اخر الاخبار

اليهود وبني اسرائيل والفرق بينهما في القرآن الكريم (ح 48)‎

د. فاضل حسن شريف

جاء في جريدة الأخبار عن الفرق بين اليهود وبني إسرائيل في القرآن للشاعر الفلسطيني زكريا محمد: وباختصار: مع الإسلام، اليهود كانوا هناك، أما بنو إسرائيل فلم يكونوا هناك. ومن لا يكون هناك، لا يمكن الاحتكاك به أصلاً. وخذ هذه النماذج عن الآيات التي تعرض لليهود، ويتّضح بجلاء أنها آيات اشتباك: 1- “لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا” (المائدة 82). 2- “وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء” (المائدة 64). 3- “لا يقاتلونكم جميعاً إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر” (الحشر 14). وكما نرى، فثمة هنا عداوات واتهامات وحروب وحصون. ثم انظر لهذه النماذج عن الآيات التي تتحدث عن بني إسرائيل، وسوف تجد أنها آيات ليس لها فيها خصومة مع الإسلام والمسلمين: 1- “وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يشعرون” (الأعراف 137). 2- “وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون” (الأعراف 138). 3- “وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلون علواً كبيراً” (الإسراء 4). 4- “ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين” (الدخان  30). 5- “يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم وواعدناكم جانب الطور الأيمن ونزلنا عليكم المن والسلوى” (طه 80). وهكذا، أنت لا تحسّ بوجود بني إسرائيل في يثرب وفي الجزيرة العربية. ليس لهم وجود هناك. اليهود هم الموجودون هناك. لذا فحين يُلعن بنو إسرائيل في القرآن، فهم يلعنون على ألسنة الأنبياء القدماء لا على لسان القرآن: “لُعِن الذِين كفرُوا مِن بنِي إِسرائِيل على لِسانِ داوُود وعِيسى ابنِ مريم ذلِك بِما عصوا وكانُوا يعتدُون” (المائدة 78). أما اليهود فيلعنون بلسان القرآن: “غُلت أيدِيهِم ولُعِنُوا بِما قالُوا”. ولا يوجد في آيات بني إسرائيل جمل مثل: قاتلهم الله، أو غلت أيديهم، أو لعنهم الله. يعني ليست هناك حرب بين بني إسرائيل والمسلمين. وكيف يمكنك أصلاً أن تحارب قوماً ماضين؟ الحرب كانت بين اليهود والإسلام فقط: اليهود كانوا قوماً حاضرين، وبنو إسرائيل كانوا قوماً غابرين. ولم يتحدث القرآن عن يهود يثرب باعتبارهم بني إسرائيل. ويمكن لي أن أقول إنه في مواضع نادرة جداً في القرآن، يتشوش الفصل بين اليهود وبني إسرائيل مثل هذه الآيات: “إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون * وإنه لهدى ورحمة للمؤمنين. إن ربك ليقضي بينهم بحكمه وهو العزيز العليم” (النمل 76-78). ولأن الآيات تتحدث عن أن القرآن يقصّ على بني إسرائيل ويفصل في خلافاتهم، فقد افترض المفسرون أنها تتحدث عن اليهود والنصارى معاً. أي أن بني إسرائيل هم النصارى واليهود. لكن لدي شكوك بخصوص الآية الأولى. إذ كيف يستطيع القرآن أن يقص القرآن على قوم غبروا؟ بذا فمن المحتمل أن الآية في الأصل تقول: (يقص عن بني إسرائيل) لا “يقص على بني إسرائيل”. وحسب هذا الفرض، فالآيات تخبرنا أنه حين يجري خلاف بين اليهود والنصارى حول بني إسرائيل، فإن القرآن هو الذي يقدم القصص الصحيحة عنهم.

عن تفسير الميزان للعلامة السيد الطباطبائي: قوله تعالى “يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ” (طه 80) إلى آخر الآية كأن الكلام بتقدير القول أي قلنا يا بني إسرائيل وقوله: “قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ” (طه 80) المراد به فرعون أغرقه الله وأنجى بني إسرائيل منه بعد طول المحنة. قوله تعالى “فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ” (القصص 8) الالتقاط أصابه الشيء وأخذه من غير طلب، ومنه اللقطة واللام في قوله”لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً” (القصص 8) للعاقبة على ما قيل والحزن بفتحتين والحزن بالضم فالسكون بمعنى واحد كالسقم والسقم، والمراد بالحزن سبب الحزن فإطلاق الحزن عليه مبالغة في سببيته لحزنهم. والخاطئين اسم فاعل من خطئ يخطأ خطأ كعلم يعلم علما كما أن المخطئ اسم فاعل من أخطأ يخطئ إخطاء، والفرق بين الخاطئ والمخطئ على ما ذكره الراغب أن الخاطئ يطلق على من أراد فعلا لا يحسنه ففعله قال تعالى “إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً” (الاسراء 31)، وقال: “وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ” (يوسف 91)، والمخطئ يستعمل فيمن أراد فعلا يحسنه فوقع منه غيره واسم مصدره الخطأ بفتحتين، قال تعالى “وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً” (النساء 92) والمعنى الجامع هو العدول عن الجهة. انتهى ملخصا. فقوله”إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ” (القصص 8) أي فيما كانوا يفعلونه في أبناء بني إسرائيل وموسى تحذرا من انهدام ملكهم وذهاب سلطانهم بيدهم إرادة لتغيير المقادير عن مجاريها فقتلوا الجم الغفير من الأبناء ولا شأن لهم في ذلك وتركوا موسى حيث التقطوه وربوه في حجورهم وكان هو الذي بيده انقراض دولتهم وزوال ملكهم. والمعنى: فأصابه آل فرعون وأخذوه من اليم وكان غاية ذلك أن يكون لهم عدوا وسبب حزن إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين في قتل الأبناء وترك موسى: أرادوا أن يقضوا على من سيقضي عليهم فعادوا يجتهدون في حفظه ويجدون في تربيته. وبذلك يظهر أن تفسير بعضهم كونهم خاطئين بأنهم كانوا مذنبين فعاقبهم الله أن ربي عدوهم على أيديهم ليس بسديد.

وعن عن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هادُوا وَ النَّصارى‌ وَ الصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ عَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ” (البقرة 62) التّفسير: القانون العام للنّجاة: بعد عرض لمقاطع من تاريخ بني إسرائيل، تطرح هذه الآية الكريمة مبدأ عاما في التقييم وفق المعايير الإلهية. و هذا المبدأ ينص على أن الإيمان و العمل الصالح هما أساس تقييم الأفراد، و ليس للتظاهر و التصنّع قيمة في ميزان اللّه: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هادُوا وَ النَّصارى‌ وَ الصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ عَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ‌” (البقرة 62). هذه الآية تكررت مع اختلاف يسير في سورة المائدة، الآية 72 و في سورة الحج الآية 17. سياق الآية في سورة المائدة يشير إلى أن اليهود و النصارى فخروا بدينهم، و اعتبروا أنفسهم أفضل من الآخرين، و ادّعوا بأن الجنّة خاصة بهم دون غيرهم.

جاء في کتاب الحديث النبوي بين الرواية والدراية للشيخ جعفر السبحاني: اتخاذ اليهود قبور الاَنبياء مساجد: أخرج أحمد في مسنده، عن عبد الرحمن بن ثوبان، عن زيد بن ثابت: انّ رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم قال: لعن اللّه اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. إنّ ظاهر الرواية يعرب انّ قاطبة اليهود اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد، وما هذا إلاّبسبب التكريم والتبجيل، سواء اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يصلّون فيها أو تبركاً بهم أو يسجدون على قبورهم على نحو يكون القبر مسجوداً عليه أو يسجدون لهم بحيث يكون الركوع والسجود للاَنبياء. وعلى جميع التقادير (وإن كان التقدير الاَخير بعيداً) فعملهم  لو صحّ يعرب عن تكريمهم لاَنبيائهم وتبجيلهم لهم. هذا هو معنى الحديث. ومن جانب آخر إنّتاريخ اليهود حافل بقتل الاَنبياء والرسل، فكيف يمكن الجمع بين مضمون الحديث والآيات الصريحة الدالة على تحقيرهم لاَنبيائهم؟ قال سبحانه: “أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لاتَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُون” (البقرة 87) وقال سبحانه: “لَقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَولَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَكْتُبُ ما قالُوا وَقتلَهُمُ الاََنْبياءَ بِغَيْرِحَقّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الحَرِيق” (آل عمران 181) إلى غير ذلك من الآيات المندِّدة بعمل اليهود. إنّ هذا الحديث الذي اتخذه ابن تيمية وابن قيم الجوزيّة ومن لفّ لفّهما ذريعة إلى تحريم الصلاة عند قبور الاَنبياء، حديث لا يعتمد عليه مهما صحّ سنده، لاَنّ المضمون يخالف صريح القرآن والسيرة الثابتة عند اليهود، فانّ اليهود لم يكونوا أهل تكريم وتبجيل لاَنبيائهم، أفمن المعقول عندئذ أن يتخذوا قبورهم مصلّـى؟

ورد عن الإمام الصادق عليه السلام إن الله جل وعز اوحى الى نبي من انبياء بني اسرائيل: ان أحببت ان تلقاني غدا في حظيرة القدس فكن في الدنيا وحيدا غريبا مهموما محزونا مستوحشا من الناس بمنزلة الطير الواحد الذي يطير في ارض القفار ويأكل من رؤوس الأشجار ويشرب من ماء العيون، فإذا كان الليل آوى وحده ولم يأو مع الطيور، استأنس بربه واستوحش من الطيور. ومن المصادر عن حظيرة القدس (تسليك النفس إلى حظيرة القدس).