د. فاضل حسن شريف
جاء في کتاب دعاء الأسحار للإمام علي بن الحسين السجاد برواية أبي حمزة الثمالي للشيخ محمد مهدي الآصفي: عن تكرار الأسماء الحسنى: يقول الله تبارك وتعالى: “وَ لِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها” (الأعراف 180). أسماء الله الحسنى مفاتيح أبواب مختلفة من رحمة الله، كل اسم منها مفتاح لباب من أبواب الرحمة. فالرزاق والرزاق مفتاح مفتاح الرزق، والودود مفتاح المودة، والشافي مفتاح الشفاء، وهكذا.
يقول الشيخ الآصفي رحمه الله في كتابه: دعاء الاسحار للامام على بن الحسن السجاد عليه السلام: (بِكَ عَرَفتُكَ، وَأنْتَ دَلَلْتَني عَلَيْكَ، وَدَعَوتَني إلَيْكَ، وَلولا أنتَ لمْ أدْرِ ما أنت). فإن الله تعالى ألهمنا معرفته وتوحيده والإخلاص له، وذلك بفضله ورحمته التي أسبغها عَلى عباده. ولولا أن الله تعالى يلهمنا معرفته وتوحيده لما عرفناه. فقد عرفناه سبحانه بما ألهمنا من الإيمان وما منحنا من الرؤية النفسية الصافية، التي لا يخالطها شك، وهو الذي دلنا عَلى نفسه، وفتح قلوبنا وعقولنا عَلى معرفته. وكل ذلك فضل منه ورحمة. يقول تعالى: “وَ اللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ” (الأحزاب 4). وفي قوله عليه السلام (بك عرفتك) أشارة إلى مسلك دقيق في معرفة الله تعالى يصطلح عليه الفلاسفة ب (برهان الصديقين)، ويتلخص في السلوك من الله إلى الله، في قبال البراهين الأخرى التي تسلك بالإنسان من المخلوق إلى الخالق، لا يسعنا تفصيله والحديث عنه الآن.
ويستمر الشيخ الآصفي رحمه الله في كتابه ذاكرا دعاء الأسحار للإمام علي بن الحسين السجاد برواية أبي حمزة الثمالي: (الحَمْدُ لله الذي أدْعُوهُ فَيُجيبُني وَإن كُنتُ بَطيئاً حينَ يَدعوني، وَالحَمدُ للهِ الّذِي أَسأَلُهُ فَيُعطينِي وإن كُنتُ بَخيلًا حينَ يَستَقرضُني، والحمدُ للهِ الّذي أُناديه كلّما شِئتُ لِحاجَتي وَأَخلُو بهِ حيثُ شِئتُ لِسرّي بِغيَرِ شَفيعٍ فَيَقضي لِي حاجَتي). يبتدأ عليه السلام بحمد الله تعالى على استجابته السريعة لدعاء عبده، يقول تعالى: “وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ” (غافر 60). وهذه نعمة تستوجب الحمد والشكر، كما يعتذر عليه السلام عن بطء العبد في الاستجابة لدعوة ربه. فله الحمد تعالى إذ يستجيب لدعائنا كلما دعوناه، وإن كنا نتباطئ ونتكاسل عن الاستجابة لأمره تعالى كلما دعانا إلى طاعة أو نهانا عن معصية. قال الله تعالى: “مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً” (البقرة 45). فلا يملك أحد من دونه تعالى شيئاً كي يقرضه لله، إلا إن من فضله تعالى ورحمته بعباده أن اعتبر ما يطلبه من عباده قرضاً، ولا يخفى عَلى القارئ ما في هذا التعبير القرآني من ألطاف ربوبية جميلة، وقد ضمّن الإمام السجاد عليه السلام هذا التعبير القرآني في مقام الحمد لله والاعتذار إليه تعالى، عن بخلنا فيما يطلب منا من خير، والخير كله منه تعالى وإليه يعود.
جاء في دعاء أبي حمزة الثمالي للامام السجاد عليه السلام (الحَمدُ للهِ الّذي لَا أَدعُو غَيرَهُ وَلَو دَعَوتُ غَيرهُ لمَ يَستَجِب لِي دُعائي، وَالحَمدُ للهِ الّذي لَا أَرجُو غَيرَهُ، وَلَو رَجَوتُ غَيرَهُ لأَخلَفَ رَجائي، وَالحمدُ للهِ الّذي وَكَلَني إليهِ فَأَكَرَمني وَلم يَكِلني إلى النّاسِ فَيُهينُوني، وَالحمدُ للهِ الّذي تَحبّبَ إليّ، وهو غَنيّ عَنّي، وَالحَمدُ للهِ الّذي يَحلُمُ عَنّي حتّى كَأَنّي لا ذَنَب لي، فَرَبّي أحمدُ شيءٍ عِندي وأَحقُّ بِحمدِي). يقول الشيخ محمد مهدي الآصفي رحمه الله: قال الله تعالى “وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ” (الرعد 14). أخلف رجاءه: أي لم يف (الغير) بوعده فيحقق له رجاءه. وكلني إليه، أي تعهد حاجاتي ورزقي فأكرم وجهي عن السؤال. وَلم يَكِلني إلى النّاسِ فَيُهينُوني أي ولم يفوض أمر رزقي وحاجاتي إلى الناس، فيهينوني. تحبب إليّ: اظهر لي الحب والود، وتودد إليّ. والمعنى: أحمد الله تعالى عَلى ما اظهر لنا من الحب، والتودّد، كرماً منه تعالى وفضلًا. فقد أسبغ تعالى حبه عَلى عباده، وهو غنيّ عن عباده. قال تعالى: “إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ” ( التوبة 4)، وقال تعالى: “إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ” (البقرة 195)، وقال تعالى: “إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ” (البقرة 222)، وقال تعالى: “وَ اللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ” (آل عمران 146).
يقول الإمام السجاد في دعائه كما ذكره الشيخ الآصفي في كتابه: (اللّهمَ إنّي أَجِدُ سُبُل المَطالِبِ إليكَ مُشرَعَةً، وَمَناهلَ الرَجاءِ لديكَ (إليك) مُترَعَةً، والاستِعانةَ بِفَضلِكَ لمن أَمّلكَ مُباحةً، وَأَبوابَ الدّعاء إليكَ للصّارخينَ مَفتوحةً، وأعلمُ أنّكَ للرّاجين بموضِعِ إِجابةٍ، وللملهوفين بِمَرصد إغاثَةٍ وَأن في الّلهف إلى جُودِكَ وَالرضا بِقضائِكَ عُوضاً مِنْ مَنْعِ الباخِلين، وَمَندوُحة عَمّا في أَيْدي المُسْتأثرين، وَأنّ الرَاحِلَ إليْكَ قَريبُ المسافة، وَأنّكَ لا تَحْتَجِبُ عَنْ خَلْقَكَ إلا أنْ تَحْجِبُهُم الأعْمَالُ دُونَكَ، وَقَدْ قَصَدْتُ إليكَ بِطَلبتي، وَتَوجّهتُ إليكَ بِحاجَتي، وَجَعلتُ بِكَ اسْتِغاثتي) مشرعة: أي مفتوحة. يقال: أَشرع بابه عَلى الطريق أي فتحه، ومنه الشارع: أي الطريق النافذ. والمنهل: المورد للشرب، يجمع عَلى مناهل. و (اترع) الإناء: امتلأ. والمناهل المترعة: الموارد التي امتلأت وفاضت بالماء. والمعنى: إني أرى السبل إلى دعاء الله والتضرع والابتهال إليه وطلب رحمته مفتوحة للداعين، وموارد رحمة الله تفيض برحمته وآلائه تعالى لمن يرجو رحمته وإحسانه. أمّلك: أي رجاك. الملهوف: المظلوم الذي يستغيث والحزين المهموم. وترصده: أي ترقبه، والمرصد موضع يترقب فيه الراصد سير الكواكب. اللهف: الاستغاثة والاضطرار واللجوء. المندوحة: السعة والفسحة. استأثر بالشيء عَلى الغير استبد به وخصّه لنفسه، وضنّ به، والمستأثر الضنين الحريص والمعنى: أن في اللجوء إلى جوده تعالى والرضا بقضائه، فيما أعطى ووهب، سعة عن اللجوء إلى ما في أيدي الناس من مال ومتاع يستأثرونه لأنفسهم، ويضنّون به. أي السالك إلى الله عن طريق الدعاء قريب المسافة إلى الله، فلا يحتجب الله تعالى عن عباده، وليس يبعد عن دعائهم وتضرعهم، يقول تعالى: “وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ” (البقرة 186). فإن الأعمال السيئة (في بعض النسخ الآمال) هي التي تحجب الإنسان عن الله، وإلا فلا يحتجب الله تعالى عن خلقه. يقول تعالى: “وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ” (ق 16). يقول تعالى: “كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ * كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ * ثُمَّ يُقالُ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ” ( المطففين 14-17). إن السيئات والمعاصي هي سبب الرين على القلوب. والرين هو الصدأ، والرين على القلوب يحجب الإنسان عن الله، وينقلب هذا الحجاب يوم القيامة إلى عذاب جهنم.
جاء في کتاب دعاء الأسحار للإمام علي بن الحسين السجاد برواية أبي حمزة الثمالي للشيخ محمد مهدي الآصفي: عن مقدمة الكتاب: دعاء الاسحار للامام على بن الحسن السجاد عليه السلام: (وَبِدُعائك تَوسّلي مِنْ غَير استحْقاقٍ لاستماعك مِنّي، وَلا استيجابٍ لِعَفوك عَنّي، بَل لِثقتي بِكَرمك، وَسُكوني إلى صِدق وَعْدك، وَلجائي إلى الإيمانِ بِتَوحيدك، وَيقيني بِمَعرفَتكَ مِني أن لا رَبّ لي غَيركَ، وَلا إله إلّا أَنت وَحْدك لا شَريك لَكَ. اللّهم أنتَ القائل وَقولُكَ حَقّ، وَوعدُكَ صِدق: “وَ سْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً” (النساء 32)). فلا نملك عملا نستحق به أن يسمع الله دعاءنا، ولم نقدم طاعة نستوجب بها العفو من لدن الله تعالى، إلا إننا نركن مع ذلك إلى رحمة الله ولطفه وعنايته بعباده ونثق بكرمه وجوده. السكون: الاطمئنان والركون. اللجاء: الملاذ. لقد وعد الله المؤمنين الذين يعملون الصالحات مغفرة وأجراً عظيماً يقول تعالى: “وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ عَظِيمٌ” (المائدة 9). ووعد الله حق وصدق، والله سبحانه لا يخلف وعده. يقول الله تعالى: “وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ” (الروم 6) ويقول: “إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ” (إبراهيم 22). جاء في بعض النسخ (رحيماً) بدل (عليماً) وهو من خطأ النساخ، وهذه الفقرة تضمين لقوله تعالى في سورة (النساء 32) “وَ سْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً”.