اخر الاخبار

الانتخابات الأمريكية.. التحدي الأكبر لأوروبا

في فبراير من هذا العام، أكدت كامالا هاريس؛ وفي خطاب ألقته في ميونيخ، أن التزام واشنطن تجاه حلفائها في الناتو “صارم”. واليوم، وبما أن هاريس هي المرشحة الرئاسية الديمقراطية، فمن المتوقع أن تحافظ على دعم بايدن لأوكرانيا وكذلك العلاقات الوثيقة مع الشركاء الأوروبيين إذا ما خلفته.

 وفي الوقت نفسه، منافسها الجمهوري دونالد ترامب قال إن روسيا يمكنها أن تفعل ما تريد مع أعضاء الناتو الذين لا ينفقون ما يكفي على دفاعهم كما هو مخطط له. 

ولكن بعد انتخابات نوفمبر، سوف تسود في واشنطن إحدى وجهتي النظر المتباينتين أعلاه بشأن التزامات الولايات المتحدة في أوروبا. وفي كل انحاء الدول المطلة على المحيط الأطلسي، يدرس الأوروبيون بشكل محموم عواقب أي نتيجة، على أمل العثور على صيغة سحرية لنجاح أي من المرشحين في الانتخابات الأمريكية.

ولكن يبدو أن الاستعداد لمواقف محددة اعتمادا على الفائز في الانتخابات هو النهج الخاطئ. ويتعين على الأوروبيين أن يقدموا خطة جماعية للتعامل مع الولايات المتحدة. وإذا لم يقدموا جبهة موحدة، فمن المرجح أن يتابعوا مبادرات فردية لإبقاء الولايات المتحدة منخرطة في أوروبا.

وبغض النظر عمن سيعتلي عرش البيت الأبيض في يناير 2025، فإن أوروبا تحتاج إلى استراتيجية تأخذ في الاعتبار التطورات الأخيرة في السياسة العالمية، وفي الولايات المتحدة، وفي العلاقات عبر الأطلسي؛ لأن العالم صار يبتعد عن اسناد الولايات المتحدة المسؤوليات العالمية، وان الفوضى الناجمة عن تعدد الأقطاب آخذة في الصعود.

 وفي الوقت نفسه، يرحب الأمريكيون بشكل متزايد بتعديل القوة والدعم عن بعد لأنه ثبت أن السياسيين الأمريكيين اليوم قلقون بشأن الصين أكثر من قلقهم بشأن روسيا!

ومع ذلك، فإن احتمال ولاية ثانية لرئاسة ترامب أدى إلى تفاقم المخاوف التي أثيرت منذ عام 2016، عندما أثارت الصدمات المزدوجة المتمثلة في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وانتخاب ترامب الشكوك حول القوة الأوروبية وموثوقية حليفتها الرئيسية، وفي السنوات القليلة الماضية وخاصة بعد غزو روسيا لأوكرانيا، اتخذ الاتحاد الأوروبي خطوات للرد على حالة عدم اليقين هذه، ووضع أطر سياسية لعلاقاته مع الصين وأهدافه في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وتعزيز أمنه الاقتصادي والسيبراني، وتقييم الجانب الاستراتيجي والدفاعي. 

تقييم العلاقات مع الولايات المتحدة

ويقول العديد من المحللين والمراقبين الدوليين إن الوقت قد حان لكي يعيد الاتحاد الأوروبي تقييم علاقاته مع الولايات المتحدة. وبغض النظر عما قد يحدث في نوفمبر، يتعين على أوروبا أن تحدد مصالحها الجماعية في الشراكة عبر الأطلسي وأن تقرر ما تريد حمايته وما تتوقعه من الولايات المتحدة.

من خلال استراتيجية مصممة حول عدة أولويات رئيسية، بما في ذلك العمل مع الولايات المتحدة لردع روسيا وتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط (خاصة بعد حرب غزة)، والدفاع عن الاستقرار الأوروبي وسط المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، والانخراط مع واشنطن لمواجهة التحديات العالمية، يمكن لأوروبا خلق صوت قوي ومتماسك ومتكامل بشأن القضايا المتعلقة بالولايات المتحدة.

إن الاتفاق على مجموعة من المصالح التي يتعين تعزيزها والدفاع عنها، بما في ذلك التوصل إلى أفضل طريقة لتقاسم المسؤوليات مع الولايات المتحدة، يشكل الوسيلة الوحيدة التي قد يتمكن بها الأوروبيون من تجنب تحريض دولة في الاتحاد الأوروبي ضد دولة أخرى والتغلب على حالة عدم اليقين التي تحيط بالسياسة الأميركية.

والأمر الواضح بالنسبة للسياسيين الأوروبيين هو أن إدارة ترامب الثانية ستكون لها عواقب مدمرة على علاقات أوروبا عبر الأطلسي. ولا يعتقد ترامب أن الولايات المتحدة وأوروبا لديهما مصالح أمنية أساسية مشتركة. وبدلا من ذلك، يعتقد أن أوروبا تستغل الولايات المتحدة لدعم أمنها، وهي وجهة نظر تقوض الدعم القوي الذي تقدمه إدارة بايدن للدفاع عن أوكرانيا.

وقال ترامب مرارا وتكرارا إنه سيحاول التوصل إلى اتفاق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإنهاء الحرب التي شنها في أوكرانيا في غضون 24 ساعة، ومن المرجح أن يضحي بمصالح أوكرانيا الأمنية وسلامة أراضيها.

كما قد عارض جيمس ديفيد فانس عضو مجلس الشيوخ عن ولاية أوهايو ونائب ترامب، مرارا وتكرارا إرسال مساعدات أمريكية زائدة إلى أوكرانيا، ويدعو إلى تحويل موارد الولايات المتحدة واهتمامها إلى شرق آسيا.

عودة ترامب 

وبالتالي، يشعر القادة الأوروبيون بالقلق من أن عودة ترامب المحتملة ستؤدي إلى تقويض مشاركة الولايات المتحدة في أوروبا بشكل لا يمكن إصلاحه، وتدعو روسيا إلى المزيد من الأعمال المزعزعة للاستقرار خارج نطاق أوكرانيا.

لكن الأمر لا يتعلق فقط بترامب. إن الحماس لدعم المجهود الحربي لأوكرانيا يتضاءل في واشنطن، وقد دفع تقلص مخزون الأسلحة الأمريكية الكونجرس في وقت سابق من هذا العام إلى وقف شحنات الأسلحة السريعة إلى أوكرانيا، مما أدى إلى سقوط ضحايا في ساحة المعركة.

واليوم هناك ضغوط شعبية لحمل الولايات المتحدة على الإقلاع عن عادة “القتال إلى ما لا نهاية”، والتي أدت بالفعل إلى خروج فوضوي وغير منسق من أفغانستان، وقد تؤدي إلى قرار متسرع مماثل بقطع الدعم عن أوكرانيا. ووفقا لاستطلاع أجراه مركز بيو للأبحاث في يوليو، فإن 50% من الأمريكيين “يشعرون بقلق بالغ” من احتمال استمرار الحرب في أوكرانيا لعدة سنوات، ويعتقد 42% أنها قد تؤدي إلى حرب مع روسيا

وحتى لو تم انتخاب هاريس في نوفمبر، فإن المساعدات الإضافية لأوكرانيا لا تزال بحاجة إلى موافقة مجلس الشيوخ؛ حيث ستضغط أغلبية جمهورية محتملة على الديمقراطيين لمنع مثل هذه المساعدات من فصيل “أمريكا أولا”.

ورغم أن التزام إدارة بايدن القوي تجاه حلف شمال الأطلسي لعب دورا حيويا في إقناع الأوروبيين باتخاذ إجراءات ضد روسيا وتعزيز الوحدة عبر الأطلسي، فإن الأولوية القصوى لواشنطن تظل الصين. وحافظت إدارة بايدن على توازن تقريبي بين كبار المسؤولين العاملين في أوروبا وأولئك الذين يركزون على آسيا، لكن حجم المجموعة الأخيرة زاد مقارنة بالإدارات السابقة.

وينظر صناع السياسات في الولايات المتحدة بشكل متزايد إلى التجارة والتكنولوجيا والتحالفات من حيث المنافسة مع الصين. علاوة على ذلك، تظهر سياسات بايدن أن هدف التنافس مع بكين في واشنطن له الأسبقية على العلاقات الاقتصادية عبر المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ أو الامتثال لقواعد منظمة التجارة العالمية.

لقد عملت الإدارة الحالية في الواقع على تشديد نهج ترامب في التعامل مع الصين من خلال سياسات مهمة لمراقبة الصناعة والصادرات، بما في ذلك قانون الانكماش وقانون الرقائق والعلوم. ويقدم القانون فوائد استثمارية كبرى لشركات التكنولوجيا الخضراء التي تصنع منتجاتها في الولايات المتحدة، ويشجع المصنعين الأوروبيين على نقل مصانعهم، ويقوض الجهود التي تبذلها أوروبا لتوسيع صناعاتها الخضراء.

المصدر: موقع جماران