اخر الاخبار

أهمية السؤال في القرآن الكريم (ح 4) (يسألونك ماذا ينفقون)‎

د. فاضل حسن شريف

عن تفسير الميسر: قوله سبحانه “يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ ۖ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ” ﴿البقرة 215﴾ يَسَأْلُونَكَ: يَسْـَٔلُ فعل، ونَ ضمير، كَ ضمير، مَاذَا حرف استفهام، يُنفِقُونَ: يُنفِقُ فعل، ونَ ضمير. ينفقون: يتصدَّقون و يتزكون. ماذا يُنْفِقونَ: كيف ينفقون. يسألك أصحابك أيها النبي أي شيء ينفقون من أصناف أموالهم تقربًا إلى الله تعالى، وعلى مَن ينفقون؟ قل لهم: أنفقوا أيَّ خير يتيسر لكم من أصناف المال الحلال الطيب، واجعلوا نفقتكم للوالدين، والأقربين من أهلكم وذوي أرحامكم، واليتامى، والفقراء، والمسافر المحتاج الذي بَعُدَ عن أهله وماله. وما تفعلوا من خير فإن الله تعالى به عليم. قوله تبارك وتعالى “وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ” (البقرة 219) وَيَسَأْلُونَكَ: وَ حرف عطف، يَسْـَٔلُ فعل، ونَ ضمير، كَ ضمير، مَاذَا حرف استفهام، يُنفِقُونَ: يُنفِقُ فعل، ونَ ضمير. يسألك المسلمون أيها النبي عن حكم تعاطي الخمر شربًا وبيعًا وشراءً، والخمر كل مسكر خامر العقل وغطاه مشروبًا كان أو مأكولا ويسألونك عن حكم القمار وهو أَخْذُ المال أو إعطاؤه بالمقامرة وهي المغالبات التي فيها عوض من الطرفين، قل لهم: في ذلك أضرار ومفاسد كثيرة في الدين والدنيا، والعقول والأموال، وفيهما منافع للناس من جهة كسب الأموال وغيرها، وإثمهما أكبر من نفعهما، إذ يصدَّان عن ذكر الله وعن الصلاة، ويوقعان العداوة والبغضاء بين الناس، ويتلفان المال. وكان هذا تمهيدًا لتحريمهما. ويسألونك عن القَدْر الذي ينفقونه من أموالهم تبرعًا وصدقة، قل لهم: أنفقوا القَدْر الذي يزيد على حاجتكم. مثل ذلك البيان الواضح يبيِّن الله لكم الآيات وأحكام الشريعة، لكي تتفكروا فيما ينفعكم في الدنيا والآخرة. ويسألونك أيها النبي عن اليتامى كيف يتصرفون معهم في معاشهم وأموالهم؟ قل لهم: إصلاحكم لهم خير، فافعلوا الأنفع لهم دائمًا، وإن تخالطوهم في سائر شؤون المعاش فهم إخوانكم في الدين. وعلى الأخ أن يرعى مصلحة أخيه. والله يعلم المضيع لأموال اليتامى من الحريص على إصلاحها. ولو شاء الله لضيَّق وشقَّ عليكم بتحريم المخالطة. إن الله عزيز في ملكه، حكيم في خلقه وتدبيره وتشريعه.

جاء في معاني القرآن الكريم: سأل السؤال: استدعاء معرفة، أو ما يؤدي إلى المعرفة، واستدعاء مال، أو ما يؤدي إلى المال، فاستدعاء المعرفة جوابه على اللسان، واليد خليفة له بالكتابة، أو الإشارة، واستدعاء المال جوابه على اليد، واللسان خليفة لها إما بوعد، أو برد. إن قيل: كيف يصح أن يقال السؤال. نفق نفق الشيء: مضى ونفد، ينفق، إما بالبيع نحو: نفق البيع نفاقا، ومنه: نفاق الأيم، ونفق القوم: إذا نفق سوقهم، وإما بالموت نحو: نفقت الدابة نفوقا، وإما بالفناء نحو: نفقت الدراهم تنفق وأنفقتها. والإنفاق قد يكون في المال، وفي غيره، وقد يكون واجبا وتطوعا، قال تعالى: “وأنفقوا في سبيل الله” (البقرة 195)، و “أنفقوا مما رزقناكم” (البقرة 254) وقال: “لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم” (ال عمران 92)، “وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه” (سبأ 39)، “لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح” (الحديد 10) إلى غير ذلك من الآيات. وقوله: “قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق” (الاسراء 100) أي: خشية الإقتار، يقال: أنفق فلان: إذا نفق ماله فافتقر، فالإنفاق هنا كالإملاق في قوله: “ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق” (الإسراء 31) والنفقة اسم لما ينفق، قال: “وما أنفقتم من نفقة” (البقرة 270)، “ولا ينفقون ينفقة” (التوبة 121)، والنفق: الطريق النافذ، والسرب في الأرض النافذ فيه. قال: “فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض” (الانعام 35) ومنه: نافقاء اليربوع، وقد نافق اليربوع، ونفق، ومنه: النفاق، وهو الدخول في الشرع من باب والخروج عنه من باب، وعلى ذلك نبه بقوله: “إن المنافقين هم الفاسقون” (التوبة 67) أي: الخارجون من الشرع، وجعل الله المنافقين شرا من الكافرين. فقال: “إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار” (النساء 145) ونيفق السراويل معروف (نيفق السراويل هو الموضع المتسع منه. وهو فارسي معرب. اللسان (نفق)).

وعن التفسير الوسيط للدكتور محمد سيد طنطاوي: قوله سبحانه “يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ ۖ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ” ﴿البقرة 215﴾ قوله: “يَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ”. الآية. وعن ابن عباس قال: كان عمرو بن الجموح شيخا كبيرا وعنده مال كثير فقال يا رسول الله: بماذا نتصدق، وعلى من ننفق؟ فنزلت الآية. والمعنى: يسألك أصحابك يا محمد أى شيء ينفقونه من أصناف الأموال؟ قل لهم: ما أنفقتم من أموالكم فاجعلوه للوالدين قبل غيرهما ليكون أداء لحق تربيتهما ووفاء لبعض حقوقهما، وللأقربين وفاء لحق القرابة والرحم ولليتامى لأنهم فقدوا الأب الحانى الذي يسد عوزهم، والمساكين لفقرهم واحتياجهم، وابن السبيل لأنه كالفقير لغيبة ماله وانقطاعه عن بلده. قال الإمام الرازي: فهذا هو الترتيب الصحيح الذي رتبه الله تعالى في كيفية الإنفاق. ثم لما فصل هذا التفصيل الحسن الكامل أردفه بعد ذلك بالإجمال فقال: “وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ” ﴿البقرة 215﴾ أى: وكل ما فعلمتوه من خير إما مع هؤلاء المذكورين وإما مع غيرهم حسبة لله وطلبا لجزيل ثوابه وهربا من أليم عقابه فإن الله به عليم فيجازيكم احسن الجزاء عليه. وظاهر الآية كما يقول الآلوسى أن السؤال عن المنفق فأجاب ببيان المصرف صريحا، لأنه أهم لأن اعتداد النفقة باعتباره. وأشار سبحانه إجمالا إلى بيان المنفق فإن قوله مِنْ خَيْرٍ يتضمن كونه حلالا إذ لا يسمى ما عداه خيرا، وإنما تعرض لذلك أى لبيان المنفق عليه وليس في السؤال ما يقتضيه، لأن السؤال للتعلم لا للجدل، وحق المعلم فيه أن يكون كطبيب رفيق يتحرى ما فيه الشفاء، طلبه المريض أم لم يطلبه. ولما كانت حاجتهم إلى من ينفق عليه كحاجتهم إلى ما ينفق بين الأمرين، (وهذا كمن به صفراء فاستأذن طبيبا، في أكل العسل فقال له: كله مع الخل). فالكلام إذا من أسلوب الحكيم. ويحتمل أن يكون في الكلام أى في كلام السائلين ذكر المصرف أيضا كما في سؤال عمرو بن الجموح إلا أنه لم يذكره في الآية للإيجاز في النظم تعويلا على الجواب، فتكون الآية جوابا لأمرين مسئول عنهما. والاقتصار في بيان المنفق على الإجمال من غير تعرض للتفصيل كما في بيان المصرف للإشارة إلى كون الثاني أهم. وهل تخرج الآية بذلك عن كونها من أسلوب الحكيم أولا؟ قولان أشهرهما الثاني. ولم يتعرض سبحانه هنا لبقية المحتاجين كالسائلين والغارمين إما اكتفاء بذكرهم في مواضع أخرى، وإما بناء على دخولهم تحت عموم قوله تعالى: في آخر الآية “وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ” ﴿البقرة 215﴾ فإنه شامل لكل خير واقع في أى مصرف كان. قال الجمل و (ذا) اسم موصول بمعنى الذي والعائد محذوف، و (ما) على أصلها من الاستفهام ولذلك لم يعمل فيها يسألونك، وهي مبتدأ وذا خبره، والجملة محلها النصب بيسألون. والمعنى يسألونك أي الشيء الذي ينفقونه. وقوله: “وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ” ﴿البقرة 215﴾ تذييل قصد به الحض على فعل الخير، لأن المؤمن عند ما يشعر بأن الله يرى عمله ويجازيه عليه بما يستحقه، يشجعه ذلك على الاستمرار في عمل الخير. وإذا كان بعضنا يكثر من عمل الخير عند ما يعلم أن شخصا ذا جاه يسره هذا العمل، فكيف يكون الحال عند ما يعلم المؤمن التقى أن الذي يرى عمله ويكافئه عليه هو الله الذي لا تخفى عليه خافية، والذي يعطي من يشاء بغير حساب. قال بعض العلماء: وقد اختلف في هذه الآية. فقيل إنها منسوخة بآية الزكاة وهي قوله تعالى: “إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ” وقيل وهو الأولى إنها غير منسوخة، وهي لبيان صدقة التطوع فإنه متى أمكن الجمع فلا نسخ.

جاء في تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله سبحانه “يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ ۖ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ” ﴿البقرة 215﴾ “يسألونك” يا محمد “ماذا” إلى أي شيء ينفقون والسؤال عن الإنفاق يتضمن السؤال عن المنفق عليه فإنهم قد علموا أن الأمر وقع بإنفاق المال فجاء الجواب ببيان كيفية النفقة وعلى من ينفق فقال قل يا محمد “ما أنفقتم من خير” أي مال فدل على أن له مقدارا وأنه مما ينتفع به لأن ما لا ينتفع به لا يسمى خيرا “فللوالدين والأقربين” والمراد بالوالدين الأب والأم والجد والجدة وإن علوا لأنهم يدخلون في اسم الوالدين والمراد بالأقربين أقارب المعطي “واليتامى” أي كل من لا أب له مع صغره “والمساكين” الفقراء “وابن السبيل” المنقطع به.  واختلفوا في هذه النفقة فقال الحسن المراد به نفقة التطوع على من لا يجوز وضع الزكاة عنده والزكاة لمن يجوز وضع الزكاة عنده فهي عامة في الزكاة المفروضة وفي التطوع وقال السدي الآية واردة في الزكاة ثم نسخت ببيان مصارف الزكاة والأول أظهر لأنه لا دليل على نسخها واتفق العلماء على أنه لا يجوز دفع الزكاة إلى الأب والأم والجد والجدة وإلى الأولاد فأما النفقة فلا خلاف أن النفقة على الوالدين إذا كانا فقيرين واجبة وأما النفقة على ذي الرحم فلا يجب عندنا وعند الشافعي ويجب عند أبي حنيفة وقوله “وما تفعلوا من خير” أي من عمل صالح يقربكم إلى الله “فإن الله به عليم” يجازيكم به من غير أن يضيع منه شيء لأنه تعالى لا يخفى عليه شيء. قوله تبارك وتعالى “وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ” (البقرة 219) “ويسألونك ماذا ينفقون” أي: أي شيء ينفقون والسائل عمرو بن الجموح سأل عن النفقة في الجهاد وقيل في الصدقات. “قل العفو” فيه أقوال (أحدها) أنه ما فضل عن الأهل والعيال أو الفضل عن الغنى عن ابن عباس وقتادة (وثانيها) أن العفو الوسط من غير إسراف ولا إقتار عن الحسن وعطا وهو المروي عن أبي عبد الله عليه السلام (وثالثها)  أن العفو ما فضل عن قوت السنة عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال ونسخ ذلك ب آية الزكاة وبه قال السدي (ورابعها) أن العفو أطيب المال وأفضله وقوله “كذلك” إنما وحد الكاف لأن الخطاب للنبي ويدخل فيه الأمة وقيل أن تقديره كذلك أيها القبيل “يبين الله لكم الآيات” أي الحجج في أمر النفقة والخمر والميسر وقيل في سائر شرائع الإسلام “لعلكم تتفكرون” أي لكي تتفكروا “في الدنيا والآخرة” أي في أمر الدنيا وأمر الآخرة فتعلمون أن الدنيا دار بلاء وعناء وفناء والآخرة دار جزاء وبقاء فتزهدوا في هذه وترغبوا في تلك.

وعن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله سبحانه “يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ ۖ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ” ﴿البقرة 215﴾ قوله تعالى: “يسئلونك ماذا ينفقون”، قل: ما أنفقتم من خير، قالوا: إن الآية واقعة على أسلوب الحكمة، فإنهم إنما سألوا عن جنس ما ينفقون ونوعه، وكان هذا السؤال كاللغو لمكان ظهور ما يقع به الإنفاق وهو المال على أقسامه، وكان الأحق بالسؤال إنما هومن ينفق له: صرف الجواب إلى التعرض بحاله وبيان أنواعه ليكون تنبيها لهم بحق السؤال. والذي ذكروه وجه بليغ غير أنهم تركوا شيئا، وهو أن الآية مع ذلك متعرضة لبيان جنس ما ينفقونه، فإنها تعرضت لذلك: أولا بقولها: “من خير”، إجمالا، وثانيا بقولها: “وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم”، ففي الآية دلالة على أن الذي ينفق به هو المال كائنا ما كان، من قليل أو كثير، وأن ذلك فعل خير والله به عليم، لكنهم كان عليهم أن يسألوا عمن ينفقون لهم ويعرفوه، وهم: الوالدان والأقربون واليتامى والمساكين وابن السبيل. ومن غريب القول ما ذكره بعض المفسرين: أن المراد بما في قوله تعالى: “ماذا ينفقون”  ليس هو السؤال عن الماهية فإنه اصطلاح منطقي لا ينبغي أن ينزل عليه الكلام العربي ولا سيما أفصح الكلام وأبلغه، بل هو السؤال عن الكيفية، وأنهم كيف ينفقونه، وفي أي موضع يضعونه، فأجيب بالصرف في المذكورين في الآية، فالجواب مطابق للسؤال لا كما ذكره علماء البلاغة. ومثله وهو أغرب منه ما ذكره بعض آخر: أن السؤال وإن كان بلفظ ما إلا أن المقصود هو السؤال عن الكيفية فإن من المعلوم أن الذي ينفق به هو المال، وإذا كان هذا معلوما لم يذهب إليه الوهم، وتعين أن السؤال عن الكيفية، نظير قوله تعالى: “قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا” (البقرة 70)، فكان من المعلوم أن البقرة بهيمة نشأتها وصفتها كذا وكذا، فلا وجه لحمل قوله: ما هي على طلب الماهية، فكان من المتعين أن يكون سؤالا عن الصفة التي بها تمتاز البقرة من غيرها، ولذلك أجيب بالمطابقة بقوله تعالى: “إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ” (البقرة: 71). وقد اشتبه الأمر على هؤلاء، فإن ما وإن لم تكن موضوعة في اللغة لطلب الماهية التي اصطلح عليها المنطق، وهي الحد المؤلف من الجنس والفصل القريبين، لكنه لا يستلزم أن تكون حينئذ موضوعة للسؤال عن الكيفية، حتى يصح لقائل أن يقول عند السؤال عن المستحقين للإنفاق: ما ذا أنفق: أي على من أنفق؟ فيجاب عنه بقوله: للوالدين والأقربين، فإن ذلك من أوضح اللحن. بل ما موضوعة للسؤال عما يعرف الشيء سواء كان معرفا بالحد والماهية، أو معرفا بالخواص والأوصاف، فهي أعم مما اصطلح عليه في المنطق لا أنها مغايرة له وموضوعة للسؤال عن كيفية الشيء، ومنه يعلم أن قوله تعالى: “يبين لنا ما هي” وقوله تعالى: “إنها بقرة لا ذلول”، سؤال وجواب جاريان على أصل اللغة، وهو السؤال عما يعرف الشيء ويخصه والجواب بذلك. وأما قول القائل: إن الماهية لما كانت معلومة تعين حمل ما على السؤال عن الكيفية دون الماهية فهومن أوضح الخطأ، فإن ذلك لا يوجب تغير معنى الكلمة مما وضع له إلى غيره. ويتلوهما في الغرابة قول من يقول: إن السؤال كان عن الأمرين جميعا: ما ينفقون؟ وأين ينفقون فذكر أحد السؤالين وحذف الآخر، وهو السؤال الثاني لدلالة الجواب عليه وهوكما ترى.