د. فاضل حسن شريف
جاء في کتاب دعاء الأسحار للإمام علي بن الحسين السجاد برواية أبي حمزة الثمالي للشيخ محمد مهدي الآصفي: (وَلَيسَ مِن صِفاتكَ يا سَيدي أنْ تَأمر بالسّؤال وَتَمنع العطيّة، وَأنت المنّان بِالعطيّات عَلى أهل مَمْلكتك، وَالعائد عَليهم بَتحنن رَأفتك إلهي رَبيتني في نِعمك وَإحسانك صغيراً، وَنوّهت بأسمي كَبيراً، فيا مَن ربّاني في الدنيا بإحسانه وَتفضّلهِ وَنَعمهِ، وَأشار لي في الآخرة إلى عَفوه وَكرمه. مَعرفتي يا مَولاي دَليلي عَليك، وَحبي لَك شَفيعي إليك وَأنا واثق مِنْ دَليلي بِدلالتك، وَساكن من شفيعي إلى شفاعتك).عاد بالمعروف: صنعه معه. والعائدة المعروف والصلة الإحسان، والعائدة العطف والإحسان جمعه عوائد، ومنه الدعاء (إلهي عوائدك تؤنسني)، ومنه ما تقدم في زيارة امين الله (وعوائد المزيد متواترة)، والعائد المتعطف والمحسن. والتحنن: الترحم، والمعنى: أنت سبحانك المتعطف عَلى عبادك برحمتك ورأفتك. نوهت باسمي: أي رفعت ذكري. معرفتنا بالله ورحمته وكرمه دلتنا إليه تعالى، إلى التضرع إليه، وطلب رحمته ونعمائه، ونحن مؤمنون عاملون بدلالة هذا الدليل، الذي ألهمنا به الله سبحانه وتعالى. وأنا أحمل حبي لله شفيعاً لي عنده تعالى، يوم تقصر أعمالي عن النجاة من النار. وكيف يعذب الله قلباً فاض بحبه؟ ويحرق بالنار من يحمل بين جنبيه حبه والأيمان به “وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ” (البقرة 165). وساكن: أي مطمئن. والمعنى إنني اطمئن إلى شفيعي في الشفاعة عند الله. وأي شفيع يستشفع به العبد عند الله افضل من حبه لله.
عن كتاب دعاء الأسحار للإمام علي بن الحسين السجاد برواية أبي حمزة الثمالي للشيخ محمد مهدي الآصفي: يقول الامام عليه السلام (أدعوك يا سيدي بلسان قد أخرسه ذنبه، ربِّ أناجيك بقلب قد أوبقه جرمه، أدعوك يا ربّ راهبا، راغباً، راجياً، خائفاً، إذا رأيت مولاي ذنوبي فزعت، وإذا رأيت كرمك طمعت. فإن عفوت (غفرت) فخير راحم، وإن عذبت فغير ظالم. حجتي يا الله في جرأتي عَلى مسألتك مع اتياني ما تكره جودك وكرمك، وعُدّتي في شدتي مع قلة حيائي رأفتك ورحمتك، وقد رجوت أن لا تخيب بين ذين وذين منيتي). فلا يطيق النطق خجلًا من مولاه. أوبقه جرمه: أي حبسه عن الدعاء والتضرع. فإن القلب ينشرح للدعاء والتضرع والابتهال إلى الله بالأيمان. يقول تعالى: “الَّذِينَ آمَنُوا وَ تَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ” (الرعد 28)، ويقول تعالى: “إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ” (الأنفال 2)، كما ينغلق القلب عَلى الدعاء والابتهال كلما ازداد الإنسان توغلًا في الجريمة يقول تعالى: “وَ أَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ” (التوبة 125)، ويقول تعالى: “فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً” (البقرة 10). وإذا قسى القلب، وانغلق عن الدعاء والتوجه إلى الله، ولم ينشرح لذكر الله فقد انقطع عن الله، يقول تعالى: فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ (الزمر 22). والإمام السجاد عليه السلام يناجي الله في مقام الانكسار، والتذلل، والصغار، فيقول إذا كان قلب العبد قد أوبقه جرمه، فتفضل عليه بالانشراح والتفتح. راهباً: خائفاً. فزع: ذعر وخاف. (الحجّة) ما يحتج به العبد بين يدي الله تعالى، و (العُدّة) هنا ما يستعدّ به العبد من رحمة الله تعالى وفضله لمواجهة الشدائد والأزمات في الدنيا والآخرة. الخيبة: ضد النجاح. والمنية: البغية وما يتمناه المرء.
يقول الإمام علي بن الحسين عليه السلام كما ورد في كتاب الشيخ الآصفي رحمه الله: (فحقق رجائي، واسمع دعائي، ياخير من دعاه داع، وأفضل من رجاه راج، عَظُمَ يا سيدي أملي وساءَ عملي فأعطني مِنْ عَفوكَ بِمقدار أمَلي، وَلا تؤاخذني بَأسوأ عَملي، فَإنّ كَرمَك يجلّ عَنْ مُجازاة المذنبين، وَحِلمك يَكبر عَن مُكافأة المُقصّرين، وَأنا يا سيدي عَائذٌ بِفضلك، هَاربٌ مِنكَ إليكَ، مُتنجّز مَا وَعدت مَن الصّفحِ عَمّن أَحسنَ بِكَ ظنّاً، وَما أنا يا رَبّ؟ وَما خَطري؟ هَبني بِفَضلكَ، وَتصدّق عَليّ بِعَفوك، أي ربّ جَلّلني بِسِترك، وَاعفُ عَنْ تَوبيخي بِكَرم وَجهكَ) جلّ: عظم. والمعنى: إنّ كرمك أعظم من أن تجازي مذنباً بما كان من ذنوبه بعد توبته وإنابته، وحلمك أكبر من أن تكافئ المقصرين بما كان من تقصيرهم بعد ندامتهم واعتذارهم إليك. عائذ بفضلك: أي ألوذ بفضلك وكرمك من ذنوبي وجرائمي. أنّ الهروب من الله تعالى ومن غضبه وانتقامه يستحيل عَلى المذنبين. يقول تعالى: “يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ” (الرحمن 33)، فليس من ملجأ يلوذ به المذنبون، ويفرّون إليه غير أن يلوذوا ويلجأوا إلى الله تعالى. يقول تعالى: “فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (الذاريات 50). يقول الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بهذا الصدد في الدعاء المعروف الذي يرويه عنه كميل بن زياد رحمه الله:( اللّهم عظم سلطانك، وعلا مكانك، وخفي مكرك، وظهر أمرك، وجرت قدرتك، ولا يمكن الفرار من حكومتك) فليس من ملجأ للعبد الذي قصر في أعماله غير أن يلوذ العبد بالله ويفر إليه، ويأتي الله نادماً معتذراً، منكسراً، مستقيلًا. يقول الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في نفس الدعاء: (وقد أتيتك يا إلهي، بعد تقصيري وإسرافي عَلى نفسي، معتذراً، نادماً، منكسراً، مستقيلًا، مستغفراً، منيباً، مقراً، مذعناً، معترفاً، لا أجد مفراً مما كان مني، ولا مفزعاً أتوجه إليه في أمري غير قبولك عذري، وإدخالك إياي في سعة من رحمتك). الخطر: القدر. والمعنى ما قدري وقيمتي إلهي تجاهك فامنحني عفوك ورحمتك. والإمام السجاد عليه السلام يشير هنا إلى صغار العبد وحقارته تجاه كبريائه وعظمته وسلطانه تعالى، فيقول: وما أنا يا رب؟ وما قيمتي وقدري؟ وما قيمة ما يقترفه العبد من مخالفة ويرتكبه من معصية؟ حتى تحاسبه عليه، وأنت رب السماوات والأرضين ورب العرش العظيم. ويسأل الله تعالى أن يتصدق عليه بالعفو (وتصدق علي بعفوك) وهو مأخوذ من قوله تعالى: “وَ يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ” (البقرة 219) فقد أمر الله تعالى بإنفاق العفو. وأحرى به تعالى أن ينفق هذا العفو من خزائن رحمته التي لا نفاذ لها عَلى عباده المذنبين. جللني: غطني.