د. فاضل حسن شريف
2749- جاء في البيان في تفسير القرآن للسيد أبو القاسم الخوئي: قصة: قريش في محاولتهم لتعجيز النبي: ويرشد إلى ما أوضحناه في معنى الآيات الكريمة المتقدمة: الروايات التي وردت في شأن نزولها. ففي تفسير البرهان عند تفسيره هذه الآيات: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان قاعدا ذات يوم بمكة بفناء الكعبة، إذ اجتمع جماعة عن رؤساء قريش، منهم الوليد بن المغيرة المخزومي، وأبو البختري بن هشام، وأبو جهل بن هشام، والعاص بن وائل السهمي، وعبد الله بن أبي أمية المخزومي، وجمع ممن يليهم كثير، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في نفر من أصحابه يقرأ عليهم كتاب الله، يذكرهم عن الله أمره ونهيه. فقال المشركون بعض لبعض: قد استفحل أمر محمد وأعظم خطبه. تعالوا نبدأ بتقريعه وتبكيته وتوبيخه، والاحتجاج عليه، وإبطال ما جاء به ليهون خطبه على أصحابه، ويصغر قدره عندهم، فلعله أن ينزع عما هو فيه، ومن غيه وباطله، وتمرده وطغيانه، فإن انتهى وإلا عاملناه بالسيف الباتر. فقال أبو جهل: فمن ذا الذي يلي كلامه ومحاورته؟ قال عبد الله بن أبي أمية المخزومي: أنا إلى ذلك، أما ترضاني له قرنا حسيبا ومحاورا كفيا؟ قال أبو جهل: بلى. فأتوه جميعا فابتدأ عبد الله بن أبي أمية المخزومي فقال: يا محمد لقد ادعيت دعوى عظيمة، وقلت مقالا هائلا. زعمت أنك رسول الله رب العالمين، وما ينبغي لرب العالمين، وخالق الخلق أن يكون مثلك رسولا له بشرا مثلنا، تأكل كما نأكل، وتشرب كما نشرب، وتمشي في الاسواق كما نمشي. فهذا ملك الروم وملك الفرس لا يبعثان رسولا إلا كثير مال، عظيم حال له قصور ودور وفساطيط وخيام، وعبيد وخدم. ورب العالمين فوق هؤلاء كلهم وهو عبيده. لو أراد الله أن يبعث الينا رسولا لبعث أجل من فيما بيننا مالا، وأحسن حالا. فهلا انزل هذا القرآن الذي تزعم أن الله أنزله اليك وبعثك رسولا على رجل من القريتين عظيم، إما الوليد بن مغيرة بمكة، وإما عروة بن مسعود الثقفي بالطائف. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فهل بقي من كلامك شيء يا عبد الله؟ قال: بلى لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا بمكة هذه، فإنها ذات أحجار وعرة وجبال، تكسح أرضها وتحفرها، وتجري فيها العيون فإنا إلى ذلك محتاجون، أو يكون لك جنة من نخيل وعنب فتأكل منها وتطعمها، وتفجر الانهار خلالها تفجيرا، أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا، فإنك قلت لنا: وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم، فلعلنا نقول ذلك. ثم قال: ولن نؤمن لك أو تأتي بالله والملائكة قبيلا تأتي بهم وهم لنا مقابلون أو يكون لك بيت من زخرف تعطينا منه وتغنينا فلعلنا نطغى فإنك قلت لنا: كلا إن الانسان ليطغى أن رآه استغنى. ثم قال: أو ترقى في السماء ولن نؤمن لصعودك حتى تنزل علينا كتابا من الله العزيز الحكيم، إلى عبد الله بن أبي أمية المخزومي ومن معه بأن آمنوا بمحمد ابن عبد الله بن عبد المطلب، فإنه رسولي، وصدقوه في مقاله فإنه من عندي. لا ادري يا محمد إذا فعلت هذا كله اؤمن بك أو لا اؤمن بك، لو رفعتنا إلى السماء، وفتحت أبوابها، ودخلناها لقلنا إنما سكرت أبصارنا وسحرتنا.
ويستطرد السيد الخوئي قدس سره في تفسيره البيان: فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اللهم أنت السامع لكل صوت، والعالم بكل شيء، تعلم ما قاله عبادك.. وأما قولك: إن هذا ملك الروم، وملك الفرس لا يبعثان رسولا إلا كثير المال. فإن الله له التدبير والحكم، لا يفعل على ظنك وحسابك واقتراحك، بل يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.. فلو كان النبي صاحب قصور يحتجب فيها، أو عبيد وخدام يسترونه عن الناس أليس كانت الرسالة تضيع والامور تتباطأ؟ وأما قولك لي: ولو كنت نبيا لكان معك ملك يصدقك ونشاهده فالملك لا تشاهده حواسكم، لانه من جنس هذا الهواء لاعيان منه، ولو شاهدتموه بأن يزاد في قوى أبصاركم لقلتم: ليس هذا ملك بل هذا بشر لانه إنما كان يظهر لكم بصورة البشر الذي ألفتموه لتفهموا عنه مقاله. وأما قولك: ما أنت إلا رجلا مسحورا فكيف أكون كذلك وأنتم تعلمون أني في التمييز والعقل فوقكم، فهل جربتم علي مذ نشأت إلى أن استكملت أربعين سنة جريرة أو كذبة أوخنى، أو خطأ من القول أو سفها من الرأي؟ أتظنون أن رجلا يعتصم طول هذه بحول نفسه وقوتها أو بحول الله وقوته؟. وأما قولك: لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم. فإن الله ليس يستعظم مال الدنيا كما تستعظمه أنت، ولا خطر له عنده كماله عندك. وليس هو عز وجل مما يخاف أحدا كما تخافه لما له وحاله. وأما قولك: لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا، إلى آخر ما قلته، فإنك اقترحت على محمد رسول الله أشياء: منها ما لو جاءك به لم يكن برهانا لنبوته، ورسول الله يرتفع أن يغتنم جهل الجاهلين ويحتج عليهم بما لا حجة فيه. ومنها ما لو جاءك به كان معه هلاكك، وإنما يؤتى بالحجج والبراهين ليلزم عباد الله الايمان، لئلا يهلكوابها، فإنما اقترحت هلاكك، ورب العالمين أرحم بعباده، وأعلم بمصالحهم من أن يهلكهم كما يقترحون، ومنها المحال الذي لا يصح ولا يجوز كونه. ومنها ما قد اعترفت على نفسك أنك فيه معاند متمرد لا تقبل حجة، ولا تصغي لبرهان.
فأما قولك: يا عبد الله لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا فإنك سألت هذا وأنت جاهل بدلائل الله، أرأيت لو فعلت هذا كنت من أجل هذا نبيا؟ فما هو إلا كقولك لن نؤمن لك حتى تقوم وتمشي على الارض.. أو ليس لك ولاصحابك جنان من نخيل وعنب بالطائف تأكلون وتطعمون منها، وتفجرون خلالها تفجيرا، أفصرتم أنبياء بهذا؟.
ويستمر المرجع الديني السيد أبو القاسم الخوئي في تفسير عن محاورة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم مع كفار قريش: وأما قولك: أو تسقط السماء كما زعمت كسفا. فإن في سقوط السماء عليكم موتكم وهلاككم، فإنما تريد بهذا من رسول الله أن يهلكك ورسول رب العالمين أرحم بك من ذلك ولا يهلكك، لكنه يقيم عليك حجج الله، وليس حجج الله لنبيه وحده على حسب الاقتراح من عباده، لان العباد جهال بما يجوز من الصلاح وما لا يجوز من الفساد.. وهل رأيت يا عبد الله طبيبا كان دواؤه للمرضى على حسب اقتراحهم؟.. فمتى رأيت يا عبد الله مدعي حق من قبل رجل أوجب عليه حاكم من حكامهم فيما مضى بينة على دعواه على حسب اقتراح المدعى عليه. وأما قولك: أو تأتي بالله والملائكة قبيلا يقابلوننا ونعاينهم، فإن هذا من المحال الذي لا خفاء به إن ربنا عز وجل ليس كالمخلوقين يجئ ويذهب ويقابل ويتحرك، ويقابل شيئا حتى يؤتى به، فقد سألتم بهذا المحال. وأما قولك: يا عبد الله أو يكون لك بيت من زخرف وهو الذهب أما بلغك أن لعظيم مصر بيوتا من زخرف؟ قال: بلى. قال: أفصار بذلك نبيا؟ قال: لا. قال صلى الله عليه وآله وسلم فكذلك لا يوجب ذلك لمحمد لو كان له نبوة، ومحمد لا يغتنم جهلك لحجج الله. وأما قولك: يا عبد الله: أو ترقى في السماء، ثم قلت: ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه، يا عبد الله الصعود إلى السماء أصعب من النزول عنها، فإذا اعترفت على نفسك أنك لا تؤمن إذا صعدت فكذلك حكم نزولي، ثم قلت: تى تنزل علينا كتابا نقرؤه، من بعد ذلك لا أدري اؤمن بك؟. فأنت يا عبد الله مقر بأنك تعاند حجة الله عليك.. وقد أنزل الله تعالى علي كلمة جامعة لبطلان ما اقترحته فقال: قل يا محمد سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا. وليس لي أن آمر ربي ولا أنهى ولا أشير).