-ليس ملف الأقاليم بجديد، ومع كل أزمة تتجدد قضية إقليم الأنبار أو ما يطلق عليه بالإقليم السني الشامل للمحافظات السنية الأخرى.
مع كل أزمة تشهدها العملية السياسية في العراق يعود ملف الأقاليم في بلاد الرافدين للواجهة من جديد، فالملف الذي يحظى بخلافات سياسية وشعبية ودولية تنقسم الآراء حوله بين مؤيد ورافض له، إذ تتصاعد المخاوف من تشكيل أقاليم على أساس قومي عنصري أو ديني أو طائفي، وليس على أساس جغرافي.
ومنذ تغيير النظام السياسي في عام 2003 طالبت بعض القوى السياسية إلى إنشاء “إقليم السنة”، الذي يشمل نينوى والأنبار وصلاح الدين وديالى، فضلاً عن مناطق حزام بغداد، إلا أن تلك المحاولات يرى مراقبون للشأن العراقي أنها لا تخلو من تحقيق غايات سياسية ومنافع ومكاسب انتخابية وبعيدة كل الواقع من طموح المواطنين.
حق دستوري وفكرة مرفوضة
وأتاح الدستور العراقي المجال أمام إمكان إنشاء الأقاليم سواء من محافظة واحدة أم محافظات عدة، إذ نصت المادة 119 من الدستور العراقي على أنه “يحق لكل محافظة أو أكثر، تكوين إقليم بناء على طلب بالاستيفاء عليه، ويقدم بإحدى طريقتين، أولاً: طلب من ثلث الأعضاء في كل مجلس من مجالس المحافظات الراغبة في تكوين الإقليم، أو طلب من عشر الناخبين في كل محافظة من المحافظات التي ترغب في تكوين الإقليم”، لكن رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي فائق زيدان أكد في فبراير (شباط) من العام الحالي أن فكرة إنشاء أقاليم أخرى مرفوضة.
وأوضح زيدان أن “الواقع الجغرافي والقومي لإقليم كردستان موجود قبل نفاذ دستور جمهورية العراق في عام 2005 وتحديداً منذ عام 1991 إثر غزو الكويت، وما نتج منه من آثار سلبية بسبب السياسات الفاشلة للنظام السابق”،
مبيناً أن “إقليم كردستان له وضع خاص معترف به من جميع أبناء الشعب العراقي والدستور تضمن الأحكام الخاصة بتنظيم الأقاليم، إلا أن ظروف صياغة الدستور في حينه تغيرت الآن، ومعظم من كانت لديه القناعة بهذه الأحكام مقتنع الآن بضرورة تغييرها قدر تعلق الأمر ببقية المحافظات عدا إقليم كردستان بحكم وضعه الخاص”، ورأى زيدان أن “فكرة إنشاء أقاليم أخرى في أية منطقة في العراق مرفوضة لأنها تهدد وحدة العراق وأمنه”.
وكان رئيس مجلس النواب العراقي السابق محمد الحلبوسي أكد في تدوينة عبر منصة “إكس” أن “الأنبار عن بكرة أبيها صوتت سابقاً لرفض الدستور، لموقفها الثابت والدائم من وحدة العراق، ولم يتغير موقف شيوخها وأبنائها”.
وأضاف الحلبوسي “لا يزال تجار الحروب والفتن من الأحزاب المتأسلمة يحاولون تشويه صورة الأنبار والعبث باستقرارها، ولن يفلحوا، ونسوا ما تسببوا به من تهجير وتدمير وخراب وشهداء وثكلى وأيتام”.
وقال رئيس البرلمان السابق “ما زلنا ننتظر من الحكومة الاتحادية تضميد جراحهم (سكان الأنبار) وإكمال ملفات تعويضهم وإعمار المدن وإنصاف الأبرياء وتحقيق العدالة الاجتماعية، ومعالجة أسباب ظهور الإرهاب، وهذه هي مطالب الأنبار الحقيقية، ولا شيء سواها”.
دعاية انتخابية
في المقابل رأى عضو “كتلة الفتح” النيابية النائب معين الكاظمي في دعوة بعضهم إلى إقامة الأقاليم مجرد “دعاية انتخابية”، وقال الكاظمي إن “الذي يدعو إلى تشكيل الأقاليم من داخل المكون السني حاول دغدغة مشاعر شريحة معينة، إلا أن هذه الدعوات فشلت لاصطدامها برفض شعبي سياسي من داخل المكون السني”.
وأضاف أنه “ليس مستغرباً أن تعيد بعض الجهات السياسية السنية إثارة موضوع الأقلمة قبيل كل انتخابات نيابية، وذلك لاستخدامها بالدعاية ودغدغة المشاعر”.
واعتبر الكاظمي أن “قضية الأقلمة أصبحت من الماضي، إذ واجهت وستواجه أيضاً رفضاً شعبياً وسياسياً خصوصاً من المكون السني الذي عبر عن موقفه المعارض لها وتمسكه بوحدة العراق في مناسبات عدة”،
مشيراً إلى أن “هذا التمسك لم يقتصر على المحافظات السنية، بل امتد على مستوى محافظات الإقليم خصوصاً بعدما لبت الحكومة الاتحادية مطلبه بتوحيد رواتبه أسوة بموظفي المحافظات العراقية غير المنتظمة بإقليم”.
بدوره استبعد نائب رئيس لجنة الأقاليم والمحافظات النيابية جواد اليساري أمس الثلاثاء إقامة أقاليم جديدة في العراق، مبيناً أن إنشاء الإقليم السني في الأنبار أمر مستبعد ولا يخدم العراق.
وقال اليساري في بيان إن “الدستور العراقي كفل موضوع المطالبة بإنشاء الأقاليم، لكن المطالبات التي خرجت حالياً جاءت لغرض الانفصال وتجزئة العراق، إذ لا توجد أية ضرورة لإنشاء الأقاليم كالإقليم السني وما شابه ذلك”.
وأضاف أن “تجربتنا مع موضوع الأقليم تعتبر غير ناجحة وأثرت سلباً في عمل الحكومة المركزية”، مبيناً أن “موضوع إنشاء الأقاليم في الوقت الحالي أمر مستبعد وبعيد المنال”.
توافق داخلي ودولي
إلى ذلك أكد الباحث السياسي عيسى العداي أن “تأسيس إقليم سني في العراق يجب أن يحظى بتوافق داخلي ودولي”،
وقال العداي إن “النظام الاتحادي هو النظام المأمول به دولياً، وهو أحد أنظمة الحكم المعترف بها لإدارة الدول، وأقر في الدستور العراقي لعام 2005 الذي صوت عليه العراقيون وأيدته المراجع الدينية والسياسية”.
“لكن المحافظات السنية”، بحسب العداي، و”بسبب ولائها الحقيقي للوطن واعتقادها بأن العراق يجب أن يظل واحداً، رفضت الدستور بسبب مسألة الأقاليم، إذ كان هذا الفهم السائد حينها أن إقامة الأقاليم ستؤدي إلى تقسيم العراق، ولم يكن من ضمن تصوراتنا أن تقسم العراق إلى دويلات وأقاليم”.
وأوضح أن “مشروع الأقاليم حينها حظي بتأييد المنظومة الدولية، ومن بين الداعمين له كان جو بايدن، عندما كان نائباً للرئيس الأميركي في بداية احتلال العراق، فدعم مشروع تشكيل الأقاليم الثلاثة في العراق”.
وزاد أن “المكون السني في العراق حينها كان يعارض تقسيم البلاد على أساس مكوناتي (سني وشيعي وكردي)، وعلى رغم كل الظروف الصعبة التي مر بها العراق، شهدنا التجربة الناجحة لإقليم كردستان، إذ حققت هذه التجربة الأمن والتنمية والبناء الاقتصادي والعمراني، وقدمت الخدمات من خلال منظومة سياسية واقتصادية وأمنية متماسكة”.
وأقر العداي بأن “الإقليم يحتاج إلى متطلبات محلية داخل المكون، ويجب أن يتوفر توافق سياسي واجتماعي حول مسألة إقامة الإقليم، إضافة إلى توافق وطني على المستوى العراقي، ويجب أن يكون هذا التوافق موجوداً وقائماً”.
وألمح إلى أن “المنظومة الإقليمية لها دور أيضاً في قيام إقليم سني في العراق، إضافة إلى ضرورة توفر قرار دولي من الدول الفاعلة على المستوى العالمي وفي مجلس الأمن الدولي لدعم هذا الإقليم، ومع ذلك فإن كل هذه المتطلبات لم تتحقق بعد، إذ لا يوجد توافق داخلي ولا وطني ولا إقليمي ولا دولي بإنشاء هذا الإقليم”.
وتابع أن “التطورات التي شهدها إقليم كردستان والوضع السياسي والاقتصادي والخدمي الذي تحقق فيه أنتج له أعداء في المنطقة، إذ حركت الجهات الإقليمية أذرعها داخل البلاد لتقويض هذه التجربة”.
وشدد على أنه “لولا وجود القرار الدولي الضامن لإقليم كردستان، ووجود المتطلبات والمواد الدستورية التي أقرت هذا الإقليم، لكان الوضع مختلفاً الآن”.
الظروف غير مهيأة
من ناحية ثانية صرح الباحث السياسي مجاشع محمد التميمي أن “النظام الفيدرالي أثبت بشكل عام نجاحه في عدد من الدول المتقدمة في العالم، إلا أن المعايير التي تقوم عليها النظم الفيدرالية المعروفة والمألوفة في عالمنا المعاصر تقوم في الغالب على أساس جغرافي، وليس على أساس قومي عنصري أو ديني أو طائفي، لذلك تشكيل الأقاليم من محافظات ذات تنوع ديني وقومي وطائفي سيكون أكثر مقبولية من الأقاليم التي تتشكل في محافظات خالية من التنوع”.
واعتبر التميمي أن “تشكيل الأقاليم قضية دستورية، إذ يمكن لأية محافظة أو مجموعة محافظات أن تعلن من نفسها إقليماً، وهذا كان مقبولاً في الفترة الأولى لسقوط نظام صدام، لكن بعد ذلك تبين أن الأوضاع في العراق لم تكن مهيئة لإعلان الأقاليم نظراً إلى الاستقطابات الطائفية والقومية والإثنية، تمنع إقامة الأقاليم خصوصاً مع وجود تدخلات إقليمية ودولية في الشأن الداخلي العراقي”.
ووصف التميمي إقامة الأقاليم بأنه “إنذار خطر بحصول فوضى في العراق، لذلك يرى بعضهم أن الفدرالية ربما تتسبب بفوضى، لكن في المقابل يجب على الحكومة المركزية أن تستمع إلى الأهالي الذين يطالبون الفدرالية ومعرفة الأسباب التي تدفعهم إلى إقامة الأقاليم في العراق”.
لكن الباحث السياسي والأمني عقيل الطائي شدد على أنه “عند كل فشل سياسي وتشظي وتناكف الأحزاب في داخل المحافظة والوصول إلى طريق شبه مسدود، يستغل بعضهم من الداخل والخارج لتنفيذ أجندات قديمة وتحريك رماد الطائفية لزعزعة استقرار البلاد، وكذلك الاستعداد للانتخابات المقبلة ومحاولة الحصول على مكتسبات فتخلط هذه القضية الانفصالية الأوراق وتستعمل للتغطية على الفشل السياسي”.
وأكمل “ما يشهده العراق اليوم من فشل واضح في اختيار رئيس لمجلس النواب ومحاولة استثمار هذا الفشل وإقناع البقية بأن الإقليم أفضل من أجل مصالح ضيقة”، معتبراً أن “بعضاً منهم يعيش على الطائفية والفوضى لتحقيق أهداف خبيثة”.
المصدر: اندبندنت عربية