ۚ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ۗ وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ” ﴿النور 40﴾  بحر عميق الغور، تتراكب فوقه الأمواج الواحدة فوق الأخرى، وفوق الجميع سحاب ثقيل كثيف. وهذا أبلغ تشبيه لأهل الشهوات والأهواء الذين غرقوا في بحر القبائح والرذائل: كذب ورياء وحقد ودس وغرور وكبرياء وطمع وحرص. إلى ما لا نهاية، ومن عاش في هذه الظلمات التي لا يرى فيها شيئا كيف يرى الحقيقة ويدركها؟

وجاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله عز وعلا “وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ” ﴿هود 42﴾ قرأنا في الآيات السابقة ـ إِجمالا ـ أنّ الأمواج المتلاطمة الصاخبة من الماء أغرقت كل مكان حيث تصاعد منسوب الماء تدريجاً، أمّا المجرمون الجهلة فظناً منهم أنّه طوفان عادي فصعدوا إِلى أعالي القمم والمرتفعات، لكن الماء تجاوز تلك المرتفعات أيضاً وخفي تحت الماء كل شيء، وأخذت تلوح للعيون أجساد الطغاة الموتى وما بقي من البيوت ووسائل المعاش في ثنايا الأمواج على سطح الماء. وكان نوح عليه السلام قد أودع زمام السفينة بيد الله سبحانه، وكانت الأمواج تتقاذف السفينة في كل صوب، وفي روايات استمرت هذه الحال ستة أشهر تماماً (من بداية شهر رجب حتى نهاية شهر ذي الحجة) وعلى رواية (من عاشر شهر رجب حتى عاشر محرم) وطافت السفينة نقاطاً متعددة من الأرض، وطبقاً لما جاء في بعض الرّوايات أنّها سارت على أرض مكّة وحول الكعبة. لم يكن نوح هذا النّبي العظيم أباً فحسب، بل كان مربيّاً لا يعرف التعب والنصب، ومتفائلا بالأمل الكبير بحيث لم ييأس من ابنه القاسي القلب، فناداه عسى أن يستجيب له، ولكن للأسف كان أثر المحيط السيء عليه أكبر من تأثير قلب أبيه المتحرّق عليه. لذلك فإِنّ هذا الولد اللجوج الاحمق، وظنّاً منه أن ينجو من غضب الله.

جاء في مؤسسة المصطفى للتحقيق والنشر عن حدث في مثل هذا اليوم (1 رجب): وفيه من سنة 110 هجرية توفي بالبصرة الحسن بن يسار البصري (أبو سعيد) التابعي المشهور. كان أبوه يسار مولى لزيد بن ثابت الأنصاري، وأمه خيرة مولاة لأم سلمة. وكان مولده سنة 21 من الهجرة، وربما غابت عنه أمه وتركته عند أم سلمة، فيبكي، فتعطيه أم سلمة ثديها تعلله به إلى أن تجيء اُمّه، فدرّ عليه لبنها، فشرب منه، فيرون أن ما عنده من العلم والعبادة والزهد من ذلك اللبن. قال ابن أبي الحديد: وهو ممن روي عنه أنه يبغض علياً ويذمّه، ولكن أصحابنا يعني المعتزلة يدفعون ذلك عنه وينكرونه، ويقولون: إنه من محبي علي والمعظمين له. وله مع الحجاج مواقف، وقد سلمه الله من أذاه. أقول: وقد روي أن من تلك المواقف أنه سأله يوماً عن علي عليه السلام، فقال له: ما ترى في أبي تراب، أمن أهل الجنة، أم من أهل النار؟ فقال أنا لم أدخلهما فأعرف أهلهما، ولكني أرجوا لعلي أن يكون من أهل الجنة. وذكره ببعض ما هو أهله من السبق إلى الإسلام والجهاد في سبيل الله وغير ذلك، فغضب الحجاج وأراد قتله، وقال: أنسيت قوله تعالى: “وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيماً” (النساء 93). وعلي قتل المؤمنين بالبصرة وصفين؟ فسكت الحسن البصري ولم يتكلم بشيء، وكان هناك أنس بن مالك فقال: لقد أعوزتني إلى الكلام يا أمير، وذكر حديث الطائر المشوي الذي أهدي إلى الرسول صلى الله عليه وآله على رغيفة بيضاء، فوضعه بين يديه وقال: (اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر). قال فجاء علي عليه السلام فرددته، ثم عاد رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الدعاء وعاد علي فرددته، وهكذا الثالثة، فلما أردت أن اُرجعه رفع علي صوته فسمعه رسول الله صلى الله عليه وآله، وأمرني فأدخلته، وسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (اللهم وإليَّ، اللهم وإليَّ، اللهم وإليَّ). يعني أن علياً أحب الناس إليك وإلي، فإذا كان علي أحب الناس إلى الله وإلى رسوله ودخل النار، فلمن تكون الجنّة؟ فغضب الحجاج وقال: إنك شيخ قد خرفت، ولولا أن يقال: إني قتلت رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله لقتلتك. وقد ذكرت بعض ما جاء عن الحسن البصري في كتاب (رائق الضمير).