بقلم: علي الراضي الخفاجي
كلُّ دعوة ورسالة تحتاج إلى إعلام؛ خصوصاً في المنعطفات التاريخية والمواقف المصيرية، فقد استطاع الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله أن يوصل صوت الإسلام وكلمة الحق إلى أصقاع الجزيرة العربية ومنها إلى العالم وفق خطة سماوية ونهج إعلامي هادف، كما خاض وفق هذا النهج أمير المؤمنين عليه السلام الصراع مع الناكثين والقاسطين والمارقين، ومنه تعلم الإمام الحسين عليه السلام هذا النهج في ثورته لإيقاظ الضمائر وتحرير الإرادات، وأن يشلَّ حركة بني أمية بالاتجاه المضاد، حينما اتجه نحو كربلاء بتسديد إلهي وعقل نبوي فحمل معه الأطفال والعيال، وتعاونت معه في المسيرة والنهضة العقيلة زينب عليها السلام، ومن هذا الإعلام الرسالي نتعلم كيف نتعاطى مع الأحداث والوقائع والصراعات.
وإذا راجعنا أهمَّ أهداف الإعلام الحسيني نجدها تتلخص في:
1- إبراز الإمام الحسين عليه السلام مكانته من رسول الله صلى الله عليه وآله بعد أن مارس الأمويون تعتيماً إعلامياً لطمس مناقب العترة الطاهرة وتضييع أحقيتهم، مما جعل الناس يعرفونهم معرفة سطحية، حيث صوروا الصراع بين بني هاشم وبني أمية من أجل النفوذ والزعامة، لذا وقف الإمام بإزاء القوم ليقول لهم:(أما بعد فانسبوني فانظروا منْ أنا ثم ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها فانظروا هل يصلحُ لكم قتلي وانتهاكُ حُرمتي؟ ألستُ ابنُ بنت نبيكم وابنُ وصيِّه وابنُ عمِّه؟ وأولُ المؤمنين المُصدِّقُ لرسول الله بما جاء من عند ربه؟ أَوَليسَ حمزة سيد الشهداء عمِّي؟ أَوَ ليسَ جعفر الطيار في الجنة بجناحين عمِّي؟ أَوَلَمْ يبلغكم ماقال رسول الله صلى الله عليه وآله لي ولأخي هذان سيدا شباب أهل الجنة؟)، الإرشاد، للمفيد، 2: 97.
كما بين لهم أنَّ نهضته كانت من أجل انتشال الإسلام العظيم وتجربته الفريدة من الموت والاندثار، وكان هذا منهج الإمام منذ انطلاقه عند رفضه لولاية يزيد عندما دعاه والي المدينة إلى البيعة فقال:(إنا أهلُ بيتِ النبوة ومعدنُ الرسالة ومختلفُ الملائكة بنا فتح الله وبنا ختم الله، ويزيد رجلٌ فاسقٌ شاربٌ للخمر قاتلُ النفس المحترمة معلنٌ بالفسق ومثلي لايبايعُ مثله).البحار، للمجلسي،44: 325.
2- عمل على توعية الأمة بالصفات القيادية للإمام المعصوم، فبعد أن كانت الأغلبية كما وصفها أمير المؤمنين عليه السلام:(همجٌ رعاعٌ أتباعُ كلَّ ناعق)، فقد وضَّح الإمام عليه السلام هذه الصفات في الرسالة الجوابية التي كتبها إلى أهل الكوفة:(فلعمْري ما الإمامُ إلا الحاكمُ بالكتاب القائمُ بالقسط الدائنُ بدين الحقِّ الحابسُ نفسهُ على ذات الله، والسلام). الإرشاد، 2: 39.
3- فضح ايديولوجية السلطة الأموية في العديد من المواقف، فقد جاء في رسالته التي كتبها إلى أهل الكوفة:(أما بعد فقد علمتم أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله قد قال في حياته: من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان ثم لم يغير بقول ولا فعل كان حقيقاً على الله أن يدخله مدخله، وقد علمتم أنَّ هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان وتولوا عن طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفيء وأحلوا حرام الله، وحرموا حرامه، وإني أحقُّ بهذا الأمر بقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وآله). البحار، 44: 382.
4- دحض الإعلام المعادي بالرد المنطقي، فقد ردَّ عليه السلام على رسالة والي مكة المكرمة التي صور فيها الإمام أنه يبغي الشقاق في الأمة عندما كتب له:(فإني أعيذك بالله من الشقاق، فإني أخاف عليك من الهلاك)فأجابه الإمام:(أما بعد فإنه لم يشاقق الله ورسوله من دعا إلى الله عزَّ وجلَّ وعَمِلَ صالحاً وقال إني من المسلمين). تاريخ الطبري، 4: 292.
وقد تفرد الإعلام الحسيني بخصائص عدَّة، تصلح أن تكون دروساً للمصلحين، منها:
1- الصدق والواقعية في أدبيات ثورته، فقد ذكر الموت والشهادة في رسائله وخطبه ليعرف الناس أنه لم يخرج طلباً للسلطة، حتى بعد أن جاء خبر قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة وعبد الله بن يقطر لم يقم بإخفاء هذه الأخبار على أحد خوفاً من تراجع البعض، إضافة إلى ماكان يتمتع به الإمام وأصحابه من أخلاق وأدب عالٍ في خطاباتهم وردود أفعالهم، وهذه المصداقية والمناقبية كانت وراء الفتح والامتداد لملحمة عاشوراء.
2- الاستدلال بالقرآن الكريم فقد كان دأبه، منها عندما بعث الوالي الأموي في مكة بجماعة لمنعه من الخروج منها، فقالوا له:(ياحسين ألا تتقي الله، تخرج من الجماعة وتفرق بين هذه الأمة، فأجابهم عليه السلام متأولاً الآية:((لي عملي ولكُم عملكُم أنتم بريئون ممَّا أعملُ وأنا بريءٌ ممَّا تعملون)) يونس/41، وعندما طلب من القوم سماع موعظته ذكر لهم هذه الآية:((فأجْمعوا أمركُم وشركاءكُم ثم لايكُنْ أمركُم عليكُم غُمَّةً ثم اقضُوا إليَ ولاتنظرون)) يونس/71، ومنها أنه لما برز علي الأكبر تلا الإمام عليه السلام هذه الآية:((إنَّ الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميعٌ عليمٌ)) آل عمران/33-34، وغيرها من الاستدلالات في مواقف كثيرة، وأخذ أصحاب الحسين عليه السلام هذا النهج في إعلامهم مقتدين به، فعندما خرج عليهم حنظلة الشبامي أخذ يعظهم بهذه الآيات:((وياقوم إني أخافُ عليكُم يوم التناد يوم تولُّون مُدبرين مالكُم من الله من عاصم ومنْ يضلل الله فما له من هاد))، غافر/ 32-33.
3-الاستدلال بالمنطق، فلابُدَّ أن يكون الإعلام منطقياً قائماً على مبادئ سليمة ورصينة ومجرداً من الشعارات الفارغة، فقد خطب في الجيش الذي جاء لحربه، قائلاً:(فإنْ صدقتموني بما أقول وهو الحق، واللهُ ماتعمَّدتُ كذباً مُنذُ علمتُ أنَّ الله يمقتُ عليه أهله، وإنْ كذبتموني فإنَّ فيكم منْ لو سألتموهُ عن ذلك أخبركم، سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري أو أبا سعيد الخدري أو سهل بن سعد الساعدي أو زيد بن أرقم أو أنس بن مالك يخبرونكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله صلى الله عليه وآله لي ولأخي، أفما في هذا حاجزٌ لكم عن سفك دمي؟).الإرشاد، 2: 97.
4- مخاطبة الضمير، وذلك للوصول إلى أعماق الإنسان، قال عليه السلام:(فانسبُوني، فانظروا مَنْ أنا ثم ارجعُوا إلى أنفسكم وعاتبوها، فانظروا هلْ يحلُّ لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟)، ولم يكن خطابه عن ضعف وخوف وهو القائل(واللهُ لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقرُّ إقرارَ العبيد). مقتل الحسين، عبد الرزاق المقرم، 337، بل لإظهار مظلوميته واقتضاء الموقف أملاً في تراجع البعض عن نصرة جيش يزيد.
5- التدرج في خطابه حتى لاتتم مفاجأة الرأي العام بأمر لايستطيع استيعابه، فقد بدأ هادئاَ ثم بلغ أقصى درجاته عندما واجه أعداءه وجهاً لوجه فأطلق في وجههم كلماته:(ياشيعة آل سفيان إنْ لم يكُنْ لكم دين وكنتم لاتخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عرباً كما تزعمون)). الكامل في التاريخ، 3: 294، ومنها توجيهه لهم بهذا الخطاب:((ياأمة السوء، بئسما خلفتم محمداً في عترته، أما إنكم لاتقتلون رجلاً بعدي فتهابون قتله، بل يهونُ عليكم ذلك عند قتلكم إيَّاي، وأيم الله إني لأرجو أن يكرمني الله بالشهادة ثم ينتقمُ لي منكم من حيثُ لاتشعرون).مقتل الحسين،1: 278.