د. فاضل حسن شريف
عن التفسير الوسيط لمحمد سيد طنطاوي: قوله تعالى “يسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” (البقرة 189) ورد في سبب نزول هذه الآية روايات منها ما أخرجه ابن أبى حاتم عن أبى العالية قال: (بلغنا أن بعض الناس قالوا: يا رسول الله، لم خلقت الأهلة فنزلت). والأهلة: جمع الهلال، وهو الكوكب الذي يبزغ في أول كل شهر، ويسمى هلالا لثلاث ليال أو لسبع ليال من ظهوره، ثم يسمى بعد ذلك قمرا إلى أن يعود من الشهر الثاني. ومن الروايات التي وردت في سبب نزول هذه الآية ما رواه أبو نعيم وابن عساكر عن ابن عباس قال: نزلت في معاذ بن جبل وثعلبة بن غنم قالا: يا رسول الله. ما بال الهلال يبدو أو يطلع دقيقا مثل الخيط ثم يزيد حتى يعظم ويستدير، ثم لا يزال ينقص ويدق حتى يعود كما كان، لا يكون على حال واحد؟ فنزلت. وعلى هذه الرواية يكون الجواب بقوله تعالى: “قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ” (البقرة 189) من قبيل أسلوب الحكيم، وهو إجابة السائل بغير ما يتطلبه سؤاله، بتنزيل سؤاله منزلة غيره، تنبيها له على أن ذلك الغير هو الأولى بالسؤال لأنه هو المهم بالنسبة له. فأنت ترى هنا أن السائلين قد سألوا عن سبب اختلاف الأهلة بالزيادة والنقصان، فأجيبوا ببيان الحكمة من خلقها، فكأنه- سبحانه- يقول لهم: عليكم أن تسألوا عن الحكمة والفائدة من خلق الأهلة لأن هذا هو الأليق بحالكم وهو ما أجبتكم عليه، لا أن تسألوا عن سبب تزايدها في أول الشهر وتناقصها في آخره، لأن هذا من اختصاص علماء الهيئة، وأنتم لستم في حاجة إلى معرفة ذلك في هذا الوقت.
وعن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تعالى “وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ” ﴿يس 39﴾ المنازل جمع منزل اسم مكان من النزول والظاهر أن المراد به المنازل الثمانية والعشرون التي يقطعها القمر في كل ثمانية وعشرين يوما وليلة تقريبا. والعرجون عود عذق النخلة من بين الشمراخ إلى منبته وهو عود أصفر مقوس يشبه الهلال، والقديم العتيق. وقد اختلفت الأنظار في معنى الآية للاختلاف في تركيبها، وأقرب التقديرات من الفهم قول من قال: إن التقدير والقمر قدرناه ذا منازل أو قدرنا له منازل حتى عاد هلالا يشبه العرجون العتيق المصفر لونه. تشير الآية إلى اختلاف مناظر القمر بالنسبة إلى أهل الأرض فإن نوره مكتسب من الشمس يستنير بها نصف كرته تقريبا وما يقرب من النصف الآخر غير المسامت للشمس مظلم ثم يتغير موضع الاستنارة ولا يزال كذلك حتى يعود إلى الوضع الأول ويعرض ذلك أن يظهر لأهل الأرض في صورة هلال ثم لا يزال ينبسط عليه النور حتى يتبدر ثم لا يزال ينقص حتى يعود إلى ما كان عليه أوله. ولاختلاف صوره آثار بارزة في البر والبحر وحياة الناس على ما بين في الأبحاث المربوطة. فالآية الكريمة تذكر من آية القمر أحواله الطارئة له بالنسبة إلى الأرض وأهلها دون حاله في نفسه ودون حاله بالنسبة إلى الشمس فقط.
وعن شروط الشهادة يقول المرجع السيد أبو القاسم الخوئي قدس سره: لا تجوز الشهادة إلاّ بالمشاهدة أو السماع أو ما شاكل ذلك، وتتحقق المشاهدة في مورد الغصب والسرقة والقتل والرضاع وما شاكل ذلك، وتقبل في تلك الموارد شهادة الأصمّ، ويتحقق السماع في موارد النسب بالإقرار والشهادة على الشهادة والمعاملات من العقود والايقاعات وما شاكل ذلك. لا تجوز الشهادة إلاّ أن يكون الشاهد عالماً، فلا تجوز الشهادة مع الظن، فضلاً عن الشك، للنهي عن القول بغير علم، وعن الشهادة بغير علم: “وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ” (الاسراء 36). إلاّ أن الكلام في أن العلم المعتبر هل هو مطلق العلم، وإن كان عن حدس واجتهاد، أو لابدّ أن يكون عن حس كما يستفاد من كلمات جمع منهم المحقق في الشرائع، ففي المسموعات المعتبر السماع، وفي المرئيات المعتبر الرؤية، فلابدّ أن يكون الشاهد شاهداً وحاضراً، وعالماً بذلك عن حس لا عن اجتهاد وحدس. والظاهر أن ما ذكره المحقق هو الصحيح، وذلك لأن الشهادة استعملت في القرآن الكريم وكذا في غيره غالباً بمعنى الحضور كما في قوله تعالى: “الِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ” (التغابن 18)،”فَمَن شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ” (البقرة 185)،”وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ” (النور 2) وغيرها، فمن شهد أي من حضر، وهكذا.
جاء في کتاب الحديث النبوي بين الرواية والدراية للشيخ جعفر السبحاني: روَية اللّه يوم القيامة: أخرج الحميدي في مسنده، عن قيس، قال: قال لي جرير بن عبد اللّه: كنّا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إذ نظر إلى القمر ليلة البدر. فقال: أما إنّكم سترون ربّكم، كما ترون هذا، لا تضامُّون في روَيته، فمن استطاع منكم لا يغلب على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا، ثمّ قال: “وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها” (طه 130). قوله: (لا تضامّون) امّا بالتخفيف بمعنى لا يحصل لكم ضيم، و بالتشديد أي لا تزاحمون. وحاصل الحديث: انّ ثمّة فرق بين روَية الهلال وإراءته للآخرين وبين روَية البدر، فالاَوّل لاَجل ضآلة روَيته فهو بحاجة إلى مشاركة الناس بغية روَيته، بخلاف البدر فهو لاَجل وضوح روَيته لا يحتاج إلى تلك العناية، بل يراه كلّ الناس في محله وموضعه.
تكملة للحلقة السابقة جاء في موقع براثا عن رؤية الهلال ووحدة المسلمين – القسم العاشر للكاتب محمود الربيعي: يكون الشهر القمريّ في كلّ منطقة من الأرض مرتبطاً بإمكان الرؤية فيها بالذات، فيكون لكلّ اُفق شهره القمريّ الخاصّ، فيبدأ في هذا الاُفق الغربي في ليلة متقدّمة وفي اُفق شرقيّ في ليلة متأخّرة، أو أنّ الشهر القمريّ له بداية واحدة بالنسبة إلى الجميع، فاذا رُئي الهلال في جزء من العالم كفى ذلك للآخرين ؟وبكلمة اُخرى: هل حلول الشهر القمريّ الشرعي أمر نسبي يختلف فيه اُفق عن اُفق فيكون من قبيل طلوع الشمس، فكما أنّ الشمس قد تطلع في سماء بغدادَ ولا تطلع في سماء دمشق، فيكون الطلوع بالنسبة إلى بغداد ثابتاً والطلوع بالنسبة إلى دمشق غير متحقّق كذلك بداية الشهر القمريّ الشرعي، أو أنّ حلول الشهر القمريّ الشرعي أمر مطلق وظاهرة كونية مستقلّة لا يمكن أن يختلف باختلاف البلاد ؟وتوجد لدى الجواب على هذا السؤال في مجال البحث الفقهي نظرية تؤكّد على الافتراض الثاني، وتقول: بأنّ حلول الشهر لا يمكن أن يكون نسبياً وأن يكون لكلّ منطقة شهرها القمري الخاصّ، وأنّ من الخطأ قياس ذلك على نسبيّة الطلوع التي تجعل لكلّ منطقة طلوعها الخاصّ ; وذلك لأنّ طلوع الشمس عبارة عن مواجهة هذا الجزء من الأرض أو ذلك للشمس، ولمّا كانت الشمس تواجه أجزاء الأرض بالتدريج بحكم كرويتها وحركتها ـ أي الأرض ـ حول نفسها فمن الطبيعي أن يكون الطلوع نسبياً، فتطلع الشمس على هذا الجزء من الأرض قبل ذاك.وأمّا بداية الشهر القمريّ فهي بخروج القمر من المحاق، أي ابتدائه بالتحرّك بعد أن يتوسّط بين الشمس والأرض، وهذه ظاهرة كونية محدّدة تعبّر عن موقع جرم القمر من جرمَي الشمس والأرض، ولا تتأ ثّر بهذا الجزء من الأرض أو ذاك، فلا معنى لافتراض النسبية هنا وللقول بأنّ الشهر يبدأ بالنسبة إلى هذا الجزء من الأرض في ليلة السبت وبالنسبة إلى ذلك الجزء في ليلة الأحد.وهذه النظرية ليست صحيحةً من الناحية المنهجية ; لأ نّها تقوم على أساس عدم التمييز بين الشهر القمريّ الطبيعي والشهر القمريّ الشرعي، فإنّ الشهر القمريّ الطبيعي يبدأ بخروج القمر من المَحاق، ولا يتأ ثّر بأيّ عامل آخر، ولمّاكان خروج القمر من المَحاق قد يؤخذ كظاهرة كونية محدّدة لا تتأ ثّر بهذا الموقع أو ذاك، فلا معنى حينئذ لافتراض النسبية فيه.وأمّا الشهر القمريّ الشرعي فبدايته تتوقّف على مجموع عاملين: أحدهما كوني، وهو الخروج من المحاق. والآخر أن يكون الجزء النيّر المواجه للأرض ممكن الرؤية، وإمكان الرؤية يمكن أن نأخذه كأمر نسبيّ يتأ ثّر باختلاف المواقع في الأرض، ويمكن أن نأخذه كأمر مطلق محدّد لا يتأ ثّر بذلك ; وذلك لأ نّنا إذا قصدنا بإمكان الرؤية إمكان رؤية الإنسان في هذا الجزء من الأرض، وفي ذاك كان أمراً نسبياً وترتّب على ذلك أنّ الشهر القمري الشرعي يبدأ بالنسبة إلى كلّ جزء من الأرض إذا كانت رؤية هلاله ممكنةً في ذلك الجزء من الأرض فقد يبدأ بالنسبة إلى جزء دون جزء وذلك إذا فسّرنا المَحاق بأ نّه عبارة عن انطباق مركز القمر على الخطّ الواصل بين مركز الأرض ومركز الشمس على أساس أنّ هذا الانطباق هو الذي يحقّق غيبة القمر عن كلّ أهل الأرض ; نظراً لأنّ حجم الأرض الصغير لا يُتيح في هذه الحالة حتى لمن كان في أقصى الأرض أن يواجه شيئاً من وجهه المضيء، فإذا كان المَحاق هو الانطباق المذكور صحّ ما يقال من أ نّه ليس نسبياً. وأمّا إذا فسّرنا المَحاق بأ نّه مواجهة الوجه المظلم بتمامه لمنطقة ما على الأرض فهذا أمر نسبي. منه رحمه الله.