اخر الاخبار

آيات قرآنية في كتاب الخمس للسيد هادي الميلاني وتعليق السيد فاضل الميلاني (ح 2)‎

د. فاضل حسن شريف

جاء في کتاب محاضرات في فقه الإمامية (الخمس) للسيد محمد هادي الميلاني وتعليق السيد فاضل الميلاني: علاقة الخمس بالمؤنة: (الخمس مما يفضل عن مؤونته) وكذلك الروايات الأخر. وهذه إمّا شارحة لذلك الحكم الوضعي أعني الخمس فيكون الحاصل أن المجعول في الشريعة هو ملكية خمس ما عدا الفائدة المصروفة في المئونة، وذلك حكم لموضوع مخصوص لا يعمّ المئونة أصلا، فلا وجه للقول بأن المصرف في المئونة فيه اقتضاء لثبوت الخمس، وذلك نظير قوله تعالى: “ولأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ” (النساء 12) وقوله تعالى: “فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ” (النساء 12) حيث إن الظاهر أن الموصى به وما يقابل الدين ليس فيه اقتضاء الوراثة. وإمّا أنها توجب تقييد الخمس الوارد في الآية والحديث، ويكون المعنى أن المجعول في الشريعة هو ملكية الخمس في الزائد على المئونة، وأما خمس نفس المؤونة فلم تنله يد الجعل حتى في مقام الاستعمال، فلا عموم ولا مخصّص في البين، وإنما يتمّ المصير إلى التخصص لو كان قوله عليه السلام: (الخمس بعد المؤونة) كناية عن تخصيصها لعموم كل فائدة فيها الخمس، وذلك خلاف الظاهر. والتقريب: أن كلمة (بعد) ظرف زمان، والمئونة عبارة عن مؤنة السنة، فتعلَّق الخمس وضعا وتكليفا يتوقف على مضي الحول، فيشكل على ما هو المشهور بأنه خلاف ما يستفاد من الروايات، كما يشكل عليه بما ذكره ابن إدريس من أن إحراز أن ما يؤديه من الخمس فاضل المئونة يتوقف على مضي الحول، ويزيد على ذلك إشكالا أنه بناء على ما يذهب إليه المشهور من تعلَّق الخمس بالعين لو كان غير مشروط بمضي الحول فكل ربح في أثناء السنة يكون فيه الخمس، ولا يجوز أن يكتسب به، مع أن السيرة قائمة بالاكتساب بمجموع رأس المال والأرباح المتجدّدة في طول السنة. والتحقيق: أن المشهور هو المنصور، فان كلمة (بعد) لا تتعين في الاستعمال في الزمان بالدلالة المطابقية، فإنها كما تستعمل في ذلك، كما في قوله تعالى: “فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا” (التوبة 28) وقولك: آتيك بعد الظهر مثلا، تستعمل كذلك في النوبة المتأخرة فيما يبتني أمره على التناوب، فيقال: ليركب السفينة مثلا زيد بعد عمرو، وخالد بعد زيد، وهكذا. وتستعمل في الرتبة المتأخرة، ويقال: زيد بعد عمرو في الفضيلة، ومنه قولهم: الأفضل فالأفضل. وتستعمل فيما لا مساس له بالزمان كما في قوله تعالى: “وإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ” (آل عمران 160) وقوله تعالى: “ولَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ” (فاطر 41) وقوله تعالى: “فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ” (الأعراف 185) وتستعمل في التحديد كما في قوله تعالى: “يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۚ فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ۖ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ۚ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ ۚ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ۚ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ۚ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (11) وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ ۚ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ ۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۚ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ ۚ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم ۚ مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ ۚ فَإِن كَانُوا أَكْثَرَ مِن ذَٰلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ ۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ ۚ وَصِيَّةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12)” (النساء 11-12) ونحو ذلك فان كلمة (بعد) في هذه الآيات الشريفة لتحديد دائرة الإرث. فما ورد من أن (الخمس بعد المئونة) لا بدّ من كونه مخصصا لعموم ما ورد من (أن الخمس في كل ما أفاده الناس من قليل أو كثير) وما ورد من قوله عليه السلام (على كل امرئ غنم أو اكتسب الخمس مما أصاب) ونحو ذلك.

عن تقسيم الخمس: وأن سهامه ستة. وذلك هو المشهور المعروف، بل قال بعضهم: إنه من دين الإمامية، وبعضهم: إنه مذهب أصحابنا، وبعضهم نقل الإجماع عليه صريحا. واستدلَّوا عليه بالآية المباركة، وبالروايات. أمّا الآية فهي آية الغنيمة “واعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ولِلرَّسُولِ ولِذِي الْقُرْبى والْيَتامى والْمَساكِينِ وابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِالله وما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ والله عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” (الأنفال 41) فإن الأمر الواحد إذا جعل لمتعدّد، فظاهره التقسيم فيهم. نعم، ربما يقال: إن اللَّه تعالى لم يقل إنّ خمسة لله وللرسول ولذي القربى كما قال في آية الفيء: “ما أَفاءَ الله عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ ولِلرَّسُولِ ولِذِي الْقُرْبى والْيَتامى والْمَساكِينِ وابْنِ السَّبِيلِ” (الحشر 7) بل اسم أنّ وقال عز من قائل “فإنّ للَّه خمسه” (الأنفال 41) وهذا يفيد إن الخمس بأجمعه له تعالى، وأن عطف جملة ولرسوله، ولذي القربى لإفادة أن لهما حق التصرف فيه، كما يقال: إن البستان لزيد ولوكيله ولمن يتولى أمره ونحو ذلك. لكن ذلك خلاف ظاهر العطف، ولعل تأخير اسم أنّ وتقديم لفظ الجلالة لأجل التعظيم أو بيان شرافة الخمس. وأما السر في عدم ذكر اللام في اليتامى وصاحبيه فلا يحضرني ما اعتمد عليه بكلام قاطع، والعلم لديه تعالى. نعم على ما تضمنه بعض الأحاديث من أن الخمس يصل كلَّه إلى الإمام، وبيده الأمر، وأن الأصناف الثلاثة من بني هاشم عائلته، وهو يتولى أمرهم، فليس لهم جهة استقلال، فمقتضى ذكر اللام أي إن هؤلاء الأصناف وإن كانوا يستحقون الخمس ولهم سهامهم، لكن ذلك بإعطاء الإمام لهم، وإن أعوزت تمّمها من نصيبه، وإن فضلت أخذ ما يفضل، يمكن أن يكون ذلك بعض السر في ذلك. وكيف كان فإن الآية بظاهرها تدلّ على تقسيم الخمس ستة أسهم. إن قلت: كيف يستدلّ بالآية على تقسيم مطلق الخمس ستة أقسام، مع أنها تختص بغنيمة الجهاد، لأنها بعد قوله تعالى: “وقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ ويَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ” (الأنفال 39). قلت: إن الآية لها العموم، حيث إنها بمثابة (أن كل شيء غنمتموه) والعام لا يخصّص بالمورد، فهي شاملة لخمس المعدن والغوص والكنز وأرباح المكاسب أيضا. نعم، شمولها لخمس الحلال المختلط بالحرام، والأرض التي اشتراها الذمي يحتاج إلى مزيد التأمل.

وعن سهام اليتامى والمساكين وابن السبيل، كل سهم منها ملك لكل طائفة منهم أو حق؟ وقبل البحث ينبغي تقديم مقدمة فيها أمور: الأول: إن الحق بمعناه الأولى اللغوي يعمّ الملك وغيره، لكن في عالم الجعل والتشريع يختلفان بحسب الاعتبار. وبعبارة أخرى: الحق في اللغة بمعنى الحقيقة الثابتة المتعينة، سواء استعمل بالمعنى الوصفي كما في قوله تعالى: “إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ” (غافر 55) أو بالاشتقاق كما في قوله تعالى: “لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ” (يس 7) وقوله تعالى: “ويُحِقُّ الله الْحَقّ” (يونس 82) ففي التكوينيات يتبادر منه هذا المعنى، وأما في التشريع هو اعتبار كون من له الحق حقيقا وأهلا لشيء، سواء كان في مورد الوجوب أو الندب. الثاني: إنّ للحقّ أنحاء خمسة من الإضافة. فتارة: يضاف إلى ما يستحقه من فعل نفسه كحق القضاوة وحق الخيار. وأخرى: يضاف إلى ما يستحقه من فعل الغير كحق النفقة على الوالدين أو الولد أو الزوج. وثالثة: يضاف إلى السبب لفعل نفسه كحق التحجير وحق الوصاية. ورابعة: يضاف إلى السبب بفعل الغير كحق الأبوّة وحق الجوار. وخامسة: يضاف إلى من له الحق كحق المارّة، وحق الناس في الماء والكلأ. وغير ذلك. الثالث: إن الإضافة الخامسة إذا كان المضاف إليه عاما مجموعيا فهو لجميعهم بنحو العموم الاستغراقي، فإن كانوا يستحقون لفعل نفسهم كالأكل في حال المرور والشرب من الماء، فالاختيار لهم في إعمال الحق، وليس يجب على صاحب البستان أو الماء أن يحثّهم على إعمال الحق، وإنما الذي عليه أن لا يمنعهم. وإن كانوا يستحقون الصرف فيهم، فتارة يجب الصرف في جميعهم كحق الأولاد، وأخرى يجب الصرف في دائرتهم بحيث يكون الاختيار بيد من عليه أن يصرف كما في الوصية بإطعام الفقراء، والنذر للعلماء، والوقف للطلَّاب ونحو ذلك، فلا يجب عليه أن يستوعبهم، ويكفي ما يصدق عليه أنه صرفه فيهم.