أوضح مستشار رئيس الوزراء للشؤون المالية، مظهر محمد صالح، اليوم الاحد، ما يتم تداوله في بعض وسائل الإعلام بشأن إمكانية استخدام الدينار بدل الدولار في مبيعات النفط.
وقال صالح في حديث للوكالة الرسمية، إن “اعتماد الدينار في تسعيرة النفط أو ما يسمى (البترو دينار) ولاسيما عندما تكون العملة الوطنية هي ليست من العملات الاحتياطية الدولية، فإن الأمر يقتضي ابتداءً توافر عملات احتياطية أجنبية أو ذهب كما فعلت روسيا عند ابتياع النفط الروسي بالروبل المغطى بالذهب وتسبب بمشكلات سنأتي عليها لاحقاً”.
وأضاف أن “تلك الاحتياطيات الأجنبية يجب أن تكون متوافرة (كشرط ضروري) وتعمل على وفق معيار عالٍ من الكفاءة الضامنة لاستقرار سعر الصرف المربوط بالنفط (البترو دينار) بغية التحوط لمواجهة تقلبات أسعار النفط لضمان استقرار سعر صرف (البترو دينار) نفسه ابتداء”.
وتابع أن “ربط مبيعات النفط بالدينار على أساس ثابت بأسعار النفط بدلاً من قاعدة الاحتياطيات الأجنبية يعني ربط الدينار بدورة الأصول النفطية أولاً، وأن يتم بيع النفط على وفق أسعار النفط العالمية، فاذا كان سعر صرف الدينار (البترودينار) إزاء (البترودولار) ثابتاً مثلاً وانخفضت أسعار النفط فإن الطلب على الدينار لأغراض التحاسب ستهبط بالتأكيد، وستتم مبادلة الدينار بالنفط بكميات أكبر وطلب على (البترودينار) أقل، ويحصل العكس بالعكس”.
وأشار الى أن “أي انحراف بين أسعار النفط (البترودولار) وسعر الصرف(البترودينار) على وفق معطيات السوق الدولية سيعد كلفة تقتضي التعويض بدفع دنانير أقل أو تحصيل دينار أعلى في الحالة المعاكسة”، مبيناً أن “العملات الاحتياطية الدولية هي عملات أجنبية تحتفظ بها البنوك المركزية والمؤسسات المالية العالمية كجزء من احتياطاتها النقدية، وتُستخدم هذه العملات في المعاملات الدولية وتسوية الديون بين الدول، وتعد معياراً للمدفوعات الدولية وتسهيل التجارة العالمية”.
وأوضح أن “روسيا عانت الكثير عندما سعرت نفطها المصدرة بالروبل (البتروروبل) والروبل عملة غير احتياطية والتزمت بقيمة للروبل قومت بالذهب ابتداءً لضمان استقرار عائدات النفط، وهنا خضع (البتروروبل) لدورتين من دورات الأصول وفي آن واحد (ما عقد من مشهد بيع النفط بالعملة المحلية واستقرار قيمة البتروروبل).
ولفت الى أن “الدورة الأولى: وهي ناجمة عن تأثير ما يسمى بدورة أصول الذهب وتأثيرها في قيمة (البتروروبل) أو العملة المحلية المقومة بالنفط المصدر، أما الثانية: فهي دورة الأصول النفطية، وتأثيرها في قيمة برميل النفط خارج السعر العالمي وانعكاس ذلك على الإيرادات النفطية المسعرة بتلك العملة”.
وأكد أن “الدورتين هما دورات أصول تترابط وتتعاكس في آن واحد على قيمة (العملة المسعرة بالنفط المصدر مثل البتروروبل) ما جعل تسعير النفط الروسي بالروبل كعملة محلية وعلى وفق معطيات السوق النفطية العالمية مسألة شديدة التعقيد”.
وأردف أن “مبدأ استخدام الدينار كعملة محلية في المبادلات الدولية النفطية (البترودينار)، أمر لا يخلو من تحديات عديدة، مما يجب النظر في تلك التحديات المحتملة بعناية دقيقة، ولاسيما مسألة مرونة أو ثبات قيمة(البترودينار) نفسه الى التغيير والتقلب، ولاسيما نحن في سوق النفط لسنا صانعي سعر فيها بل ممن يتلقى السعر price taker”.
ونوه بأن “سوق النفط العالمية ستكون المتحكم بتقلب العملة المحلية (البترودينار)، فضلاً عن أهمية الاعتراف الدولي بها، والبنية التحتية المالية اللازمة لدعم مثل هذه العمليات من (البترودينار)، وبعبارة أخرى أن استراتيجية اعتماد قيمة العملة على صادرات النفط مباشرة قد يجعل قيمة العملة المحلية عرضة للتقلبات في السوق العالمية”.
وأكمل صالح أن “مقترح بيع النفط بالدينار كعملة محلية، يجب أن يأخذ بالاعتبار نظرية مهمة في التجارة العالمية ويطلق عليها بنظرية السعر الواحد (The Law of One Price) وهو مفهوم اقتصادي يفترض أن السلعة نفسها يجب أن تباع بالأسعار نفسها في جميع الأسواق عندما يتم التعبير عن السعر بنفس العملة، وذلك بشرط عدم وجود تكاليف نقل أو حواجز تجارية مثل التعريفات الجمركية وغيرها، إذ تعد نظرية السعر الواحد هنا أساساً للعديد من النماذج الاقتصادية والتجارية وتستند النظرية إلى افتراض أن الأسواق تعمل بكفاءة”.
واستطرد بالقول: إنه “كما تعد نظرية السعر الواحد المسار الأساس في فهم آلية التسعير في أسواق الصرف الأجنبية، حيث تسعى النظرية لتفسير أن معدلات صرف العملات تعكس على الدوام الفرق في الأسعار بين بلدين، وعندما يسعر النفط بالدولار (البترودولار) فينبغي أن يكون سعر صرف الدينار (البترودينار) متوافقاً مع أسعار النفط من دون تقلب وكذلك يكون متوافقاً في الوقت نفسه مع (البترودولار) وبثبات أيضاً، وهما مسألتان يصعب السيطرة عليهما لكونهما من العوامل الخارجية الدولية المحددة لقيمة العملة المحلية لكي تعمل بانتظام وتوافق سعري ثابت مع سوق النفط والعملات الأجنبية الدولية في آن واحد”.
وتابع: “فعلى سبيل المثال إذا كان برميل النفط يُباع في الولايات المتحدة بسعر 76 دولاراً وفي أوروبا بسعر 72 يورو، فإن نظرية السعر الواحد تتوقع أنه مع الأخذ في الاعتبار سعر الصرف بين الدولار واليورو، لذا فإن سعر برميل النفط يجب أن يكون متساوياً بعد تعديل العملة، بشرط عدم وجود تكاليف نقل أو حواجز تجارية، وأن هذا الأمر يتطلب بأن تتوافق قيمة النفط المباع الى أوروبا وأميركا على وفق تقلب أسعار العملات لكي نضمن العمل بنظرية السعر الواحد، وهكذا فإن اعتماد العملة المحلية في التجارة العالمية قضية في غاية التعقيد لضمان استقرار توافق أسعار النفط بقيمة الدينار العراقي (البترودينار) ولاسيما في نظام ثابت للصرف(سعر الصرف) ذلك ما لم تمنح خصومات أو تقاضي فروقات في عمليات تسويق النفط أو تعويم (البترودينار)، وعندها ستؤدي شركة تسويق النفط “سومو” على سبيل المثال دوراً مزدوجاً في السياستين النفطية والنقدية سواء في مجال تسعير النفط أو تسعير سعر الصرف الدينار النفطي (البترودينار)”.
واستدرك بالقول: إن “قوة الدينار العراقي واستقراره ستبقى ترتبط بعوامل النمو الحقيقي والتنوع في الاقتصاد الوطني، فضلاً عن تحقيق فائض مناسب في الحساب الجاري لميزان المدفوعات، وربط العملة الوطنية بسلة عملات أجنبية توفر الاستقرار في قيمة الدينار نفسه، في ضوء ما تقدم، فإن إقحام آليات استقرار سعر صرف الدينار في اقتصاد ريعي أحادي بالدينار النفطي بشكل حصري، يعد توجهاً اقتصادياً غامض النتائج وشديد الضبابية، فضلاً عن الولوج في نظام (البترودينار) الذي يتطلب من ضمان استقراره مخاطر (نظرية السعر الواحد المشار اليها آنفاً) في ظل تقلبات دورة الأصول النفطية واقتصاد ريعي أحادي ، ناهيك عن عدم معرفة نظام الصرف المعتمد (البترودينار)، فهل سيكون نظام صرف ثابت مدعوماً باحتياطيات أجنبية أم يكون نظام صرف مرناً يتغير فيه (البترودينار) مع تغير أسعار النفط ؟، إنها مسارات ليست لها أجوبة على أرض الواقع وشديدة الإبهام حقاً”.