اخر الاخبار

آيات قرآنية في كتاب دعاء عاشوراء للسيد الحسني (ح 9)‎

د. فاضل حسن شريف

جاء في کتاب دعاء الإمام الحسين في يوم عاشوراء بين النظرية العلمية والأثر الغيبي للسيد نبيل الحسني: قال الامام الحسين عليه السلام: (اما والله لا تلبثون بعدها إلا كريث ما يركب الفرس حتى تدور بكم دور الرحى وتقلق بكم قلق المحور عهد عهده إلي أبي عن جدي فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون. “ثُمَّ كيدُونِ فَلا تُنْظِرُون‌” (الأعراف 195). إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم اللهم احبس عنهم قطر السماء وابعث عليهم سنين كسني يوسف وسلط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأسا مصبرة ولا يدع فيهم أحدا إلا قتلة بقتلة وضربة بضربة ينتقم لي ولأوليائي وأهل بيتي وأشياعي منهم فإنهم غرونا وكذبونا وخذلونا وأنت ربنا عليك توكلنا واليك أنبنا واليك المصير).

وعن تعريفه لهم بمنزلته الشرعية يقول السيد الحسني في كتابه: فقال عليه السلام: (أو لم يبلغكم ما قال رسول الله. لي ولأخي: هذان سيدا شباب أهل الجنة). جيم. دفعه لشبهة عدم سماعهم حديث رسول الله. فيه وفي أخيه الحسن علیهما‌ السلام، فقال: (وإن كذبتموني فإن فيكم من لو سألتموه عن ذلك أخبركم، سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري وأبا سعيد الخدري وسهل بن سعد الساعدي وزيد بن أرقم وأنس بن مالك، يخبروكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله. لي ولأخي، أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي؟). دال. وهنا أراد عليه السلام دفع شبهة الخروج الشرعي لقتاله، من خلال الاجتهادات المنحرفة التي وسمت تحرك الإمام الحسين عليه السلام بالخروج على الأمة ولذا: فإن كثيراً منهم زحفوا وهم يعتقدون تحصيل رضا الله والفوز بالجنة، أي إنهم خرجوا للجهاد الذي هو باب من أبواب الجنة. ومن هنا: أراد الإمام الحسين عليه السلام كشف هذه الشبهة العقائدية وإظهار بطلانها وضلالها فكيف لمن أراد الجنة أن يقدم على قتل سيد شباب أهل الجنة؟ إلا اللهم أن تكون هناك جنتان واحدة جاء بها القرآن الكريم ورسول الله. وهذه سيد شبابها الحسن والحسين علیهما‌ السلام، والجنة الثانية جاء بها بنو أمية وأسيادها أبو سفيان وابنه وحفيده ومروان بن الحكم وولده. وهذه الجنّة لا يعرفها الله ورسوله. ولم يخلقها بل خلق: “لِلظَّالِمينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَ إِنْ يَسْتَغيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَ ساءَتْ مُرْتَفَقا” (الكهف 29). ولذلك أراد شمر بن ذي الجوشن أن يذر الرماد في العيون كمحاولة فاشلة في صرف الأذهان عن هذه الكلمات التي جردت الجيش من أهم عناصر تجمعه إلا وهو العنصر العقائدي. فقال تعقيبا على كلام الإمام الحسين عليه السلام: (هو يعبد الله على حرف إن كان يدري ما يقول). فرد عليه حبيب بن مظاهر الأسدي: (والله إني لأراك تعبد الله على سبعين حرف، وأنا أشهد أنك صادق ما تدري ما يقول قد طبع الله على قلبك). قال تعالى: “إِنَّ الَّذينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ كُبِتُوا كَما كُبِتَ الَّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ قَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ بَيِّناتٍ وَ لِلْكافِرينَ عَذابٌ مُهين‌” (المجادلة 5). وقوله تعالى: “إِنَّ الَّذينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ” (المجادلة 20). وقوله عز‌و‌جل: “وَ مَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى‌ وَ يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبيلِ الْمُؤْمِنينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَ نُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَ ساءَتْ مَصيرا” (النساء 115). وقال سبحانه وتعالى: “ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ مَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَديدُ الْعِقاب‌” (الأنفال 13). ناهيك عن أن هذه الجموع التي أحاطت بابن بنت رسول الله. وأطفاله وإنزال الأذى والخوف والذعر بهم لاسيما أولئك الأطفال الذين أهالهم صوت الطبول وقرقعة السلاح وهم على تلك المنزلة الخاصة من رسول اللهصلى‌ الله ‌عليه وآله‌ وسلم والقرابة القريبة منه لا شك أن ذلك قد آلمه. أشد الألم وآذاه أيما أذى. وقد قال تعالى في محكم التنزيل: “إِنَّ الَّذينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهينا” (الأحزاب 57).

جاء في کتاب دعاء الإمام الحسين في يوم عاشوراء بين النظرية العلمية والأثر الغيبي للسيد نبيل الحسني: وضع عليه السلام النقاط على الحروف في كشف ما انطوت عليه عزيمة عبيد الله بن زياد ومن سيقوم بتنفيذ هذا الأمر. وجاء ذلك في قوله عليه السلام: (ألا وإن الدعي ابن الدعي قد تركني بين السلة والذلة وهيهات له ذلك مني! هيهات منا الذلة). إظهار موقفه الشرعي من هذه الحرب. وجاء ذلك في قوله عليه السلام: (هيهات منا الذلة أبى الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنون، وحجور طهرت وجدود طابت، أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام، ألا وإنّي زاحف بهذه الأسرة على قلة العدد، وكثرة العدو، وخذلة الناصر). إخبارهم بسنة كونية وهو ما يعرف بالسنن التاريخية كنتيجة حتمية الوقوع لما سيقترفون من ظلم. وهو قوله عليه السلام: (أما والله لا تلبثون إلا كريث ما يركب الفرس حتى تدور بكم دور الرحى، وتقلقون قلق المحور، عهد عهده إلي أبي عن جدي، فأجمعوا أمركم وشركاءكم، ثم لا يكن أمركم عليكم غمة، ثم اقضوا إلى ولا تنظرون، إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم). ونتيجة لما تقدم: يكونون قد استحقوا العذاب الإلهي، فكان أول مصادر نزوله وتحققه هو دعاء حجة الله تعالى عليهم بسوء العذاب، وإلاّ فإنّ أئمة أهل البيت عليهم السلام اصطفاهم الله تعالى لرحمة الأمة لا سبباً للعذاب. قال تعالى: “إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى‌ آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمين‌” (آل عمران 33). لاسيما وأن هذا الدعاء جاء بعد الخطبة الثانية التي تغير فيها أسلوب الخطاب معهم، لأنهم صرحوا بقتله عليه السلام على الرغم من تلك الحجج البالغة التي قدمها إليهم.

عن إيكال الانتقام إلى الله تعالى يقول السيد الحسني في كتابه: يسلك الإمام الحسين عليه السلام في أمر القصاص من الظالمين نفس مسلك القرآن الكريم كما أنه لم يتعدَّ مسلك رسول الله. إلا أن السمة التي اتسم بها منهج الإمام الحسين عليه السلام في القصاص من الظالمين هو إيكال أمر الانتصار على الظلمة إلى الله تعالى. بمعنى: أن الإمام الحسين عليه السلام كان يمكن أن ينتصر لنفسه من الظالمين بما أعطاه الله تعالى من ولاية كونية فيأتيهم بجنود كما قال نبي الله سليمان عليه السلام: “فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها” (النمل 37). إلا أنه أوكل الأمر إلى الله تعالى لحكمة يظهرها الحديث الوارد عن الإمام الصادق عليه السلام. فعن عبد الله بن سنان، عن الإمام الصادق عليه السلام قال: (أوحى الله عز وجل إلى بعض أنبيائه: يا ابن آدم اذكرني في غضبك أذكرك في غضبي لا أمحقك فيمن أمحق وارض بي منتصرا فإن انتصاري لك خير من انتصارك لنفسك).