بقلم: محمد عماد الشريفي
تعيش المجتمعات الإسلامية، وبشكل خاص العربية منها ، تغيراً سريعًا وملحوظًا، لا سيما على الصعيد الاجتماعي، حيث أصبح العالم الآن أشبه بقرية صغيرة يسهل الوصول إلى كل فرد فيها في أي وقت. وبهذا، تزداد الروابط الاجتماعية في اتجاه بناء علاقات أسرية بين أفراد المجتمع الواحد أو بين المجتمعات المختلفة. إلا أن هذه الزيادة تؤدي أيضًا إلى زيادة المشكلات التي تحدث في الأسرة الواحدة نتيجة لاختلاف العوامل المؤثرة في أفرادها وعدم وضوح الحقوق والواجبات لكل منهم ٫ هنا تبرز أهمية تطوير تشريعات الأحوال الشخصية لمعالجة تلك المشكلات والحفاظ على المنظومة الأسرية ، مما يسهم في تحقيـــق التمــاســك المــجتمعـي فــــي ظـــــل التحـديـــــــــات الثقـــــــافيـــــــة والقيمـية الخــــــارجيـــــة.
التشريعات الحالية للأحوال الشخصية
مجموعة من القوانين والأنظمة التي تنظم العلاقات الشخصية بين الأفراد في المجتمع، وخاصة داخل الأسرة، تشمل جوانب عديدة مثل الوصايا، والمواريث، والزواج، وما يترتب عليه من حقوق وواجبات بين الزوجين. تهدف هذه التشريعات إلى تنظيم الحياة الاجتماعية والأسرية ، كما تُعد المرجع القانوني والفاصل في حل المشكلات الأسرية، مثل وفاة أحد الوالدين أو حالات الطلاق، من خلال حماية حقوق الأفراد، وخصوصاً الفئات الضعيفة منهم كالأطفال. ورغم وجود هذه التشريعات، نلاحظ تزايداً مستمراً في المشكلات الأسرية، خاصة حالات الطلاق التي تؤدي إلى آثار سلبية على البنية الاجتماعية. هذا يعود جزئياً إلى عدم وضوح الواجبات والحقوق القانونية لكل من الزوجين تجاه بعضهما البعض وكذلك واجبات الأبناء تجاههما فضلا عن الواجبات الأخلاقية ، والتعسف في استخدام هذه الحقوق تحت غطاء قانوني يعتمد على التشريعات الوضعية الحالية، التي قد لا تراعي بعض جوانبها مبادئ الشريعة الإسلامية او باقي معتقدات الافراد.
من هذا المنطلق، تبرز الحاجة المُلِحّة إلى تطوير وتقويم تلك التشريعات، ممـا يـحقق الـتوازن بين المبـادئ الإسلامية ومتطلبـــات العصر الحديث من خلال تطوير تشريعات الأحوال الشخصية عبر اعتماد بنية قانونية لعقد الرابطة الزوجية وفق مبادئ الشريعة الإسلامية او وفق معتقدات ومذاهب الافراد و مستندة في ذلك الى الواجب الدستوري في سن القوانين والتشريعات والذي ورد في (المادة – 2 اولاً – ب ) (لا يجوز سن أي قانون يتعارض مع ثوابت احكام الإسلام ) وتطبيقا لما ورد في (المادة – 41) من الدستور ( العراقيون احرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية حسب دياناتهم او مذاهبهم او معتقداتهم او اختياراتهم وينظم ذلك بقانون ) كافلةً حرية الافراد الدستورية في الالتزام بأحوالهم الشخصية ,فضلا عن وروده ضمنا في مواد اخرى ويمكن الحفاظ على السن القانوني للأهلية في قانون الأحوال الشخصية الوضعي الحالي وهو ( 18 سنة كأصل و 15 سنة استثناء) لضمان تحقق كامل الشروط اللازمة للزواج الناجح من البلوغ الجنسي وتكامل البنية الجسمانية والرشد وغرها.
وكون الأسس الإسلامية هي أسس رصينة و صحيحة لوضع اطار واضح لبيان حقوق وواجبات الزوجين والابناء وحفظهما, إضافة الى ذلك انها مبادئ واحكام ثابته لا تتغير مع تميزها بالمرونة الكافية لجعلها تتكيف مع جميع الظروف والازمنة للتعامل مع الحالات الاستثنائية. من خلال تأكيدها على العدالة بين الزوجين ووضع الية مرنة لحل النزاعات بطرق سلمية وعادلة مثل التحكيم والرجوع للقضاء الشرعي.
إضافة الى حثها على حسن المعاشرة والصبر والتفاهم بين الزوجين وإعطاء حقوق كل منهما الاخر وبهذا تكون هذه الاحكام والتشريعـــات قد حققت الاستقرار الاسري بتشجيعهـا على الالتزام بالأخلاق والآداب الإسلامية معززةً استمراريـــة العلاقــة الزوجية.
مما يسهم بشكل كبير في الحفاظ على القيم الإسلامية كأصل واساس للقيم المجتمعية العربية الاصيلة في ضل التحديات الخارجية والثقافات الدخيلة . لتعزيز الثقـــة في النظام القانوني وتحقيق العدالة الاجتماعية.
هذه المزايا تجعل التعديل والتطوير في تشريعات الأحوال الشخصية الوضعية ضرورة حتمية لتحقيق التوازن بين القيم الدينية ومواكبة التطورات المجتمعية مما يسهم في دعم التنميـــة المجتمعيـــة من خلال بناء مجتمع متماسك ومستقر قادر على تحقيق التنمية المستدامة.