اخر الاخبار

الامام الحسن كريم أهل البيت: مفهوم كريم في القرآن الكريم (ح 7)‎

د. فاضل حسن شريف

عن تفسير الميسر: قوله تعالى عن كريم “خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ۖ وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ ۚ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ” ﴿لقمان 10﴾ كريم صفة، زَوْجٍ كَرِيمٍ: صنف حسن المنظر كثير النفع. خلق الله السموات، ورفعها بغير عمد كما تشاهدونها، وألقى في الأرض جبالا ثابتة، لئلا تضطرب وتتحرك فتفسد حياتكم، ونشر في الأرض مختلف أنواع الدواب، وأنزلنا من السحاب مطرًا، فأنبتنا به من الأرض من كل زوج بهيج نافع حسن المنظر. قوله جل جلاله “لِّيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ۚ أُولَـٰئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ” ﴿سبإ 4﴾ وقال الكافرون المنكرون للبعث: لا تأتينا القيامة، قل لهم أيها الرسول: بلى وربي لتأتينَّكم، ولكن لا يعلم وقت مجيئها أحد سوى الله علام الغيوب، الذي لا يغيب عنه وزن نملة صغيرة في السموات والأرض، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا هو مسطور في كتاب واضح، وهو اللوح المحفوظ، ليثيب الذين صدَّقوا بالله، واتَّبَعوا رسوله، وعملوا الصالحات. أولئك لهم مغفرة لذنوبهم ورزق كريم، وهو الجنة.. قوله عز وجل “إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَـٰنَ بِالْغَيْبِ ۖ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ” ﴿يس 11﴾ إنما ينفع تحذيرك مَن آمن بالقرآن، واتبع ما فيه من أحكام الله، وخاف الرحمن، حيث لا يراه أحد إلا الله، فبشِّره بمغفرة من الله لذنوبه، وثواب منه في الآخرة على أعماله الصالحة، وهو دخوله الجنة. قوله جل كرمه “وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ” ﴿الدخان 17﴾ رَسُولٌ كَرِيمٌ: الرسول موسى عليه السلام. ولقد اختبرنا وابتلينا قبل هؤلاء المشركين قوم فرعون، وجاءهم رسول كريم، وهو موسى عليه السلام، فكذبوه فهلكوا، فهكذا نفعل بأعدائك أيها الرسول، إن لم يؤمنوا. قوله تبارك وتعالى “وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ” ﴿الدخان 26﴾ مَقَامٍ كَرِيمٍ: مجالس ومنازل حسنة مزينة. كم ترك فرعون وقومه بعد مهلكهم وإغراق الله إياهم من بساتين وجنات ناضرة، وعيون من الماء جارية، وزروع ومنازل جميلة، وعيشة كانوا فيها متنعمين مترفين.

وعن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله جل اسمه عن كريم “إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ” ﴿التكوير 19﴾ هذا جواب القسم، وضمير انه للقرآن المفهوم من السياق، والمراد بالرسول جبريل، وأضاف سبحانه القرآن إلى جبريل لأنه حامله وناقله عن اللَّه إلى رسول اللَّه صلى الله عليه واله وسلم، ولجبريل كرامة ومكانة عند اللَّه، وهو أمين على التنزيل، وقوي على أدائه وعلى غيره من الأعمال الموكلة إليه. وتقدم مثله في الآية 6 من سورة النجم “مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ” (النجم 6) ثم بمعنى هناك، وهي إشارة إلى المكان الذي يطاع فيه جبريل، وهومن عالم الغيب الذي لا يعرف حقيقته إلا اللَّه.

وعن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تبارك وتعالى “وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ” ﴿الدخان 26﴾ وكانت هاتان ثروتين مهمتين أخريين، فمن جهة كانت الزراعة العظيمة التي تعتمد على النيل، حيث أنواع المواد الزراعية الغذائية وغيرها، والمحصولات التي امتدت في جميع أنحاء مصر، وكانوا يستخدمونها غذاءاً لهم ويصدرون الفائض منها إلى الخارج، ومن جهة اُخرى كانت القصور والمساكن العامرة، حيث أنّ من أهم مستلزمات حياة الإنسان هو المسكن المناسب. لاشك أنّ هذه القصور كريمة من الناحية الظاهرية، ومن وجهة نظر هؤلاء أنفسهم، وإلاّ فإنّ مساكن الطواغيت المزينة هذه، والتي تسبب الغفلة عن الله، لا قيمة لها في منطق القرآن. واحتمل البعض أن يكون المراد من المقام الكريم مجالس الأنس والطرب، أو المنابر التي كان يرتقيها المدّاحون والشعراء للثناء على فرعون. لكن، الظاهر أنّ المعنى الأوّل أنسب من الجميع.

جاء في موقع براثا عن مكانة الكريم عند الله صورة الإمام الحسن المجتبی المتفردة للدكتورة أمل الأسدي: يحدثنا القرآن الكريم عن الإنفاق وفلسفته، فهو  ليس بأمرٍ هيّن ومستساغ بالنسبة للإنسان الذي  يحب المال ويسعی إلی جمعه: “وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَّمًّا * وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا” (الفجر 19-20) فهو  زينة حياة الإنسان وفرحته كما قال تعالی مقدما إياه علی البنين: “الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلً” (الكهف 46) وصوّر البخيل في القرآن الكريم أبشع تصوير، وبيّن غايته من جمع المال، وتفكيره ونفسيته ودواخله، لأن البخل رذيلة خلقية، وصفة مذمومة، من ذلك قوله تعالی: “وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ۖ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ” (التوبة 34-35).  وتحدث القرآن عن الوليد بن  المغيرة واصفا حاله، متوعدا إياه: “وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ * الَّذِي جَمَعَ مالًا وَعَدَّدَهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ * كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ * وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ * نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ * إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَة” (الهمزة 1-9) الذي كان يؤذي رسول الله ويسخر منه، ويستهين به وبالقرآن الكريم، ويتفاخر عليه بأمواله وبنينه، فلن يمنحه المال الخلود، ومصيره الموت والحساب، لذا سينبذه الله في نار الحطمة، ولن تغني عنه أمواله التي جمعها ولا أولاده، جزاء نفاقه وهمزه ولمزه وتفاخره وإيذائه للرسول صلی الله عليه وآله. فنلاحظ كيف صار المال بابا من أبواب جهنم. وفي مقابل صور البخل والتقتير، تحدث القرآن الكريم عن الإنفاق وفلسفته واختار التشبيه كي يصوّر أهميته، وعائديته علی المنفق ومن ذلك قوله تعالی: “مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ”  وفي هذا التشيه التمثيلي، شبه الله سبحانه تعالى المنفقين أو ما ينفقونه في سبيل الله بالحبة التي تنبت سبع سنابل، أي نفقتهم كمثل حبة، أو هم كمثل باذر حبة والمنبت هو الله، وهذه الحبة تخرج ساقاً يتشعب منه سبع شعب وفي كل شعبة مئة حبة، وذلك ليبين الله تعالى ويصور الأضعاف في النفقة التي ينفقونها في سبيله، فالمتصدق كالزراع الذي يتقن عمله ويكون بذره جيداً، فتكون الأرض عامرةً ويكثر الزرع فيها، واختار الله تعالی تشبيه عملية الإنفاق بعملية الزرع والإنبات والحصاد -غالبا- لترسيخ فكرة عودة المُنفَق علی المنفِق بالمنفعة المادية والمعنوية، الدنيوية والأخروية، فالإنفاق والكرم تربية عملية للنفس وإصلاح للمجتمع، وهما قيمة أخلاقية رفيعة ترفع صاحبها وتمنحه خلود الذكر، وتعبّد طريقه الی الجنة، شريطة أن يكون كرمه غير متبوع بالمن والأذی وإذا تحدثنا عن إدخال الفرح علی الإنسان، فنجد أبهی صوره في إغاثته وقضاء حاجته في وقت الشدة،  وقد قال رسول اللهصلی الله عليه وآله: (من مشى في عون أخيه ومنفعته فله ثواب المجاهدين في سبيل الله) وكذلك قال: (أَحَبُّ الناسِ إلى اللهِ تعالى أنفعُهم للناسِ، وأَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سرورٌ تُدخِلُه على مسلمٍ، أو تَكشِفُ عنه كُربةً، أو تقضِي عنه دَيْنًا، أو تَطرُدُ عنه جوعًا، ولأَنْ أمشيَ مع أخ في حاجةٍ، أَحَبُّ إليَّ من أن أعتكِفَ في هذا المسجدِ (يعني مسجد المدينة) ومن مشى مع أخيه في حاجةٍ حتى أثبتها له، أثبتَ اللهُ عز وجل قدمَه على الصراط يوم تزل فيه الأقدامُ).