بين وقت واخر يتساءل بعض المسؤولين الغربيين، عن الاسباب التي جعلت العديد من دول العالم، اما ان تتخذ موقف الحياد من الحرب الروسية الاوكرانية، او تؤيد روسيا صراحة، والذي اثار حفيظة الغربيين، الذين صبوا جام غضبهم على تلك الدول، متهمينها بانها تقف الى جانب المعتدي ضد الضحية.
في المقابل هناك مسؤولين غربيين، يعدون على اصابع اليد الواحدة، تجرأوا وسبحوا عكس التيار، وتحدثوا عن الاسباب الحقيقية وراء مواقف تلك الدول من الحرب الروسية الاوكرانية، وبشكل موضوعي بعيدا عن الضجيج الاعلامي الغربي، ومن بين هؤلاء المسؤولين القلائل هو رئيس وزراء ووزير خارجية فرنسا الأسبق دومنيك دو فيلبان.
دو فيلبان وفي حوار مع إذاعة “راديو فرانس أنترناشنال” اشار الى السبب الابرز الذي دعا تلك الدول ان ترفض الوقوف الى جانب الغرب في هذه الحرب وقال: “أن أكاذيب الغرب في الحرب ضد العراق هي التي جعلت باقي دول العالم لا تساند مواقف الغرب في مواجهة روسيا في حربها ضد أوكرانيا”، ووصف الأدلة الأمريكية والبريطانية حول ما يسمى بأسلحة الدمار الشامل العراقية، بانها كانت غير صحيحة، وهو ما لم تنتبه له لندن وواشنطن، وقسمت العالم الى شطرين، وخلقت أجواء من عدم الثقة تسود الى اليوم.
من الواضح ان دوفيلبان لم يقل الحقيقة كلها، فسبب إعراض دول العالم عن دعم الغرب في الحرب الروسية الاوكرانية، لا ينحصر في كذبة الغرب عن اسلحة الدمار الشامل العراقية، والتي كانت سببا لحرب مدمرة مازال العراق والمنطقة يدفعان اثمانا باهظة بسببها، فالغرب كان ومازال يكذب، وكانت اكاذيبه سببا لدمار العديد من الدول، فالحروب التي شُنت على ليبيا وسوريا واليمن، وحرب الابادة التي تُشن على الشعب الفلسطيني منذ 70 عاما، كلها كانت مبنية على اكاذيب، وهذه الاكاذيب هي التي جعلت دول العالم تتخذ هذا الموقف من الحرب في اوكرانيا.
لقد نسى او تناسى دوفيلبان ان يشير الى الكذبة الغربية الأحدث وهي كذبة “اتفاقيات مينسك”، التي وقعها الغرب مع روسيا، من اجل تسوية الازمة بين اوكرانيا وروسيا، والتي تبين لاحقا انها كذبة غربية، وهو ما كشفت عنه المستشارة الألمانية السابقة انجيلا ميركل، عندما قالت ان الهدف من الاتفاقيات لم يكن تنفيذها، انما منح اوكرانيا الوقت الكافي لتعزيز قدراتها العسكرية، لان حلف الناتو لم يكن قادرا على إمداد قوات كييف بالأسلحة خلال تلك الفترة، وكان بحاجة الى وقت، وهذا الوقت وفرته اتفاقيات مينسك، اي ان الغرب لم يكن مقتنعا بالاتفاقيات اصلا، وانه كان يعد العدة للحرب.
اللافت ان فرنسا، كانت من بين الدول التي شاركت في خداع روسيا، واستخدمت الاتفاقيات من اجل امداد الجيش الاوكراني بالسلاح استعدادا للحرب، اذا ما رفضت روسيا ضم اوكرانيا الى حلف الناتو، وهو ما حصل بالفعل.
اما الكذبة الغربية الاخرى، فهي كذبة دعم الغرب للاتفاق النووي مع ايران، فمجرد ان انسحبت امريكا من الاتفاق، حتى انحازت اوروبا الى الموقف الامريكي، رغم ان ايران كانت ملتزمة بالاتفاق، وطلبت من اوروبا تعويضها عن الخسائر التي تعرضت لها، بسبب انسحاب امريكا من الاتفاق، ولكن دون جدوى.
هذه الاكاذيب وغيرها الكثير هي التي جعلت دول العالم ترفض الوقوف الى جانب الخندق الغربي في الحرب الروسية الاوكرانية، بل انها اخذت تنظر بعين الريبة الى هذه الحرب، التي يدفع فيها الشعب الاوكراني اثمانا باهظة، فقط لمجرد ان امريكا تريد توسع الناتو ليصل الى حدود روسيا، وهو توسع كان واضحا منذ البداية، ان روسيا لم ولن تسمح به.
*ماجاء في المقال لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع