نسمع ونرى الكثير من الناس يتكلمون عن الزمن الجميل، وكأن الماضي كان عصر ذهبي، عدالة ومساواة، اتذكر بعد خروجي من العراق بشكل قسري، وبعد سنوات طوال من سجون ال سعود، ومعاناتي من قرحة معدية نازفة، بالمعتقل منعوا عني حتى العلاج، وبعد وصولي إلى الدنمارك لاجئا، عن طريق مكتب الأمم المتحدة بالشرق الاوسط، الدنمارك قدمت لي العلاج والرعاية والتعليم، أسوة بمواطنيهم.
احد الاخوة العراقيين، شيخ رجل دين شيعي، لديه قابلية عجيبة، في الكلام بشكل بديهي، عمل جمع شمل إلى زوجته، وصلت إلى الدنمارك، بذلك الزمن، كان من الصعب أن تتصل بالأهل بالعراق تليفونيا، أو إرسال رسالة، كلاب البعث باليوم الثاني، يستجوبون اهلك بالعراق، زوجة الشيخ تبكي على أهلها، وهذا حق طبيعي وحنين إلى الاهل، تكلم معها الشيخ، بقت تبكي، حاول أن يصبرها، لكن الحنين للاهل، وألم الفراق،شيء عاطفي ملتصق بعاطفة الانسان، سألها عن الوضع المعاشي والعدالة وعدم الخوف وإبداء الاراء دون خوف، قالت له نعم هنا حرية وعدالة ومساواة، التفت الشيخ إلى زوجته قال لها اعلمي هذه الحرية التي نعيشها هي نفس عدالة دولة المهدي، هههه شعندج تبكين، الشيخ لطف الأجواء.
اسوء زمن عشناه نحن من صادف شبابه بحقبة نظام البعث، واعني العراقي الشريف الذي يتألم ويشعر في أحاسيس ومظالم ملايين البشر الذين قتلهم صدام الجرذ من أبناء الشيعة والأكراد، هناك بشر فاقد الاحاسيس والشرف، حالهم حال البهائم، لايهمهم العيش بكرامة وحرية، الذي يهمه يشبع بطنه، حتى ولو كان الشبع على حساب دماء أبناء قومه، للأسف لازالوا ليومنا يحنون لحكم صدام الجرذ رغم قذارته، لكن غالبية هؤلاء ينطقون من منطلقات طائفية، لكونهم سنة وصدام المجرم من مذهبهم السني، رغم اجرامه، لكن عقولهم عفنة، طائفيتهم نزعت منهم الانسانية، وأصبح حالهم حال الحيوانات المتوحشة المؤذية، التي تقتل جميع مايقع في متناولها.
الظلم وقذارة الماضي ليس جديدا على العرب والمسلمين، ذكرت كتب التاريخ أن أحمد بن فارس(329-395هـ)، عالم اللغة المعروف وصاحب معجم مقاييس اللغة، ذات مرة، كتب إلى بديع الزمان الهمذاني يشكو إليه فساد الزمان وتغيّر الإنسان، فردّ عليه بديع الزمان:أتزعم أن الزمان فسد؟ أفلا تقول متى كان صالحاً؟ أفي الدولة العباسية، وقد رأينا آخرها وسمعنا أولها؟”، ثم راح هذا الأخير يعدد حوادث الفساد وسفك الدماء والحروب التي اتصلت حلقاتها منذ خلق الإنسان والملائكة تقول: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء (البقرة: 30). حتى الدولة العباسية مروراً بالدولة الأموية وما قبلها. الأمر الذي يعني، من وجهة نظر الهمذاني أن الزمان ما فسد، ولكن القياس قد اطردّ، ولا أظلمت الأيام، إنما امتدّ الظلام. بمعنى أن الزمان يفسد إذا كان صالحاً، لكنه لم يكن صالحاً قطّ، بل كان فاسداً منذ البداية، وما الفساد الذي يتجدد كل حين سوى استمرار للفساد الأول والقديم الذي اتصلت حلقاتها وتواصلت إلى أن وصلت إلينا.
الزمن الجميل، لا وجود حقيقي له عند العرب، العرب يعيشون في الظلم من جيل إلى جيل، ولديهم قدرة عجيبة، في رفض التداول السلمي والقبول بالعيش المشترك، حتى لو سنحت لبعض دول العرب فرصة التغيير بالتخلص من نظام دكتاتوري، تجد الساسة الذين يحلون محل الدكتاتور المجرم القذر، يكررون أخطاء فادحة، يتمسكون بشعارات الماضي، بحيث يعتبرون الماضي مثل طبيعة نظام الحكم او الحدود التي رسمتها سايكس بيكو، حدود مقدسة، مستعدين حرق عامة الناس لاجلها، علينا أن نعترف بأننا أمة لا يمكن أن تصنع مستقل زاهر دون مشاكل، لأننا نقدس الأسس الخاطئة التي بنيت عليها دولنا، ساستنا وحواشيهم، يبجلون الماضي، ويمقتون الحاضر رغم أوضاعهم المادية والاجتماعية ممتازة، دائما يخافون من اختيار طرق صحيحة، لحكم البلاد تضمن مشاركة جميع المكونات بالتساوي، من يريد بلد دون مشاكل، يعطي حق لكل مكون بحكم مكونه، ضمن دولة فدرالية محترمة، يخافون من المستقبل، دون أن يوجدون آليات تضمن حماية الناس من عودة القوى الطائفية القذرة للتسلط على رقاب أبناء فقراء شيعة العراق مرة اخرى.
الحاضر الذي يمقته هؤلاء الساسة وحواشيهم، دليل على سذاجتهم، والمستقبل الذي يخافون منه، دليل على غبائهم، الإنسان هو من يصنع سبل الحياة الفاضلة، وهو من يشارك في جعل حياته بائسة، الخير من الله عز وجل، والشر من صناعة الساسة قادة المكون، الشر والخير صناعة أيدينا، وبدل أن يتم دراسة أخطاء الماضي وأسباب تجبر صدام الجرذ بحق ضحاياه من الشيعة والاكراد، ترى الساسة وحواشيهم يجيدون لغة البكاء والنحيب فلان دولة جارة سرقتنا، أو ارسلت لنا إرهابيين……الخ.
نعم في دول أوروبا الغربية وبظل تسارع تطور الحياة ودخول التكنولوجيا، في مجالات الحياة، ربما تجد الناس من كبار السن الأوروبيين في أوروبا الغربية يحنون إلى حقبة ثمانينيات وسبعينيات القرن الماضي، حيث كانت حياتهم أجمل من حياة اليوم، من خلال وجود ترابط اسري كبير بينهم، أما العرب ماضيهم قهر وقتل وظلم، وحاضرهم وصول تنظيمات حركات الإخوان الوهابيين التكفيريين لحكم الكثير من البلدان العربية.
تخيل معي، أن أمير تنظيم القاعدة جبهة النصرة وداعش أمثال الجولاني السفياني يصبح رئيسا إلى سوريا، ويصبح الذباح ابو عمشة وزير للدفاع، ومفتي القاعدة وزير للعدل في سوريا ههههه شر البلية مايضحك.
عشت من حياتي ٢٥ سنة بالعراق، عشت آلام واحزان وانا عمري سبع سنوات، رأيت والدي ووالدتي وشقيقي الأكبر عام ١٩٧١ يبكون على شخص قام البعثيين في اعدامه اسمه ناجي الأسدي للظاهر صديقهم، تم اعدامه بدعوى انه يتعامل مع الحزب الشيوعي العراقي، وبعدها بدأت قوافل قتلى الجنود وشاهدنا إحضار مئات مدنيين أسرى، أطفال ونساء أكراد في عام ١٩٧٤ وماتلاها إلى جنوب العراق، بعدها تم قمع مظاهرات صفر عام ١٩٧٦، والاعلام البعثي بث اعترافات سوري اسمه محمد علي نعناع يريد يفجر، للتغطية على جريمة قتل مئات الزائرين، في منطقة خان النص، بعدها تم تصفية الشيوعيين، بعدها بدات الكارثة الكبرى، وصول صدام الجرذ للرئاسة وقيامه في إعدام آلاف الشباب الشيعة وتهجير مئات آلاف المواطنين الشيعة من العرب والكورد الفيليين إلى إيران، أعدم الشهيد الصدر وشقيقته رضوان الله عليهم، شن حرب عبثية غير مبررة، أقذر حرب حيوانية بالتاريخ البشري، في أعجوبة وتفضل من الرب العظيم، بقيت حي، هربت من بلدي بشكل قسري، وضعني ال سعود في سجون مظلمة، تصور عزيزي قارء مقالتي هذه، انت سجين والحرس الذي عليك عسكري داعشي لو من تنظيم القاعدة، كيف يكون الوضع، اتذكر شاب بذلك الوقت من قضاء الحي كان مريض، العسكر السعوديين، سألوه، قال لهم مريض، ممن تشكوا، قال لهم عندي آلا في كليتي، وضعوه على الارض، سحقوا على كليته ببساطيلهم، وتم نقله للمستشفى بفضل وجود زائر من الصليب الاحمر، وتم ازالة إحدى كليته، لا أريد ذكر اسمه، ربما لايقبل، اتذكر اسمه الثلاثي، ولو كانت هناك عدالة، لقامت الحكومة العراقية في تقديم طلب إلى السلطات السعودية بتعويضه ماديا ومعنويا، وتعويض آلاف العراقيين من الذين تم تعذيبهم ومنهم من قتلوا، ومنهم من تم ابعادهم قسرا، ومنهم من سببوا لهم امراض نفسية.
الزمن القاسي الذي انا عشته وعاشته معي والدتي واخوتي رحمهم الله ليس مجرد وقت مضى، بل هو زمن تجلت بها كل أنواع الظلم والتوحش التي فعلها صدام الجرذ وزبانيته معنا للاسف، عشنا حياة مؤلمة بائسة، نستحق أن نتأمل فيها، ونستلهم منها الكثير من العبر لعدم تكرار مجيء قوى طائفية قذرة للتسلط على رقاب أبنائنا واحفادنا، الإنسان العاقل الفاهم بالتأكيد، يستفيد من تجارب الماضي ليضمن حاضر جيد ومستقبل واعد وافضل، إن جهل غالبية أبنائنا من شباب شيعة العراق بالكوارث التي فعلها صدام الجرذ والبعثيين الطائفيين، عدم ذكر جرائم حقبة صدام الجرذ من قبل إعلام الأحزاب الشيعية العراقية، يسهل عملية قيام ابواق الفيالق الإعلامية البعثية الوهابية الطائفية على تزييف الماضي، المطلوب عمل برامج مثل قناة نزار الخالد عبر محطات فضائية وفسح المجال للمواطنين بذكر جرائم صدام الجرذ وقومه في ارتكاب ابشع الجرائم بحق أبناء شيعة العراق وكورده، في الختام علينا نحزن للماضي ونضع الخطط لضمان مستقبل جيد وواعد لحياة حرة مستقرة ووضع اقتصادي جيد وممتاز.
اخواني واخواتي وابنائي الكرام، ثمة تساؤل بسيط اطرحه على مسامعكم، لعل منكم من يسمعه مني، كيف يتم من تعرض للظلم والاضطهاد، وناضل وقاتل وفضح الجلاد صدام الجرذ، يتم ظلمه وتهميشه، وسلب خقه، ويُكرم أشخاص كانوا من بطانة الجلاد صدام الجرذ ومن واجهات المجاميع البعثية الطائفية الارهابية، مع خالص التحية والتقدير.