عزى ممثل المرجعية العليا في أوروبا السيد مرتضى الكشميري العالم الإسلامي بشهادة الإمام جعفر الصادق(ع) ،قائلا، إن الإمام الصادق(ع) هو رائد العلوم ومؤسس مدرسة فكرية جامعة لا ينضب معينها على مدى العصور، ولم تكن معارف الإمام الصادق(ع) وعلومه الربانية حكرا على أتباعه وشيعته بل عمت بركاته أتباع المذاهب الأخرى ممن استفادوا من علمه وانتهلوا من نميره العذب
يوافق هذا اليوم، الخامس والعشرون من شهر شوال ذكرى شهادة الإمام جعفر بن محمد الصادق(ع) سادس أئمة أهل البيت(ع) الذين أضاءت سيرتهم الكريمة ومعارفهم الإلهية الدنيا وطبقت العالم.
ويُعد الإمام الصادق(ع) من أبرز الشخصيات العلمية والفكرية في التاريخ الإسلامي، حيث اشتهر بغزارة علمه وتبحره في مختلف العلوم والمعارف. وقد عاصر الإمام الصادق (ع) فترة انتقالية مهمة في التاريخ الإسلامي تمثلت في سقوط الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية، مما أتاح له فرصة التفرغ للعلم والتدريس بعيداً عن الاضطرابات السياسية. أسس مدرسة علمية في المدينة المنورة أصبحت منارة للعلم والمعرفة، وكان لها أثر بالغ في إثراء الحضارة الإسلامية.
لقد تميز الإمام الصادق(ع) بموسوعية علمية نادرة، وأفاض على الناس من علومه الربانية في مختلف فروع المعارف الدينية والدنيوية.
ففي علم الفقه والحديث، أرسى الإمام الصادق(ع) قواعد مدرسة فقهية متميزة نفتخر بها، وروى عنه العامة والخاصة آلاف الروايات وكان له دور مهم في حفظ السنة النبوية ونقلها للأجيال اللاحقة. كما وضع منهجية علمية دقيقة لاستنباط الأحكام الشرعية من مصادرها الأصلية.
وفي علم الكلام والعقائد، قدم الإمام الصادق(ع) إسهامات كبيرة في علم الكلام، وخاض مناظرات عديدة مع أصحاب المذاهب والفرق المختلفة. لقد دافع عن عقيدة التوحيد الخالص، وفند الشبهات التي أثارها المتكلمون والفلاسفة حول قضايا العقيدة الإسلامية. وفي (توحيد المفضل) الذي أملاه الإمام (ع) على تلميذه المفضل بن عمر الكوفي خير شاهد وأوضح دليل.
وفي التربية والأخلاق، فقد وضع الإمام الصادق(ع) منهجاً تربوياً متكاملاً يجمع بين تزكية النفس وتنمية العقل. أكد على أهمية العلم والمعرفة، وربط بين العلم والعمل، والنظرية والتطبيق. كما اهتم بالجانب الأخلاقي والسلوكي، وحث على التحلي بمكارم الأخلاق والفضائل الإنسانية.
وأما في العلوم الطبيعية والتطبيقية فكان للإمام سهم وافر في الكيمياء والطب والفلك والرياضيات. وقد نقل أنه أملى خمسمائة رسالة في الطب والكيمياء على تلميذه النجيب جابر بن حيان الذي برع في علم الكيمياء والذي تمكن من تحقيق طائفة كبيرة من النظريات العلمية في هذا المجال.
ولم تقتصر مدرسة الإمام الصادق(ع) على أتباعه وشيعته فحسب، بل كانت منفتحة على جميع طلاب العلم من مختلف المذاهب والاتجاهات الفكرية، فكانت مدرسة عالمية بحق، ومما يدل على ذلك تنوع تلاميذه واختلاف مشاربهم الفكرية فقد تتلمذ على يد الإمام الصادق(ع) آلاف الطلاب من مختلف البلدان الإسلامية، وكان من بينهم علماء أصبحوا فيما بعد من أئمة المذاهب الإسلامية المشهورة. من أبرز هؤلاء الإمام أبو حنيفة النعمان مؤسس المذهب الحنفي، والإمام مالك بن أنس مؤسس المذهب المالكي، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وغيرهم.
وكان منهج الإمام(ع) يتسم بالانفتاح الفكري والتسامح مع الآراء المختلفة. كان يشجع تلاميذه على الحوار والنقاش العلمي، ويحثهم على إعمال العقل والتفكير النقدي. لم يكن يفرض آراءه عليهم، بل كان يناقشهم ويحاورهم ويستمع لوجهات نظرهم. ولم يقتصر ذلك الانفتاح على المسلمين فقط، بل امتد ليشمل أصحاب الديانات الأخرى. خاض الإمام العديد من المناظرات مع علماء اليهود والنصارى والمجوس، وكان يعتمد في حواره معهم على المنطق والعقل والحجة القوية.
وقد أثرت تلك الأفكار وهذه المنهجية في مختلف المدارس الفكرية الإسلامية، سواء في الفقه أو الكلام أو التصوف. استفاد منه علماء المذاهب في مسائل الفقه والحديث، كما استفاد منه المتكلمون والفلاسفة في قضايا العقيدة والفلسفة. وكان لمدرسته دور كبير في إثراء الحركة العلمية والفكرية في العالم الإسلامي.
لقد ترك إمامنا الصادق(ع) إرثاً علمياً وفكرياً ضخماً أسهم في إثراء الحضارة الإسلامية، وما زالت آثاره العلمية والفكرية حاضرة إلى يومنا هذا. وقد مثلت شخصيته الفذة نموذجاً للعالم الموسوعي المنفتح على مختلف العلوم والثقافات، والمتسامح مع الآراء المختلفة، والساعي إلى نشر العلم والمعرفة بين الناس جميعاً فحق لذلك أن تكون شهادته(ع) وارتحاله عن هذا العالم فاجعة على المسلمين جميعا .
اللهُمَّ صَلِّ عَلى جَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ خازِنِ العِلمِ الدَّاعي إلَيكَ بِالحَقِّ، النُّورِ المُبِينِ، اللهُمَّ وَكَما جَعَلتَهُ مَعدِنَ كَلامِكَ وَوَحيِكَ وَخازِنَ عِلمِكَ وَلِسانَ تَوحِيدِكَ وَوَلِيَّ أمرِكَ وَمُستَحفِظَ دِينِكَ فَصَلِّ عَلَيهِ أفضَلَ ما صَلَّيتَ عَلى أحَدٍ مِن أصفيائِكَ وَحُجَجِكَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.