اخر الاخبار

الامام الحسن كريم أهل البيت: مفهوم كريم في القرآن الكريم (ح 5)‎

د. فاضل حسن شريف

عن  تفسير الميسر: قوله تعالى عن كريم “إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ” ﴿الواقعة 77﴾ إنّه لقرآن كريم: نـفّـاعٌ جمّ المنافع. أو رفيع القدْر. إن هذا القرآن الذي نزل على محمد لقرآن عظيم المنافع، كثير الخير، غزير العلم، في كتاب مَصُون مستور عن أعين الخلق، وهو الكتاب الذي بأيدي الملائكة. لا يَمَسُّ القرآن إلا الملائكة الكرام الذين طهرهم الله من الآفات والذنوب، ولا يَمَسُّه أيضًا إلا المتطهرون من الشرك والجنابة والحدث. قوله عز وعلا “مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ” ﴿الحديد 11﴾ من ذا الذي ينفق في سبيل الله محتسبًا من قلبه بلا مَنٍّ ولا أذى، فيضاعف له ربه الأجر والثواب، وله جزاء كريم، وهو الجنة؟.

وعن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله جل اسمه عن كريم “وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ” ﴿الدخان 26﴾ كان آل فرعون في ألذ مطعم ومشرب، لهم السلطان والقصور والأنهار والثمار، فأرسل اللَّه إليهم موسى يدعوهم إلى العدل وعدم الفساد في الأرض، فلم يستجيبوا لداعي اللَّه، فأهلكهم وأورث ما كانوا فيه لقوم لا يمتون إليهم بسبب ولا نسب. قال الشيخ المراغي عند تفسير هذه الآية: (تغلب على مصر الآشوريون والبابليون حينا، والحبش حينا آخر، ثم الفرس مدة واليونان أخرى، ثم الرومان من بعدهم، ثم العرب ثم الطولونيون والأخشيديون والفاطميون والأيوبيون والمماليك والترك والفرنسيون والانكليز، وها نحن أولاء نجاهد لنحظى بخروجهم من ديارنا، ونتمكن من استقلال بلادنا).

وعن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله جل اسمه “إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ” ﴿الحاقة 40﴾ والمقصود من الرسول هنا بدون شك هو الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وليس جبرائيل، لأن الآيات اللاحقة تبين هذا المعنى بوضوح . والسبب في نسبة القرآن إلى الرسول بالرغم من أننا نعرف أنه قول الله تعالى، لأن الرسول مبلغ عنه، وخاصة أن الآية ذكرت كلمة “رسول” وهذا يعني أن كل ما يقوله الرسول فهو قول مرسله، بالرغم من أنه يجري على لسان الرسول، ويسمع من فمه الشريف .. قوله علا شأنه “إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ” ﴿التكوير 19﴾ فالجواب موجّه لمن اتّهم النبّي صلى الله عليه وآله وسلم باختلاق القرآن ونسبته إلى الباري جلّ شأنه. وقد تناولت وما بعدها خمسة أوصاف لأمين وحي اللّه جبرائيل عليه السلام، وهي الأوصاف التي ينبغي توفرها في كلّ رسول جامع لشرائط الرسالة. فالصفة الأولى: إنّه “كريم”: إشارة إلى علو مرتبته وجلالة شأنه. ومن صفاته أيضاً: “ذي قوّة عند ذي العرش مكين”. “ذي العرش”: ذات اللّه المقدّسة. مع أنّ اللّه مالك كلّ عالم الوجود، فقد وصف (بذي العرش) لما للعرش من أهمية بالغة على على غيره (سواء كان العرش بمعنى عالم ما وراء الطبيعة، أو بمعنى مقام العلم المكنون). أمّا وصفه بـ “ذي قوّة” (أي: صاحب قدرة)، لما للقدرة العظيمة والقوّة الفائقة من دور مهم وفعّال في عملية حمل وإبلاغ الرسالة، وعموماً ينبغي لكل رسول أن يكون صاحب قدرة معينة تتناسب وحدود رسالته، وعلى الإخلاص في مجال عدم نسيان ما يُرسل به. “مكين”: صاحب منزلة ومكانة، وبدون ذلك لا يتمكن الرسول من أداء رسالته على أتمّ وجه، فلا من كونه شخصاً جليلا، لائقاً، ومقرباً للمرسل. وممّا لا شك فيه إنّ التعبير بـ “عند” لا يراد منه الحضور المكاني، لأنّ الباري جل شأنه لا يحده مكان، والمراد هو الحضور المقامي والقرب المعنوي. قوله جل كرمه “وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا” ﴿الإسراء 23﴾ “وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا” وكن أمامهما في غاية التواضع. تقول الآية: “فلا تقل لهما أف” بمعنى لا تظهر عدم ارتياحك أو تنفرك مِنهم “ولا تنهرهما” ثمّ تؤكّد مرّة أُخرى على ضرورة التحدّث معهم بالقول الكريم، إِذ اللسان مفتاح إِلى القلب “وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا”.

سأل معاوية الحسن بن علي عليهما السلام عن الكرم والمروءة؟ فقال الحسن عليه السلام: أما الكرم فالتبرع بالمعروف، والإعطاء قبل السؤال، والإطعام في المحل، وأما المروءة فحفظ الرجل دينه وإحراز نفسه من الدنس وقيامه بضيفه وأداء الحقوق وإفشاء السلام. عن مركز الامام الحسن للدراسات التخصصية كرم الإمام الحسن عليه السلام: تعتبر صفة الكرم و السخاء من أبرز الصفات التي تميَّز بها الإمام الحسن عليه السلام، فكان المال عنده غاية يسعى من خلالها إلى كسوة عريان، أو إغاثة ملهوف، أو وفاء دين غريم، أو إشباع جوع جائع، وإلخ. هذا وعرف الإمام الحسن المجتبى عليه السلام بكريم أهل البيت، فهو الذي قاسم الله أمواله ثلاث مرّات، نصف يدفعه في سبيل الله و نصف يبقيه له، بل وصل إلى أبعد من ذلك، فقد أخرج ماله كلّه مرتين في سبيل الله ولا يبقي لنفسه شيء، فهو كجدّه رسول الله صلى الله عليه وآله يعطي عطاء من لا يخاف الفقر، وهو سليل الأسرة التي قال فيها ربّنا و تعالى: “وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” (الحشر 9). وآية أخرى تحكي لسان حالهم: “وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وأسيرا * إنما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا” (الإنسان 8 ـ 9). فهذا هو الأصل الكريم لإمامنا الحسن عليه السلام الزكي من الشجرة الطيّبة التي تؤتي أُكلها كل حين، فمن كريم طبعه عليه السلام أنّه لا ينتظر السائل حتّى يسأله، و يرى ذل المسألة في وجهه، بل يبادر إليه قبل المسألة فيعطيه. نذكر بعض الشواهد لهذه الصفة المتميِّزة عند الإمام عليه السلام: روي أنَّ الإمام الحسن عليه السلام خرج مع أخيه الإمام الحسين عليه السلام و عبد الله بن جعفر رضوان الله عليه حُجَّاجاً، فَجَاعوا وعطشوا في الطريق، فمرّوا بعجوز في خباء لها، فقالوا: (هَلْ مِن شراب)؟ فقالت: نعم هذه شَاة احلبوها، واشربوا لبنها، ففعلوا ذلك، ثمّ قالوا لها: (هلْ مِن طَعَام )؟ فقالت: لا، إلاّ هذه الشاة، فليذبحها أحدكم حتَّى أُهيئ لكم شيئاً تأكلون. فقام إليها أحدهم فذبَحَها وكشطها، ثمّ هَيَّأت لهم طعاماً فأكلوا، فلمّا ارتحلوا قالوا لها: (نحن نَفَرٌ من قريش، نريد هذا الوجه، فإذَا رَجعنا سالمين فأَلِمِّي بنا فإنَّا صانعون إليكِ خيراً)، ثمّ ارتحلوا. وأقبل زوجُها، وأخبَرَتْه عن القوم والشاة، فغضب الرجل وقال: وَيْحكِ، تذبحين شاتي لأقوام لا تعرفينهم، ثمّ تقولين: نَفَرٌ من قريش. ثمّ بعد مدَّة أَلجَأَتْهُم الحاجة إلى دخول المدينة فدخلاها، فمرَّت العجوز في بعض سِكَك المدينة، فإذا بالحسن عليه السلام على باب داره، فَسَلَّمَت عليه، فعرفها الإمام عليه السلام، وأمر أن يُشتَرَى لها ألف شاة، وتُعطَى ألف دينار. و أرسل معها غلامه إلى أخيه الحسين عليه السلام، فقال: (بِكَمْ وصلك أخي الحسن)؟ فقالت: بألف شاة وألف دينار، فأمر عليه السلام لها بمثل ذلك. ثمّ بعثَ عليه السلام بها مع غلامه إلى عبد الله بن جعفر، فقال: بكم وَصَلك الحسن والحسين عليهما السلام؟ فقالت: بألفي دينار وألفي شاة، فأمر لها عبد الله بن جعفر بمثل ذلك، فَرجِعَت العجوز إلى زوجها بذلك.

عن موقع شفقنا العربي الإمام الحسن المجتبى كريم أهل البيت للشيخ عبدالله اليوسف: المحنة الأولى للإمام الحسن: وقد واجه الإمام الحسن الزكي في حياته الكثير من المعاناة والألم والمحن، وتحمل من صنوف الأذى النفسي والعنف المعنوي الشيء الكثير، حتى من بعض أصحابه الذين لاقوه بالنقد الشديد لإبرامه الصلح مع معاوية مع علمهم باضطراره لذلك. وهذه هي المحنة الأولى والأصعب على الإمام، إذ أن بعض أقرب الناس إليه لم يستوعبوا ما قام به الإمام الحسن من صلح مع معاوية، وعاتبوه بل وتلفظوا عليه بما لا يليق. فهذا سفيان بن أبي ليلى يقول له: السلام عليك يا مذل المؤمنين فقال له: (ما أذللتهم، ولكن كرهت أن أفنيهم وأستأصل شأفتهم لأجل الدنيا). وقد أوضح الإمام الحسن أن من أهدافه من إبرام الصلح هو الحفاظ على البقية الباقية من المؤمنين، فقد قال لمالك بن ضمرة لما عاتبه على الصلح: ( خشيت أن تجتثوا عن وجه الأرض، فأردت أن يكون للدين في الأرض ناعي ). وقال لأبي سعيد لما سأله عن علة الصلح أيضاً: (لولا ما أتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الأرض أحد إلا قتل). المحنة الثانية: والمحنة الأخرى التي واجهها الإمام الحسن كانت مع أعدائه، إذ قام الأمويون بحملة لتشويه شخصية الإمام الحسن حيث شنوا عليه حملة دعائية لتشويه شخصيته، ولفقوا عليه اتهامات كاذبة من قبيل: إنه كثير الزواج والطلاق، ووضع أحاديث مزورة تعطي انطباعاً غير لائق عن شخصيته وسيرته ومقامه وفضله. ولما رأى الأمويون اصطفاف الناس حول الإمام الحسن بالمدينة، وبعد محاولات عديدة لم تحقق أهدافها لاغتيال شخصيته المعنوية والاعتبارية، وضعوا خطة محكمة للقضاء الجسدي على الإمام الحسن من أجل التخلص منه نهائياً. وبالفعل قاموا باغتيال الإمام الحسن بسم زعاف تم دسه إليه بواسطة زوجته (جعدة بنت الأشعث) التي وضعت السم في جرعة من اللبن وقدمته للإمام الحسن وهو صائم. وقد بقي الإمام الحسن أربعين يوماً بعد شربه للبن المسموم حتى لحق بالرفيق الأعلى شاهداً وشهيداً. وهكذا توج الإمام الحسن المجتبى جهاده العظيم بالشهادة، فذهب لربه شهيداً بعدما قاد الأمة خلال فترة إمامته التي استمرت عشر سنوات في ظروف صعبة ومعقدة للغاية. فسلام عليه يوم ولد، ويوم استشهد، ويوم يبعث حياً.