د. فاضل حسن شريف
صلاة الجمعة ليوم الثالث عشر من محرم:
بسم الله الرحمن الرحيم “وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ” (ابراهيم 7) تحدث خطيب جمعة مسجد الامام الحسين عليه السلام في مدينة تورنتو الكندية الشيخ حسن العامري عن موضوع (مفهوم الشكر). ابتدأ الشيخ العامري خطبته بهذه الآية المباركة وقال: يعرف الشكر لغة بأنه الأظهار، واصطلاحا له تعريفين الأول الاعتراف ان هنالك نعمة صادرة من منعم ولم تأتي نتيجة ذكاء أو عمل ذاتي وانما جاءت من الخالق الله سبحانه كما قال فرعون “قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي” (القصص 78). أما التعريف الثاني معرفة الطريق الموصل الى نعمة الله مثل الليل والنهار والشمس والقمر والأرض والماء والهواء وأي آية تدل على ان لها خالق وهو الله تعالى. وعليك أن تعلم أن أي نعمة هي من ارادة الله عزت قدرته وليس كما أنت تريد.
للشكر ثلاثة أركان العلم والحال والعمل. أما العلم فعليك بمعرفة المنعم. بعض الأحيان عالم الفلك أو الذرة أو الدين لا يقدر أن علمه جاء من خالقه الله “وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ” (الزمر 67). فعليك بمعرفة المنعم الله لتشكره. السؤال كيف تعرف المنعم؟ والجواب معرفته بأسمائه وصفاته مثل الخالق والرازق والمعطي وكما يريد هو أن تشكره.
هنالك طريقتان لمعرفة الله الاولى عن طريق المعرفة الكسبية والثانية عن طريق المعرفة الوهبية. كسب معرفة الله تتم عن طريق كتبه كما القرآن والإنجيل والتوراة والزبور. توجد مئات الآيات القرآنية تصف الله سبحانه مثل رب العالمين “الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ” (الفاتحة 2)، و الأحد والصمد “قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ” (الاخلاص 1-2) ومعرفة ما الفرق بين أحد وواحد؟ واسماء حسنى أخرى لله ” هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ” (الحشر 22-24)، و “اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ” (البقرة 255). يقول أمير المؤمنين عليه السلام (يا من دل على ذاته بذاته وتنزه عن مجانسة مخلوقاته).
الطريق الثاني لمعرفة الله ذلك عن طريق النبي وأهل بيته عليهم السلام. يقول أمير المؤمنين عليه السلام (أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الاخلاص له، وكمال الاخلاص له نفي الصفات عنه، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثناه، ومن ثناه فقد جزأه). قال أمير المؤمنين لابنه الحسن عليهما السلام (واعلم يا بني أنّه لو كان لربك شريك لأتتك رسله ولرأيت آثار ملكه وسلطانه ولعرفت أفعاله وصفاته، ولكنه إله واحد كما وصف نفسه، لا يضاده في ملكه أحد، ولا يزول أبداً، ولم يزل). يقول الإمام الحسين عليه السلام في دعاء عرفة (اِلهى تَرَدُّدى فِى الاْثارِ يُوجِبُ بُعْدَ الْمَزارِ، فَاجْمَعْنى عَلَيْكَ بِخِدْمَة تُوصِلُنى اِلَيْكَ، كَيْفَ يُسْتَدَلُّ عَلَيْكَ بِما هُوَ فى وُجُودِهِ مُفْتَقِرٌ اِلَيْكَ، اَيَكُونُ لِغَيْرِكَ مِنَ الظُّهُورِ ما لَيْسَ لَكَ، حَتّى يَكُونَ هُوَ الْمُظْهِرَ لَكَ، مَتى غِبْتَ حَتّى تَحْتاجَ اِلى دَليل يَدُلُّ عَليْكَ، وَمَتى بَعُدْتَ حَتّى تَكُونَ الاْثارُ هِىَ الَّتى تُوصِلُ اِلَيْكَ عَمِيَتْ عَيْنٌ لا تَراكَ عَلَيْها رَقيباً، وَخَسِرَتْ صَفْقَةُ عَبْد لَمْ تَجْعَلْ لَهُ مِنْ حُبِّكَ نَصيباً). يقول الإمام علي زين العابدين عليه السلام في دعاء يوم الاثنين (الحمد لله الذي لم يشهد أحدا حين فطر السماوات والأرض ولا اتخذ معينا حين برأ النسمات، لم يشارك في الإلهية، ولم يظاهر في الوحدانية، كلت الألسن عن غاية صفته، وانحسرت العقول عن كنه معرفته، وتواضعت الجبابرة لهيبته، وعنت الوجوه لخشيته)، و دعاء يوم الخميس (الحمد لله الذي أذهب الليل مظلما بقدرته، وجاء بالنهار مبصرا برحمته، وكساني ضياءه، وآتاني نعمته).
قال الله سبحانه “فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ” (البقرة 152). وجاء في الدعاء (الحمد لله الأول قبل الإنشاء والإحياء، والآخر بعد فناء الأشياء، العليم الذي لا ينسى من ذكره، ولا ينقص من شكره، ولا يخيب من دعاه، ولا يقطع رجاء من رجاه)، و (اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف رسولك، اللهم عرفني رسولك، فإنك إن لم تعرفني رسولك، لم أعرف حجتك، اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك، ضللت). في قصة آدم عليه السلام والملائكة قال الله تعالى “وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ” (البقرة 31). علينا تطهير أنفسنا وتقوى الله حتى نعلم نعم الله “وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ” (البقرة 282).
الله سبحانه يهب العلم لمن يشاء كما في قصة طالوت “قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ۖ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ” (البقرة 247)، وفي قصة ذي القرنين “إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا” (الكهف 84)، وقصة لقمان “وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ ۚ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ” (لقمان 12).