د. فاضل حسن شريف
صلاة الجمعة لليوم الخامس من شوال:
بسم الله الرحمن الرحيم “يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا” (آل عمران 30) تحدث خطيب جمعة مسجد الامام الحسين عليه السلام الشيخ حسن العامري بمدينة تورونتو الكندية عن موضوع (مشتركات رسالات الأنبياء) قائلا هنالك اصول وعقائد يشترك فيها جميع الأنبياء من آدم عليه السلام الى محمد صلى الله عليه وآله وسلم أولها عقيدة التوحيد ورسالة النبوة الى العباد بالاضافة الى عقيدة الميعاد وهي عقائد أساسية. أما العدل فقد جاء بعد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم حيث اعتقدت بعض المذاهب بنظرية الجبر وهذه تتنافى مع عدل الله سبحانه وتعالى وخلاف العدل الذي هو الاختيار كما ورد عن أئمة أهل البيت عليهم السلام.
هنالك أصول ثلاثة يشترك فيها الأنبياء في رسالاتهم. الأصل الأول كل ما يفعله الانسان له نتيجة وهو مسؤول عن فعله “مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ” (ق 18) الملائكة تسجل كل شيء واذا كان ذلك يصعب ادراكه فالآن بعد تطور التكنولوجيا نرى كيف يتم تسجيل الأفعال صورة وصوت. ان لكل كلمة يطلقها الانسان لها تأثير “فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا” (المائدة 85) الكلمة تبقى في الكون ولا تختفي.
الأصل الثاني اتفق الأنبياء على أن نتيجة العمل هو من سنخ العمل فإذا عملت شيئا جميلا فنتيجته جميله وبالعكس، فهل عند زراعتك لشجرة زيتون تتوقع أن تحصل على برتقال وإنما تحصل على ثمرة الشجرة نفسها وهكذا التفاح والشوك. وكذلك إذا طالب المدرسة اجتهد يحصل على نتيجة جيدة. والعاقبة الحسنة تأتي من الأعمال الحسنة “لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ۗ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ” (النساء 123).
الأصل الثالث لمشتركات الأنبياء ذكروا أن نتائج عملك في الدنيا يرجع لك وليس لغيرك. فالتربة التي يوضع فيها جسد الميت لا تغير شيء في حياة الإنسان البرزخية فالمادة تنعدم وتبقى الروح هي التي تسعد أو تعذب بنار برزخي ليس نار المادة المعروفة. فاذا استغبت الناس وتأذى الناس من كلامك فان الله تعالى يعرف ذلك “قَالَ لَا تَخَافَا ۖ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ” (طه 46)، “وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ” (ق 16)، “اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ۖ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ” (فصلت 40)، “مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ۖ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ” (المجادلة 7).
وكما جاء في الدعاء (اللهم إني اسألك من كل خيرٍ احاط بهِ علمك واعوذ بك من كل شر احاط بهِ علمك اللهم اني اسألك عافيتك في اموري كلها واعوذ بك من خزي الدنيا وعذاب الآخرة إنك على كل شئٍ قدير). كل ذلك هو نتيجة عمل الخير أو الشر. لذلك كما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام في الدعاء عندما يذنب الإنسان (اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء، وبقوتك التي قهرت بها كل شيء، وخضع لها كل شيء، وذل لها كل شيء، وبجبروتك التي غلبت بها كل شيء، وبعزتك التي لا يقوم لها شيء، وبعظمتك التي ملأت أركان كل شيء، وبسلطانك الذي علا كل شيء، وبوجهك الباقي بعد فناء كل شيء، وبأسمائك التي غلبت أركان كل شيء، وبعلمك الذي أحاط بكل شيء، وبنور وجهك الذي أضاء له كل شيء، يا نور يا قدوس، يا أول الأولين، ويا آخر الآخرين. اللهم اغفر لي الذنوب التي تهتك العصم، اللهم اغفر لي الذنوب التي تنزل النقم، اللهم اغفر لي الذنوب التي تغير النعم، اللهم اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء، اللهم اغفر لي الذنوب التي تنزل البلاء، اللهم اغفر لي الذنوب التي تقطع الرجاء، اللهم اغفر لي كل ذنب أذنبته، وكل خطيئة أخطأتها).
خلال القصص القرآنية تجد أن الانبياء يذكرون لنا عواقب الأقوام المكذبة “قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ” (الأنعام 11). كل انسان بعمل سوءا يسلط الله تعالى عليه من لا يرحمه. من الناس يصل ظلمه للايتام والمساكين متناسين أن القرآن الكريم ركز على هذه الشرائح “إِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا 8 وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (9)” (النساء 8-9)، “وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ” (الكهف 82).
الكلمة الطيبة تحصل على نتيجتها في الدنيا قبل الآخرة وكما جاء (الكلمة الطيبة صدقة). قال الله عز من قائل “أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ۗ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ (26) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27)” (ابراهيم 24-27).