اخر الاخبار

آيات قرآنية في كتاب دعاء عاشوراء للسيد الحسني (ح 8)‎

د. فاضل حسن شريف

جاء في کتاب دعاء الإمام الحسين في يوم عاشوراء بين النظرية العلمية والأثر الغيبي للسيد نبيل الحسني: عن اجتماع الهم والغم في بعض الأحيان فيكونان (المصيبة): حينما خلق الله تعالى الحياة الدنيا جعلها محفوفة بالبلايا والمكاره مما يجعل البلاء يتفاوت في مراتب الشدة ويتنوع في مجاريه الحياتية، فمرة يصيب العافية، ومرة يصيب المال، وأخرى الولد وأخرى الإيمان نعوذ بالله من مواطن الابتلاء بالإيمان. وقد أشار القرآن إلى كثير من هذه الابتلاءات وبين آثارها على الإنسان ونبه إلى طريقة التعامل معها ونهى عن الانزلاق في نتائجها كالجزع والتقصير والكفر وغيرها. وفي نفس الوقت أشار القرآن الكريم إلى منزلة الفائز في هذه الابتلاءات لدرجة أنه خصهم بصلاة الرحمن جلت قدرته لاسيما في مواطن المصيبة والتي كما أسلفنا تتكون من اجتماع الهم والغم في منزل واحد، قال تعالى: “الَّذينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ * أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ” (البقرة 156-157). ولشدة ما يصيب القلب من الانقباض والكدورة وانحصار الدم فيه استحق أصحاب المصائب هذه الرتبة. أما اختلاف أنواع الابتلاءات فقد دل عليها قوله تعالى: “وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْ‌ءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ الصَّابِرين‌” (البقرة 155). إذن: تجتمع على الإنسان في مرحلة من مراحل حياته ابتلاءات يكون فيها الهم والغم قرينين وهو ما أشار إليه الإمام الحسين عليه السلام في دعائه. فقد جعل للهم دلالتين وللغم دلالتين في دعائه. لم يصب أحد من أولياء الله بمثل ما أصيب به حتى الأنبياء عليهم السلام فهم في حالة الهم في نزول البلاء وليس الغم لأنهم يرجون دفع البلاء عنهم في جميع لحظات الحرب أو البلاء، قال تعالى: “حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَ لا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمين‌” (يوسف 110). في حين كان سيد الشهداء عليه السلام موقناً لا محالة بما سيحل به مفوضا أمره إلى الله تعالى، لأنه مأمور بالذهاب إلى هذا البلاء وتلقيه بنفس راضية مطمئنة ولطالما بيّن ذلك في يوم عاشوراء حيث قال: (هون ما نزل بي أنه بعين الله).

وعن علاقة الهم بالفؤاد يقول السيد نبيل الحسني: غالبا ما نجد الدلالة اللفظية بين أهل اللغة والقرآن مختلفة، فدلالة الفؤاد عند اللغويين هي القلب، وقيل: وسطه، وقيل: غشاء القلب، والقلب حبته وسويداؤه. والدلالة اللفظية للفؤاد في القرآن: هي الفكر. قال تعالى: “ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى‌” (النجم 11). وقال تعالى: “وَ اللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَ جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصارَ وَ الْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون‌” (النحل 78). قال العلامة الطباطبائي قدس‌سره: (والآية تشير إلى مبادئ العلم الذي أنعم بها على الإنسان فمبدأ التصور هو الحس والعمدة فيه السمع والبصر، وإن كان هناك غيرهما من اللمس والذوق والشم ومبدأ الفكر هو الفؤاد). وفي موضع آخر يشير إلى الحكمة في ابتداء الآية الكريمة بالسمع والبصر ودورهما في اكتساب العلم ودور الفؤاد في ذلك فيقول: افتتح سبحانه من نعمه التي أنعمها عليهم بذكر إنشاء السمع والبصر وهما نعمتان خص بهما جنس الحيوان خلقتا فيه إنشاء وإبداعا لا عن مثال سابق إذ لا توجدان في الأنواع البسيطة التي قبل الحيوان كالنبات والجماد والعناصر.

وعن الشماتة يقول السيد الحسني في كتابه: وقد تحدث القرآن الكريم وأهل البيت عليهم السلام عن تلك الآثار التي تخلفها الشماتة على النفس وعلى العلاقة الاجتماعية. 1ــ قال تعالى: “فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ” (الأعراف 150). 2ــ وفي وصف المتقين قال أمير المؤمنين عليه السلام: (أوسع الناس صدرا، وأذلهم نفسا، ضحكه تبسما، وإفهامه تعلما، مذكر الغافل، معلم الجاهل، لا يؤذي من يؤذيه، ولا يخوض فيما لا يعنيه، ولا يشمت بمصيبة، ولا يذكر أحداً بغيبته). والصفات كثيرة أوردنا مما يناسب البحث. ومعنى الشماتة: هي فرح العدو بما يصيب الإنسان من مصيبة، وإظهار الشماتة: إظهار للفرح والسرور والبشاشة والضحك عند المصائب، وبالقول مثل الهزء والسخرية به. وقد نهى أئمة العترة عليهم السلام عن إبداء الشماتة لما يترتب على صاحب المصيبة من آلام نفسية كبيرة، وتعاظم للخصومة والعداوة، بل إن إظهار الشماتة يعزز الاعتقاد بعداوة العدو فيجر ذلك إلى التربص والانتقام.

وعن (الشكوى إلى الله تعالى) يقول السيد نبيل الحسني: فهي من أهم العوامل التي تعمل على تفريج الهموم لأنها تعيد القلب إلى وضعه الطبيعي وهو أشبه ما يكون بإرجاع السمكة إلى النهر، أو إعادة الطفل الرضيع إلى محالب أمه، وكذلك قلب الإنسان فإنه بالرجوع إلى الله تعالى وشكاية الهموم إليه يتحقق له الاستقرار والطمأنينة، لقوله تعالى: “أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوب‌” (الرعد 28)

وعن تقديم ذكر المنعم على طلب النعمة: بعد التوجه لله تعالى وحمده، ينتقل الإمام الحسين عليه السلام إلى تقديم ذكر المنعم على طلب النعمة، بوصفها النعمة بيد صاحبها الذي جاد بها على العبد فيلزم تأدبا أن يقدم ذكر صاحب النعمة ومالكها على ذكر نفس النعمة، كمن يريد نعمة العافية، فعليه تقديم ذكر صاحب العافية قبل ذكر العافية. وعلى من أراد الذرية فعليه تقديم واهب الذرية على الحاجة. كما في قوله تعالى: “رَبِّ لا تَذَرْني‌ فَرْداً وَ أَنْتَ خَيْرُ الْوارِثين” (الأنياء 89). فالتربية القرآنية للدعاء قدمت ذكر المنعم (ربي) على ذكر النعمة وهي الذرية. ومن معنى الوحي القرآني يربينا الإمام الحسين عليه السلام على التأدب في الخطاب مع الله تعالى ولذا نراه بأبي وأمي قدم (أنت ثقتي)، (ورجائي)، (وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة)، بعدها يعرض حاجته فيقول: (كم من همٍ يَضْعفُ فيه الفؤاد)، (وتقلّ فيه الحِيلة)، (ويَخذُلُ فيه الصّديق)، (ويشمت فيه العدوّ).